الاجتياح البري لغزة سيكون مذبحة للجيش الإسرائيلي
عامر عبد المنعم
لن تكون العملية البرية واجتياح قطاع غزة نزهة للجيش الإسرائيلي، وإنما مخاطرة كبيرة والدخول في كمين لا خروج منه بأي مكسب يحفظ ماء الوجه
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
لن تكون العملية البرية واجتياح قطاع غزة نزهة للجيش الإسرائيلي، وإنما مخاطرة كبيرة والدخول في كمين لا خروج منه بأي مكسب يحفظ ماء الوجه، ولن تتحسن نتيجة الحرب وتتحول الهزيمة إلى نصر، فالثمن سيكون باهظا، والخسائر ستكون فادحة، وستكون نهاية المعركة هزيمة أشد تؤكد المؤكَّد، وهو انتصار المقاومة، وكسر الغرور الصهيوني، وبداية عهد جديد للقضية الفلسطينية، تكون الكلمة فيه للشعب الفلسطيني وليس للاحتلال.
لا يريد الإسرائيليون قبول الهزيمة المذلة في السابع من أكتوبر، ولا تحتمل الولايات المتحدة والدول الأوروبية ما يترتب على انتصار حماس من مكاسب استراتيجية، ولهذا فالقلق والذعر ليس في الكيان الصهيوني فقط، وإنما في العواصم الغربية التي فقدت توازنها وأصيبت بالجنون، فأرسلت سفنها الحربية وأسلحتها إلى شرق البحر المتوسط، وقدَّمت الدعم العسكري بلا حدود، وقمعت المظاهرات الرافضة للعدوان الإجرامي على غزة، وبررت قتل المدنيين! الهدف المستحيل للإسرائيليين والتحالف الغربي المساند لهم -حسب توهمهم- هو عدم تكرار ما جرى مرة أخرى، وكان هذا محور المفاوضات التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي في المنطقة، وهذا لن يكون إلا بالتخلص من حكم حماس لقطاع غزة، وقتل قادتها والقضاء على فصائل المقاومة تماما وتدمير قدراتها العسكرية، وهذا الهدف لن يتحقق إلا بإخلاء القطاع وطرد الفلسطينيين إلى سيناء -وهذا ما رفضته مصر- أو بإعادة احتلال غزة لتنفيذ المهمة الخيالية! السقوط الأخلاقي لأمريكا وأوروبا بعد ارتباك لأيام من وقع الصدمة، ودخول كتائب القسام غلاف غزة، والقضاء على فرقة غزة خلال 3 ساعات فقط، والسيطرة على المستوطنات وتلاشي الجنود الإسرائيليين وتبخرهم، اتفق نتنياهو مع الرئيس الأمريكي بايدن وقادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا على توفير الغطاء الدولي للعملية الإسرائيلية، والتغاضي عن انتهاك قوانين الحرب والقانون الدولي الإنساني، وتبرير جريمة الهدم والإبادة التي تجري في قطاع غزة للتهيئة للغزو البري. للأسف، استجاب القادة الغربيون للمطلب الإسرائيلي، وفقدوا إنسانيتهم، وسقطوا في معركة القيم والحضارة، وبرروا قتل المدنيين وتدمير غزة فوق رؤوس سكانها المدنيين، بزعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وشارك سياسيون كبار في بث الأخبار الكاذبة عن قطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين واغتصاب النساء في المستوطنات، في الوقت الذي تجاهلوا فيه آلاف الصور ولقطات الفيديو التي تفضح محو بيوت الفلسطينيين من على وجه الأرض، وقتل الأطفال والنساء، التي تضج بها مواقع التواصل الاجتماعي.
تعمَّد الساسة الغربيون في مواقفهم المؤيدة لـ”إسرائيل” استدعاء المشاعر الصليبية القديمة التي تجاوزتها البشرية منذ قرون، وسيترتب على هذه المواقف غير العادلة تعميق التعصب الديني ضد المسلمين، وإعادة تقسيم العالم إلى تكتلات على أساس الدين، ولن تظهر نتائج هذا الحشد المتطرف في غزة فقط، وإنما ستمتد إلى كل أنحاء العالم بما فيه الدول الغربية، حيث بدأت السلطات في بعض العواصم تنقلب على مواقفها، وتقيد حرية التعبير في ما يخص تأييد القضية الفلسطينية.
