ذهب طيلسانه وبقي لسانه ! ... قصة حقيقية
ملفات متنوعة
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
ذهب طيلسانه وبقي لسانه..! قصة حقيقية
موقع التبيان الإسلامي
بصمت أقدامه أرض المطار الدولي، وتمايل في مشية الخيلاء، وكأنه طاووس يتبختر وسط أقرانه..! قيل أنه وسيم وجذاب حتى الثمالة، وبطيلسان -هندام- أباطرة الروم وسلاطين الزمان، لأنه هكذا يرى نفسه أمام أي زجاج عاكس تسقط عليه عيناه..! فقد غادر الطاووس وطنه حتى دون أن يزور أو يتصل بوالديه اللذين لم يراهما منذ شهر..!
كانت المهمة لغرض تجاري وثقافي وترفيهي، ولتوقيع بعض العقود مع مندوبي بعض الشركات الأجنبية، فسارت السيارة به وسط المدينة الخليجية الكبرى، حتى توقـفت أمام فندق أرض الأحلام، وما إن ترجل فوق البساط الأحمر حتى وجد نفسه وسط البهو الذي يأسر الأرواح قبل العيون، حينها اختلط عليه الأمر فأمامه حوض أسماك كبير بكبر مد ناظريه، وخُـيـّـل إليه أن الحسناوات اللاتي يراوحن بالغدو من وإلى البهو كعرائس البحر، وأنهن يتراقصن فرحًا بمقدمه مع الأسماك والدلافين، ويغنين كالعنادل لحضوره وتشريفه، وينظرن إليه بعيون فيضها دموع، وبإعجاب دون كل رجال الأرض وأمراء البحر..! حتى قطع تفكيره موظف الفندق: "هل نذهب لجناحك سيدي".
انقضى يومين حافلين بالاجتماعات والمواعيد ولقاء الأصدقاء، ونسي أو تناسى مواعيد صلاته التي كان يؤديها دائمًا أمام زوجته وأبناءه، فكان يصلي الظهر بالليل والفجر بالمساء، وبطريقة نقر الغراب، أما بالنسبة للنوم فله نصيب شحيح عند طاووسنا، حيث ينام سويعات قليلة كي لاتـفـوته فعالية أو اجتماع أو عشاء ساخن، انقضت أيام وهو على هذا المنوال، من الصباح حتى منتصف الليل، والأهم من كل هذا أنه لا يترك -أو بمعنى أصح لا ينسى- الاهتمام بطيلسانه العظيم، وخاصة المشط الذي يخفيه داخل ملابسه، فكلما وقف أمام زجاج أو مرآة، تبختر منتفخًا ريشه وتزين وتمايل وتغزل في نفسه، وحتى الشعرة التي تتدلى على جبينه يتأكد أنها بالزاوية المناسبة، وأن الحذاء يلمع بما فيه الكفاية..!
والغريب في الأمر أنه واثق من نفسه، كما نثق نحن أن بأيدينا عشرة أصابع، وأنه الوحيد الذي يمثل هذا الدور بكفاءة، وأنه أفضل وأقدر وأوسم شاب على وجه الأرض..! وأخيرًا يختتم بقنينة العطر الصغيرة.
في اليوم قبل الأخير من عمر الرحلة النرجسية، وبعد أن فرغ من طعامه وتجواله بالسوق الكبير، أراد أن يبتعد عن الروتين قليلًا كنوع من التغيير، فذهب للسوق وأشترى بعض الحاجيات، وبينما هو يعبر الشارع الكبير ترنح توازنه، وتزلزل كيانه فشعر أنه سيسقط أرضًا، حينها تمسك بالحاجز الحديدي وسط الرصيف وعبر الشارع، وما أن خطى خطوات وسط الحديقة المبتلة بالماء والمكشوف طينها سقط الطاووس وتلقى الطين بوجهه وكـفيه..!
الدنيا تدور أمامه كما كان يرى بالأفلام، إنها حقيقة وليس وهمًا، وشعر أنه بوسط كومة من الرجال المحيطين به، وبدا عليهم العطف عليه والشفقة لوضعه، وكان معظمهم من الجنسية الأسيوية، فتجمهر عدد أكبر حتى ضاع في أوساطهم ونظر من حوله وكأنه طفل قد تاه وسط الزحام، والكل يحاول أن يساعده ويسأله من أين أنت؟ نظر إلى طيلسانه وقد تلطخ بالطين من كل جانب، وشعره الجميل قد تبعثر، وساعته الباهظة قد اختلط لمعانها بالطين، وحذائه الماروني قد أصبح كحذاء عمال مناجم الفحم، فسأل نفسه والدموع تسيل على وجناته: "كيف حصل هذا بثواني معدودة؟ وكيف سقط هندامي الجميل وأصبحت أطلب الشفقة؟ ياربي كيف كيف؟!"
كان يسمع اختلاط أصوات المتجمهرين، فاحتضن نفسه وكأنه خائف على ما تبقى لديه من مال وجوال، فأستشعر الناس بحاجته، فرشفوه بالماء ومددوه على إحدى كراسي الحديقة، ودقائق وإذا به يجد نفسه داخل سيارة الإسعاف وقد جردوه من بدلته الألفية، وبقي عليه جزء من ملابسه..! فأسعفوه بعد أن تبين إنه قد أجهد نفسه وأرهق روحه مع قلة النوم، فساعدوه بأن أوصلوه إلى مواقف فندقه بعد سؤاله، فوقف أمام ساحة الفندق بعد أن ترجل من الإسعاف وبيده كيس يحوي بدلته مع أكوام الطين، فسأل نفسه: "كيف أدخل إلى غرفتي بهذا الشكل؟
صدفة.. وإذا بنفس موظف الفندق يراه ولم يميزه! فقال له: "لو سمحت أبتعد.. هذا مكان VIP..! فرفع الطاووس المسكين يديه إلى السماء وقال: "يا إلهي!"
فوزي صادق: روائي وكاتب www.holool.info