المرتزقة في الجيش الصهيوني .. وحشية وساديّة
عددهم أكثر من سبعة آلاف ويخدمون في أغلب الوحدات العسكرية، يقتلون العرب في سادية وتوحّش بلا رحمة، ولا هدف لهم إلا جمع المال فقط بغض النظر عن أي اعتبار آخر.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
عددهم أكثر من سبعة آلاف ويخدمون في أغلب الوحدات العسكرية
يقتلون العرب في سادية وتوحّش بلا رحمة.
ولا هدف لهم إلا جمع المال فقط بغض النظر عن أي اعتبار آخر.
ينتشرون في جميع أنحاء الكيان الصهيوني بدءاً من صحراء النقب أقصى جنوبه وحتى الحدود الشمالية المشتركة مع لبنان.
إنهم المرتزقة في جيش الاحتلال الصهيوني والذين وصل عددهم الآن إلى 7365 فردا. ويمثلون أهمية كبيرة للكيان الصهيوني، وهي الأهمية التي زادت بشدة خلال الفترة الأخيرة في ظلّ تصاعد وتيرة الانتفاضة الفلسطينية. الأمر الذي دفع بالكيان لتوفير سماسرة متخصصين لاستقدامهم وإقناعهم بالانضمام إلى جيشه.
ويقوم في نفس الوقت بتوفير كل ما يحتاجونه من متطلبات تساعدهم على الاندماج مع المجتمع، بالإضافة لتخصيص مبالغ ضخمة من الميزانية الحكومية لاستيعابهم هم وعائلاتهم داخل الكيان لتوفير كافة سبل الراحة لهم، خاصة بعد أن أصبحوا جزءاً أساسياً من تكوين جيش الاحتلال، لا يمكن الاستغناء عنه.
العقيد متقاعد الصهيوني أليعازر إسحاق الخبير العسكري والمحاضر في عدد من المعاهد العسكرية أصدر أخيراً دراسة بعنوان "المرتزقة في الجيش (الإسرائيلي)"، وهي الدراسة التي صدرت في شهر يوليو2002، وتلقي الضوء على هذه الظاهرة التي بدأت في الانتشار بقوة داخل الجيش.
يكشف إسحاق العديد من الجوانب الإيجابية المتعلقة بهؤلاء المرتزقة والاستفادة الكبيرة التي استطاعت دولة الاحتلال حصدها من ورائهم على كثير من المستويات الأمنية والعسكرية، بالإضافة للجوانب السلبية التي تسبّبوا فيها وأثّرت بدورها على الجيش وبقية المؤسسات المدنية والاجتماعية الأخرى، فضلاً عن تحوّلهم إلى عبء كبير يثقل كاهل الكيان ومؤسساته.
وتقع الدراسة في 230 صفحة وتنقسم إلى فصلين: الأول بعنوان "المرتزقة في الجيش.. لماذا؟"، والثاني بعنوان "المشاكل الاجتماعية للمرتزقة"..
المرتزقة في الجيش (الإسرائيلي):
يوضح إسحاق في بداية الدراسة أن تاريخ استعانة الكيان الصهيوني بالمرتزقة يعود إلى عام 1948، عند إقامته حيث قام عدد من الجنود وكبار الضباط اليهود ممن شاركوا في الحرب العالمية الثانية بجانب دول الحلفاء باستقدام كثير من العسكريين من هذه الدول للانضمام إلى الفصائل الصهيونية مثل البالماخ والهاجاناه ويهوشع في حربها ضد العرب نظراً للخبرة الكبيرة والكفاءة والقدرة العالية التي يتمتعون بها مقابل مبالغ مالية طائلة، وكان عددهم يبلغ 494.
