درجات الشهداء
وقد جعل الله تعالى الجنة درجات ، وللمجاهدين منها مائة درجة كما جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فالشهداء ليسوا في منزلة واحدة بل يتفاوتون في منازلهم .
- التصنيفات: الدار الآخرة -
درجات الشهداء :
مرتبة الشهداء مرتبة عظيمة تلي مرتبة النبيين والصدِّيقين :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وقد قال تعالى {( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين )} وهذه الأربعة هي مراتب العباد ، أفضلهم : الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون " انتهى .
"مجموع الفتاوى" ( 2 / 223 ) .
وقد جعل الله تعالى الجنة درجات ، وللمجاهدين منها مائة درجة كما جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فالشهداء ليسوا في منزلة واحدة بل يتفاوتون في منازلهم .
قال ابن حجر رحمه الله بعد أن عدَّد الشهداء غير من قتل في المعركة :
" وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة ... .
قال ابن التين : هذه كلها ميتات فيها شدة ، تفضَّل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصاً لذنوبهم ، وزيادة في أجورهم ، يبلغهم بها مراتب الشهداء .
قلت ( ابن حجر ) : والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء ، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر والدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن حبشي وابن ماجه من حديث عمرو بن عنبسة «( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الجهاد أفضل ؟ قال : من عُقر جوادُه وأُهريق دمه )» " انتهى .
" فتح الباري " ( 6 / 43 ، 44 ) باختصار .
وقد ورد في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يبيِّن هذا التفاوت بين الشهداء , ومن ذلك :
أ. عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الشُّهَدَاءِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : ( الَّذِينَ إِنْ يُلْقَوْا فِي الصَّفِّ لا يَلْفِتُونَ وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا , أُولَئِكَ يَنْطَلِقُونَ فِي الْغُرَفِ الْعُلَى مِنْ الْجَنَّةِ , وَيَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ , وَإِذَا ضَحِكَ رَبُّكَ إِلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا فَلا حِسَابَ عَلَيْهِ )» .
[رواه أحمد (21970 ) ، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة " (2558)] .
ب. «عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْقَتْلى ثَلاثَةٌ : رَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُقْتَلَ , فَذَلِكَ الشَّهِيدُ الْمُفْتَخِرُ فِي خَيْمَةِ اللَّهِ تَحْتَ عَرْشِهِ , لا يَفْضُلُهُ النَّبِيُّونَ إِلا بِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ ، وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ مُحِيَتْ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ , إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءُ الْخَطَايَا , وَأُدْخِلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ , فَإِنَّ لَهَا ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ , وَلِجَهَنَّمَ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ , وَبَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ ، وَرَجُلٌ مُنَافِقٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي النَّارِ , السَّيْفُ لا يَمْحُو النِّفَاقَ )» .
[رواه أحمد ( 17204 ) وجوَّد إسنادَه المنذري في " الترغيب والترهيب " ( 2 / 208 ) وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1370 )] .
ج. «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ الْخَثْعَمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ : أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : ( مَنْ جَاهَدَ الْمُشْرِكِينَ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ ) قِيلَ : فَأَيُّ الْقَتْلِ أَشْرَفُ ؟ قَالَ : مَنْ أُهَرِيقَ دَمُهُ وَعُقِرَ جَوَادُهُ . رواه أبو داود ( 1449 ) والنسائي ( 2526 ) . وصححه الألباني في "» [صحيح الترغيب " ( 1318 )] .
د. عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «(سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب , ورجل قام إلى أمام جائر فأمره ونهاه , فقتله )» [رواه الحاكم وصححه الألباني في "السلسة الصحيحة" (374)] .
رابعاً :
وأما حياة الشهداء عند ربهم فهي حياة برزخية ، يُكرمهم فيها ربهم بنعيم الجنة ، وهم متفاوتون فيها بتفاوت أعمالهم في الدنيا ونياتهم .
قال الله تعالى : {( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ )} [آل عمران/ 169-171] .
وقال تعالى : { ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ )} [ البقرة/154] .
قال الشيخ ابن عثيمين :
" والمراد : أحياء عند ربهم ، كما في آية آل عمران ؛ وهي حياة برزخية لا نعلم كيفيتها ؛ ولا تحتاج إلى أكل ، وشرب ، وهواء يقوم به الجسد ؛ ولهذا قال تعالى : ( ولكن لا تشعرون ) أي : لا تشعرون بحياتهم ؛ لأنها حياة برزخية غيبية ؛ ولولا أن الله عزّ وجلّ أخبرنا بها ما كنا نعلم بها ...
ومن فوائد الآية : إثبات حياة الشهداء ؛ لكنها حياة برزخية لا تماثل حياة الدنيا ؛ بل هي أجلّ ، وأعظم ، ولا تعلم كيفيتها " انتهى .
" تفسير سورة البقرة " ( 2 / 176 ، 177 ) .
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تحت باب " في ذكر محل أصحاب أرواح الموتى في البرزخ " - :
" وأما الشهداء : فأكثر العلماء على أنهم في الجنة ، وقد تكاثرت بذلك الأحاديث :
ففي صحيح مسلم ( 1887) «عن مسروق قال : سألْنا عبدَ الله بن مسعود عن هذه الآية ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) قال : أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال : ( أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل » ) . . . .
وخرج الإمام أحمد وأبو داود والحاكم – وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1379 ) - من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة , وتأكل من ثمارها , وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش , فلما وجدوا مأكلهم ومشربهم ومقلبهم قالوا : من يبلغ عنا إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق , لئلا ينكلوا عن الحرب , ولا يزهدوا في الجهاد , قال : فقال الله تعالى : أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ) )» .
[وخرَّج الترمذي والحاكم - وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 13762 ) - من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ] : «( رأيت جعفر بن أبي طالب ملكاً يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين )» " انتهى .
[" أهوال القبور " ( ص 92 – 104 ) ط دار الكتاب العربي .]