لقد شاهدنا نتيجة الموقف السياسي الغربي المؤيد لـ”إسرائيل” في قمع المظاهرات في العواصم الأوروبية، وتصاعد الدعوات لتغيير القوانين لحبس من لا يؤيدون إسرائيل وعدوانها على مواقع التواصل، خاصة في فرنسا وألمانيا، وترتب على حملات الدعاية الكاذبة قيام أمريكي متأثرا بالروايات المفبركة بقتل طفل فلسطيني بولاية إيلينوي الأمريكية بـ26 طعنة، وإصاب والدته التي نُقلت إلى المستشفي! فشل مخطط التهجير لسيناء توقف الحرب بأي صيغة كما كان يحدث في السابق يعني إعلان انتصار المقاومة وهزيمة إسرائيل، وهذا لا يقبله الإسرائيليون ولا داعموهم الذين زرعوا الكيان الصهيوني دولة حاجزة ورأس حربة للدفاع عن مصالح الغرب في هذه المنطقة، ويأتي قدومهم السريع عسكريا وسياسيا وتدفق مبعوثيهم للتأكيد على منع دخول قوى أخرى في الحرب بجانب المقاومة، خاصة حزب الله وإيران، والحصول على إدانة من الدول العربية لحماس، وتأييد العملية العسكرية لإعادة احتلال القطاع. كانت الخطة الأولى هي طرد الفلسطينيين من غزة، ودفعهم بالقصف الدموي إلى دخول سيناء، وفقا لصفقة القرن الموضوعة سلفا، لإنشاء ما يسمى دولة غزة الكبرى في العريش، وأعلن قادة الاحتلال ذلك، لكن هذا المخطط فشل بسبب الرفض المصري وإغلاق معبر رفح بالحوائط الإسمنتية، ورفض الفلسطينيين التهجير وتكرار نكبة 1948، وأفشل هذا الموقف المصري الفلسطيني -حتى الآن- المخطط الخبيث، الذي يفكرون في تنفيذه أيضا في الضفة. كان مخطط القصف والتدمير لإجبار الفلسطينيين على الهروب إلى مصر هو الأسهل والأقل تكلفة بالنسبة للإسرائيليين، فهدم غزة وتدميرها بالمدفعية العمياء والصواريخ وآلاف الأطنان من القنابل سيدفع الفلسطينيين إلى الهروب جنوبا، وهذا سيقلل من حجم الخسائر في المدنيين الفلسطينيين الذين تفضح صورهم جريمة الإبادة، كما سيحافظ على أرواح الجنود الإسرائيليين ويجنبهم خسائر المعركة البرية، وهذا سيسرع من إنهاء الصراع، ويحوّل نتيجة المعركة من هزيمة إلى انتصار كبير، ويضع نهاية مأساوية للقضية الفلسطينية. فشل سيناريو التهجير يدفع الإسرائيليين إلى العملية البرية التي تؤكد مراكز الدراسات الغربية أنها قد تتحول إلى كارثة للجيش الإسرائيلي، وستكون خسائرها أفظع من هزيمة غلاف غزة، لكن يبدو أن أسبابا في الداخل الإسرائيلي تضغط على نتنياهو للانتقام، ولعدم تقبُّل الهزيمة، وتضغط عليه لتجاهل تحذيرات الاستراتيجيين الغربيين، فالانقسام الداخلي والسجن الذي ينتظره من الأسباب التي تدفعه إلى تحقيق أي انتصار لتحسين وضعه وإنقاذ نفسه.