وكانت أكثر الفصائل استعانة بهم هي البالماخ نظراً لإشراف رئيس الوزراء الصهيوني الهالك دافيد بن جوريون المباشر عليها واقتناعه التام بضرورة دعم البالماخ وغيرها من الفصائل - التي تكوّن منها الجيش الصهيوني بعد ذلك - بهؤلاء العسكريين لعدة أساب أهمها نقل الخبرة العسكرية الواسعة التي يمتلكونها إلى الجنود والضباط الصهاينة، وتكوين قاعدة أساسية قوية للجيش تؤهله للتصدي لأي عدوان قد تشنّه عليه أية دولة عربية معادية له في أي وقت، وساعد على انتشار وجود هؤلاء العسكريين المرتزقة نجاحهم في تحقيق كثير من الانتصارات والإنجازات المتميزة أثناء حرب 1948 وما تلاها من مناوشات ومواجهات بعد ذلك..
هذا الوضع دفع بـ "بن جوريون" إلى تكريم 84 عسكرياً منهم في احتفال كبير أقيم عام 1950 ومنحهم الجنسية الصهيونية والأوسمة الرفيعة تقديراً لهم على المساعدات التي قدموها للكيان الصهيوني في التصدي للجيوش العربية، وساعد على تمسك بن جوريون وكبار المسؤولين بهم اعتماد الكيان وبصورة أساسية على عناصر قوات الاحتياط من أجل تكوين قواتها العسكرية نظراً لنقص القاعدة البشرية للكيان بالمقارنة بأي جيش عربي آخر والذي يكون أعضاؤه من القوات النظامية الدائمة..
وقام إسحاق بن باؤول المستشار السياسي لـ بن جوريون بتولي مسؤولية عمل هؤلاء المرتزقة وزيادة أعدادهم داخل الجيش، وبقية المؤسسات العسكرية الأخرى، خاصة وأن الاعتماد عليهم سيساعد على تطبيق قواعد العقيدة القتالية الصهيونية التي وضعها بن جوريون وتنص على عدد من الأساسيات الواجب على الصهاينة اتباعها مثل التطوير المستمر في عمل الجيش والاعتماد على غير اليهود في المواجهات العسكرية لتقليل نسبة الخسائر البشرية وسط اليهود، وعدم الإضرار بكثافتهم الطبيعية بأي حال من الأحوال، وأصبح المرتزقة بالتالي جزءاً أساسيا في الجيش وخاضوا كافة الحروب مع الكيان بعد ذلك بداية من حرب 1956 و1967 و1973 ضد مصر، وكذلك مشاركتهم في اجتياح جنوب لبنان عام 1982 بجانب مشاركتهم الأساسية في كثير من العمليات داخل وخارج الكيان تحت إشراف جهاز الاستخبارات العامة "موساد"، وقامت الحكومات الصهيونية منذ عام 1950 حتى الآن بتخصيص ميزانيات ضخمة للارتقاء بالمرتزقة وتطوير عملهم..
وبدأت تلك الميزانيات بـ 350 ألف شيكل عام 1950 و450 ألف شيكل عام 1952 و600 ألف شيكل عام 1956، ومليون شيكل عام 1960، ومليون ومائتي ألف شيكل عام 1963 في عهد رئيس الوزراء الصهيوني الهالك ليفي أشكول، ومليون ونصف المليون شيكل عام 1967 في عهد أشكول أيضاً، وفي عام 1970 خصّصت رئيسة الوزراء الهالكة جولدا مائير مليون شيكل لنفس الغرض..
وعام 1974 رصدت مائير مليوناً ونصف المليون شيكل لهم أيضاً، وعام 1978 رصد رئيس الوزراء الصهيوني مناحيم بيجن 2 مليون شيكل لهم، وعام 1982 رصد رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إسحاق شامير مبلغ 2 مليون ونصف المليون شيكل لنفس الغرض، وعام 1985 رصد شامير 3 ملايين ومائتي ألف شيكل لهم، وعام 1988 رصد أيضاً 3 ملايين شيكل لهم، وعام 1992 رصد رئيس الوزراء الهالك إسحاق رابين 5 ملايين شيكل، وعام 1996 رصد رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتانياهو7 ملايين شيكل لهم، وعام 2000 رصد رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك مبلغ 2 مليون ونصف المليون شيكل فقط، ويعود ذلك لعدم اقتناعه بضم المرتزقة إلى صفوف الجيش، خاصة الوحدات العسكرية القتالية المؤثرة، حيث كان يؤكد أن وجود أي عنصر أجنبي في تلك الوحدات بصورة خاصة أوفي الجيش بصورة عامة سيؤدي إلى نتائج سلبية كبيرة لن تنجح (إسرائيل) في مواجهتها أوالتغلب عليها نظراً لأن المرتزق لا يتمتع بما أسماه بـ "الولاء الفطري لـ (إسرائيل)"، وكل ما يهمه هوجمع المال بغض النظر عن أي اعتبار آخر..
وهوما لمسه باراك أثناء توليه رئاسة هيئة الأركان العسكرية وتعامله الشخصي معهم، وإصراره الدائم آنذاك على استبعادهم من أية مهمة حساسة أوالوجود في المواقع العسكرية المهمة. إلا أن الوضع اختلف مع تولي شارون رئاسة الوزراء، حيث قرّر في بداية هذا العام 2002 تخصيص مبلغ 6 ملايين شيكل للارتقاء بعمل المرتزقة، خاصة مع تصاعد أحداث الانتفاضة والعنف الناجم عنها في الأراضي الفلسطينية.. وسبب ذلك القرار مشكلات كبيرة لـ شارون نظراً لوجود العديد من الأزمات الاقتصادية التي تتعرض لها دولة الكيان الصهيوني ويتوجب معها تقليص الميزانية في كثير من النواحي والأمور المدنية أوالعسكرية، وطالب عدد من أعضاء الحكومة بتقليل ذلك المبلغ إلى أقصى درجة حتى لا تتأثر الميزانية به، ونتيجة لذلك تعهد شارون بحل تلك المشكلة قبل نهاية هذا العام وإرضاء جميع الأطراف المعارضة...
سماسرة:
ويشير إسحاق إلى أن عدد هؤلاء المرتزقة تزايد بشدة منذ بداية السبعينيات وتفكّك الاتحاد السوفيتي وتدفق أعداد المهاجرين الروس والقادمين من أوروبا الشرقية إلى الكيان الصهيوني. واستغل عدد كبير من المرتزقة الروس وأبناء دول أوروبا الشرقية من غير اليهود فرصة التسهيلات التي وفّرتها دولة الكيان الصهيوني للهجرة إليها وزوّروا شهادات من عدة مكاتب ومؤسسات يهودية تثبت أن ديانتهم يهودية للسفر إلى الكيان وهناك انضموا إلى الجيش للعمل كمرتزقة بالإضافة لبروز طائفة السماسرة الذين يقومون بالتوسط بين المرتزقة من جهة والمسؤولين الصهاينة من جهة أخرى للانضمام إلى الجيش.. ويقول أحد هؤلاء السماسرة ويدعى "إلكسندر يهودا" إنه عمل سمسار مرتزقة منذ حضوره إلى (إسرائيل) عام 1992 حتى الآن، وتم اختياره على يد عدد من المسؤولين للقيام بتلك المهمة لعدة أسباب أهمها أنه خدم في الجيش الروسي لفترة طويلة، حيث كان ضابطاً سابقاً فيه وهوما جعله يرتبط بعلاقات صداقة مع كثير من الجنود والضباط الروس، وساعده ذلك على إقناع عدد كبير منهم بتقديم استقالته من الجيش والحضور إلى (إسرائيل) سراً بمساعدة أعضاء مكاتب الوكالات اليهودية المنتشرة في أوروبا حيث لا يسمح لأي ضابط روسي السفر إلى الخارج إلا بعد مرور خمس سنوات من انتهاء خدمته أوتقديم استقالته من الجيش، ويوضّح "يهودا" أن تدهور الوضع الاقتصادي الروسي والإمكانيات الهائلة التي تتمتع بها (إسرائيل) وتوفّرها للمرتزقة ساعدته كثيراً في عمله، ويتلقى "يهودا" مبالغ مالية طائلة نظير عمله حيث يتلقى عشرة آلاف دولار نظير استقدامه للضابط الواحد من رتبة ملازم حتى رائد، وعشرين ألف دولار نظير استقدامه للضابط من رتبة رائد إلى ما أعلى، وثمانية آلاف وخمسمائة دولار نظير استقدام المجنّد المتميز الذي يستطيع استخدام الأسلحة المتطورة ويعرف أكثر من لغة أجنبية، وخمسة آلاف دولار نظير استقدام المجند العادي الغير متعلم والذي لا يستطيع استخدام الأسلحة المتطورة، ويقوم يهودا بإلحاق هؤلاء العسكريين فور وصولهم إلى الكيان الصهيوني بمؤسسة جلب الجنود التي تقوم بالعناية بشؤونهم وتساعدهم على الاندماج مع المجتمع بسرعة في البداية ثم توزيعهم بعد ذلك على الوحدات العسكرية للخدمة فيها..