المجزرة تنتظر الإسرائيليين في غزة العسكريون الإسرائيليون يحلمون بدخول غزة واحتلالها، لقطع رقبة حماس، وتغيير الوضع في القطاع إلى الأبد -حسب تعبير نتنياهو- لكن هذا الغزو البري يطرح العديد من التساؤلات، أهمها: هل لديهم القدرة على الدخول وخوض قتال الشوارع، خاصة أن الجندي الإسرائيلي ثبت أنه جبان وليس لديه الشجاعة للمواجهة؟ وما المساحة التي يستطيعون احتلالها والدفاع عنها؟ وما الفترة الزمنية لهذا الاحتلال؟ وماذا سيفعلون في الأرض التي سيسيطرون عليها وإدارة شعب كاره لهم يبحث عن الثأر؟! كل المؤشرات والدلائل تؤكد أن الجيش الإسرائيلي عاجز عن خوض مواجهات عن قرب، وهذه القوات التي لم تستطع الدفاع عن معسكراتها، ولم تحم المستوطنات في غلاف غزة، حيث تتوفر لها كل الإمكانات، لن تستطيع مواجهة المقاومين الذين يدافعون عن أرضهم ووسط بيوتهم، واستعدوا لهذه اللحظة لإيقاع الخسائر بالمحتلين. ماذا ستفعل القوات المهاجمة مع الأنفاق التي تنتشر تحت غزة؟ وهل سينجون من عمليات الهجوم المفاجئ من تحت الأرض وتجنب الأسر؟ كيف ستتحرك القوات الغازية في الشوارع الضيقة وبين البيوت التي ستتحول إلى شراك وكمائن في انتظار التقاطهم واختطافهم؟ ماذا سيفعلون مع الأسلحة الذكية التي أعدها مقاتلو القسام للحرب الدفاعية، وغالبا ستكون مبهرة كتلك التي حققت لهم النصر في المعركة الهجومية؟ لقد جرَّب الاحتلال الغزو البري في 2014، ودخلوا في مساحة صغيرة من غزة، ولكنَّ الهزيمة كانت ساحقة، قُتل فيها 66 جنديا إسرائيليا وأُسر بعضهم، وانسحبت القوات وهي تجر أذيال الهزيمة، وهذا الخوف من تكرار الهزيمة هو الذي يجعلهم الآن يتقدمون خطوة ويتراجعون خطوات، ويزيدون من حجم الدمار ومسح الأحياء بكاملها لتوسيع المساحة المكشوفة التي يريدون الدخول إليها، ولكن كتائب القسام تتوعدهم وتعدهم بمفاجآت. سيواجه الإسرائيليون نارا لم يروها من قبل، سيقابلهم المفجرون الاستشهاديون، وستنفجر في وجوههم العبوات الناسفة، وتنزل عليهم من السماء الطائرات المسيّرة الانتحارية، وستتساقط عليهم القذائف بكل أنواعها من كل اتجاه، وستخرج لهم الأشباح من الأنفاق تفترسهم، وسيتحول كل الشعب الفلسطيني الذي يهدمون بيوته إلى مقاومة، ولن يجدوا “كرزاي” يقدّم نفسه بديلا لحماس لحكم غزة كما يتوهمون بكل سذاجة. ليس لدى الفلسطينيين ما يخسرونه، وهم قرروا البقاء في أرضهم ولن يتزحزحوا عنها، ولن يطول كثيرا استمرار العدوان وتحويل القطاع إلى أرض محروقة ومهدَّمة، فالوقت ليس في صالح الاحتلال الوحشي ومن يساندونه من الزعماء الأمريكيين والأوروبيين، والحرب ستتوسع من الداخل والخارج وستكون جحيما، والرأي العام الدولي يتغير الآن لصالح غزة، كما أن الرأي العام العربي المقموع لن يصمت طويلا تحت السيطرة، يغلي ينتظر لحظة الانفجار. ليس أمام نتنياهو وحلفائه الغربيين إلا وقف الحرب، وتقبُّل الهزيمة والتعامل مع الواقع الجديد، وإن أصروا على استمرار العدوان فعليهم أن يتحملوا المزيد من الخسائر، ولينتظروا التحولات الكبرى التي لا يتوقعونها، فكل السيناريوهات المعادية للإنسانية التي يفكرون فيها مصيرها الفشل على صخرة الصمود الفلسطيني الأسطوري.