أقل خدمة لـ (إسرائيل)!!:
ويؤكد "شموئيل تشاوجوفكسي" أحد كبار سماسرة المرتزقة - والذي هاجر إلى الكيان الصهيوني عام 1993 قادماً من روسيا - أنه لا يرى عيباً في عمله معتبراً أن استقدام المرتزقة من روسيا أومن أي دولة أخرى في العالم للانضمام إلى الجيش الصهيوني يعتبر أقل خدمة من الممكن تقديمها إلى الدولة التي احتضنته هووغيره من اليهود الروس وأعطته جنسيتها وأنقذته من المخاطر والمشاكل الاقتصادية الصعبة التي واجهته عقب تفكك الاتحاد السوفيتي..
ويضيف "تشاوجوفسكي" أنه كان يقوم في البداية باستقدام المرتزقة من روسيا، وبعد نجاحه في هذه المهمة أوكلت له مهمة أكبر وهي جلب المرتزقة من جميع أنحاء أوروبا، ورشّحه لذلك رئيس هيئة الأركان الفريق "موشيه يعلون" عام 1999، والذي كان يشغل آنذاك منصب نائب رئيس هيئة الأركان، نظراً لاهتمامه الشديد بتلك المسألة وحرصه على الاجتماع وبصورة دورية مع "تشاوجوفسكي" وغيره من السماسرة من أجل تذليل أي صعوبات تواجههم في عملهم، بالإضافة لإشرافه المباشر على مؤسسة جلب الجنود وتطويره المتواصل لعملها..
ويوضح "تشاوجوفسكي" أنه يهتم بصورة دائمة باستقدام المرتزقة من الدول التي تعاني صعوبات مادية خاصة في أوروبا مثل رومانيا وبلغاريا وسلوفاكيا لأن تلك الدول تهتم بالعسكريين فيها وتلقّنهم أفضل الدورات والتدريبات المتطورة، وهوما ينعكس إيجابياً في النهاية على وضع الجيش الصهيوني بصورة عامة، خاصة في ذلك الوقت الحساس الذي يخوض فيه حروباً ومواجهات مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، أومع اللبنانيين في جنوب لبنان، مشيراً إلى أن هؤلاء المرتزقة أبلوا بلاءً حسناً في كافة العمليات العسكرية المشتعلة على كلا الجبهتين.. ولقد أشار عدد من كبار قادة حزب الله وعلى رأسهم الأمين العام الشيخ حسن نصر الله وكذلك كبار قادة الفصائل الفلسطينية إلى خطورة هؤلاء المرتزقة الذين يقاتلون بوحشية وبطش أكثر من الجنود الصهاينة أنفسهم، خاصة ضد المدنيين، مؤكدين أن وجودهم مع الجيش الصهيوني يعتبر وصفاً مخالفاً لكافة المواثيق والاتفاقيات الدولية في ظل الانتهاكات التي يقومون بها..
ويكشف "تشاوجوفسكي" أن القيادات العسكرية داخل الجيش تحدّد تسعيرات معينة لهؤلاء المرتزقة نظير قتل العرب، مما يجعلهم ينتهجون تلك الشراسة في قتالهم.. ويمنح المرتزق 7 آلاف دولار عند قتله لأحد أعضاء المقاومة الفلسطينية و14 ألف دولار عند قتله لأحد زعماء الجماعات الفلسطينية المسلحة البارزة و28 ألفاً عند قتله لأحد أعضاء القيادة العليا في هذه الجماعات..
ويروي أحد الجنود الصهاينة - ممن لم تكشف الدراسة عن اسمه - أنه يشعر بالخوف الشديد عند خروجه في أي دورية عسكرية مع المرتزقة الذين يقتلون العرب بصورة وحشية ويمثلون بجثثهم ويقطعون رؤوسهم وهم يضحكون في سادية.
والمستفز أن هؤلاء المرتزقة يتفاخرون عقب انتهاء أي معركة بعدد العرب الذين قتلوهم حتى أن أحدهم افتخر بعد انتهاء إحدى العمليات العسكرية التي قام بها جيش الاحتلال أخيراً في مخيم جنين أنه قتل عائلة فلسطينية كاملة مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال بلا رحمة، وأخذ هذا المرتزق يشرح لزملائه ومن معهم من جنود صهاينة كيف كان الأب والأم ينظران إليه في رعب وهلع خوفاً على أولادهما، إلا أنه لم يرحمهم وقتلهم كلهم، وأعرب عن سعادته للقيام بذلك لأنه سيحصل على مقابل كبير لذلك من قادته في الجيش، بل إنه تعهّد بمواصلة قتله للعرب في كل مناسبة ومواجهة حتى يحصل على أكبر قدر ممكن من المكاسب المادية..
المال وحده هوهدفي!!
ولكن ماذا عن رأي هؤلاء الجنود المرتزقة الذين قبلوا الانضمام للجيش الصهيوني وخوض الحروب المختلفة معه وهجروا أوطانهم الأصلية التي عاشوا فيها مقابل المادة فقط؟!..
"ديمتري بوراتاسوف" أحد المرتزقة الذين قدموا إلى الكيان من روسيا يشير إلى أن انضمامه لصفوف الجيش الصهيوني وفّر له كثيراً من المميزات أهمها التمتع ببدلات نقدية متميزة لم يكن يستطيع الحصول عليها في روسيا نظراً للمشاكل والصعوبات الاقتصادية التي تعصف بها (في ذلك الوقت).
ورغم أن "بوراتاسوف" كان ضابطاً في الجيش إلا أن راتبه كان يتأخر لأكثر من أربعة أوخمسة أشهر في كثير من الأحيان، وهوما أصابه بالضيق الشديد وأثّر نفسياً عليه وعلى عائلته التي لم يكن يستطيع أن يوفّر لها كثيراً من مطالبها الأساسية والضرورية، ودفعه ذلك إلى التفكير في ترك روسيا والهجرة إلى أي دولة أخرى يستطيع فيها تحسين ظروفه المادية..
وقرّر "بوراتاسوف" السفر إلى الكيان الصهيوني بعدما عرض عليه أحد أصدقائه اليهود ممن يعمل سراً كـ سمسار مرتزقة ذلك، زاعماً أن جميع مشاكله ستحلّ باتخاذ تلك الخطوة التي ستكفل له تحقيق طموحاته على المستوى المادي والشخصي..
ويوضح "بوراتاسوف" أنه غير نادم إطلاقاً على عمله في الكيان الصهيوني والهروب من روسيا، خاصة وأنه وجد كل ما يحتاجه بها بداية من تلقيه راتباً شهرياً يصل إلى 52 ألف شيكل - أي حوالي 5 آلاف دولار - وهومرتب مرتفع للغاية ويكفيه تماماً لتلبية كل رغباته الشخصية والعائلية، ثم مساعدة كبار المسؤولين الصهاينة له لاستقدام عائلته والحضور بهم للعيش معه في الكيان وإعطائه شقة كبيرة في تل أبيب وإلحاق أطفاله بأفضل المدارس مجاناً، بجانب تلقّيه وعوداً من كبار الضباط في الجيش بمنحه الجنسية (الإسرائيلية) هووجميع أفراد عائلته..
ابنتي السبب !!:
"جورج بيبسكو" أحد هؤلاء المرتزقة والروماني الجنسية يؤكد أن العامل الذي دفعه إلى الحضور للكيان الصهيوني والعمل كـمرتزق في جيشها - رغم أنه كان ضابطاً برتبة رائد في الجيش الروماني - هوالأحوال المادية السيئة التي كانت تقف دائماً أمام تحقيق أحلامه وتحرمه من العناية بأسرته بصورة ملائمة..
ويوضح "بيبسكو" أنه عجز في إحدى المرات عن توفير الدواء اللازم لابنته الصغرى التي كانت مصابة بـ التهاب رئوي حاد ولم يكن هناك من يستطيع علاجها حتى في المستشفيات العسكرية التابعة للجيش، والتي لم يكن يتوفر بها أجهزة تنفس صناعية..
وطلب الأطباء من "بيسكو" إحضار جهاز تنفس صناعي بسرعة من أي مكان، إلا أنه لم يستطع ذلك نظراً لعدم امتلاكه للنقود اللازمة لذلك، وساءت حالة ابنته الصحية وكادت أن تموت إلا إنها نجحت في آخر لحظة بعدما جمع عدد من أصدقائه الضباط الأموال اللازمة لإحضار ذلك الجهاز، ودفعت تلك الحادثة "بيبسكو" إلى التفكير في الهروب من رومانيا والاستقالة من الجيش والتوجه للعمل في أي دولة أخرى توفّر له ولأولاده فرصة حياة أفضل..
وفوجئ في أحد الأيام بصديق له يدعى "يولي تيمار" يعمل مهندساً للطرق في الكيان الصهيوني يبعث له برسالة وصورة له من هناك، ويطلب منه الحضور إليه في أقرب فرصة.. وبالفعل تقدّم "بيبسكو" بطلب إلى المسؤولين في الجيش الروماني للسماح له بالسفر إلى الكيان الصهيوني لمدة أسبوع، وتمت الموافقة على الطلب، وسافر "بيبسكو" إلى صديقه تيمار الذي فوجئ بتغير أحواله للأفضل وظهور علامات الثراء والغنى عليه وهوما جعل "بيبسكو" يفكّر جدياً في الاستقرار والعمل في الكيان الصهيوني.
وعرض الفكرة على صديقه الذي شجّعه بشدة وأرشده إلى أحد المكاتب التابعة لمؤسسة جلب الجنود، وهناك تقدّم بطلب للالتحاق بالعمل كمرتزق في جيش الاحتلال. وبعد مرور أسبوع تمت الموافقة على الطلب والتحق "بيبسكو" بالجيش وقامت المؤسسة بعد ذلك بجلب عائلته من رومانيا، وإلحاق أطفاله بالمدارس الابتدائية، وصرفت له مرتباً شهرياً يبلغ 500 دولار بجانب مرتبه الذي يحصل عليه من الجيش لإعانته على تلبية مطالب أسرته والتكيّف بسرعة مع المجتمع..
وعلى الرغم من ذلك إلا أن "بيبسكو" يعترف بأنه يواجه مشاكل صعبة للغاية من أجل الاندماج مع المجتمع الصهيوني حيث وقع في خلافات حادة أكثر من مرة مع كثير من الصهاينة خاصة المتشدّدين الرافضين لوجوده هووزملائه من المرتزقة، إلا إنه يحاول التكيّف مع هذه الأوضاع الصعبة والتغلب على هذه المشاكل والقبول بالأمر الواقع خاصة وهولا يمتلك أي خيار آخر غير البقاء في الكيان الصهيوني!!..
المشاكل الاجتماعية للمرتزقة:
وينتقل إسحاق في الفصل الثاني من الدراسة للكشف عن أبرز المشاكل التي تسبب فيها هؤلاء المرتزقة بوجودهم داخل المجتمع الصهيوني، مؤكداً أن هذه المشاكل أثّرت بقوة على عمل العديد من المؤسسات المختلفة بجانب الجيش، حيث تصاعدت حدّة الكراهية بين هؤلاء المرتزقة والجنود الصهاينة بصورة ملفتة خاصة مع استهزاء الأوائل بقواعد الديانة اليهودية ورموزها والمناسك الدينية التي يتبعها اليهودي في الصلاة، وارتدائه لـ "القبعة الدينية كيباه" فوق رأسه، مما سبّب العديد من المواجهات بين الجنود والضباط المتشدّدين وهؤلاء المرتزقة..
ووقعت أبرز تلك المواجهات في شهر فبراير من العام الحالي 2002 بإحدى القواعد العسكرية في صحراء النقب حيث أصيب 32 جنديا وضابطا متشدداً عند تعاركهم مع بعض المرتزقة بسبب عدم سماح هؤلاء الجنود والضباط بتنظيم المرتزقة لحفلة رقص داخل الوحدة، مؤكدين أن ذلك يتعارض مع القواعد اليهودية مما أدّى لنشوب معركة حامية بين الطرفين.. وطالب عدد من الوزراء بالحكومة الصهيونية بالتحقيق الفوري في تلك القضية خاصة مع تصاعد الجدل وتزايد حدة الخلافات المتعلقة ببقاء أورحيل هؤلاء المرتزقة، حيث يرى البعض ضرورة استمرار وجودهم في الجيش نظراً لمساهمتهم الفعالة في حماية "المدنيين" وحتى العسكريين الصهاينة من الأخطار المختلفة التي يتعرّضون لها على يد العرب..
بينما يرى البعض الآخر أن وجود المرتزقة سيسبب العديد من المشاكل التي ستؤثر على الكيان خاصة مع تزايد أعدادهم ووصوله إلى 7365 فرداً طبقا لآخر إحصائية أجراها المعهد العسكري الإحصائي التابع للجيش الصهيوني في شهر مايو(2002) يقوم معظمهم بكثير من الأمور التي لا تلائم اليهود. وتستفز مشاعرهم مثل الاستهزاء بقواعدهم الدينية، والزعم بأن اليهود هم المتسببون في قتل السيد المسيح، ويتحكّمون في العالم عن طريق سيطرتهم على أبرز مؤسسات ومراكز الدعارة والقمار في العالم، حتى أن هناك خلافات ومواجهات اشتعلت بين الطرفين كان أبرزها في يناير (2002) عندما وقع اشتباك أمام وزارة الدفاع بين الموالين لبقاء المرتزقة من جهة والمطالبين برحيلهم من جهة أخرى أسفر عن إصابة 300 شخص إصابات بالغة للغاية.. مما دفع بكثير من المسؤولين وأعضاء الكنيست بالمطالبة بضرورة حلّ تلك المشكلة المتفاقمة منذ فترة طويلة والتي لن تحلّ بسهولة مع تمسك شارون بهم، وهوما سيزيد من تعقيد تلك المشكلة وصعوبة حلها..
وبالتالي يظهر مدى ضخامة تلك المشكلة التي وضعت دولة الكيان الصهيوني بين مطرقة رفض وجود هؤلاء المرتزقة وسندان ضرورة الاستعانة بهم، وأياً كانت النتائج المتمخضة عن تلك المشكلة فالواضح الآن أن الكيان لن يستطيع حلّها بسهولة خاصة مع تفاقم النتائج السلبية الناتجة عن وجود المرتزقة على أراضيه.