ثمن دم المسلم وواجب الساعة
كيفَ بآلافِ المؤمنين والمؤمنات؟! كيفَ بدمِ الأطفالِ الرُّضَّع والشيوخِ الرُّكَّع؟! كيف بدمِ المستضعفينَ العُزَّلِ المحبوسين في قِطاعٍ صغيرٍ بلا ماء ولا كهرباء ولا غذاء؟!
أيها المسلمون، عندما اغترَّ أَبرهةُ الحبشيُّ بما لديهِ مِن مُلْكٍ وقوَّةٍ، وانطلقَ لهدمِ الكعبةِ، ما كادَ يَصِلُ إلا وجَعَلَ الله كيدَه في تضليل، وأرسلَ عليه وعلى مَن معهُ طيرًا متتابعةً تقذفُهم بحجارةٍ من طيٍن متحجِّرٍ حتى صاروا كالزَّرعِ اليابسِ الذي لفظته البهائم.
هذا العقابُ الأليمُ والحالُ المهين استحقَّه الطاغيةُ عندما أرادَ هدمَ الكعبةِ ولم يستطعْ، فهَدْمُ الكعبةِ جُرْمٌ عظيمٌ وتجبُّرٌ أثيمٌ، لكنَّ أعظم منه حُرمةً وأشد جُرْمًا إراقة دمِ المسلم!
بل زوالُ الدنيا أهونُ عندَ اللهِ من قتلِ المؤمن، ولو أنَّ أهلَ سماواتِهِ وأهلَ أرضِهِ اشتركوا في دمِ مؤمنٍ لأدخلهم اللهُ النار، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
هكذا بلغتْ حُرمةُ دمِ مؤمنٍ واحدٍ فقط، فكيفَ بآلافِ المؤمنين والمؤمنات؟! كيفَ بدمِ الأطفالِ الرُّضَّع والشيوخِ الرُّكَّع؟! كيف بدمِ المستضعفينَ العُزَّلِ المحبوسين في قِطاعٍ صغيرٍ بلا ماء ولا كهرباء ولا غذاء؟!
تَسلَّطَ عليهم الصهاينةُ المجرمونَ ومعهم أممُ الغربِ والشرقِ، ينصرونهم ويدعمونهم بأشرسِ الأسلحة الفتَّاكةِ، وأقوى التآزرِ السياسيِّ، وأكذبِ الإعلامِ المؤثِّر.
ولا عجبَ في ذلك، فقد أخبرَ اللهُ العليمُ أنَّ اليهودَ والنصارى بعضُهم أولياءُ بعض، وذَكَرَ اللهُ الخبيرُ أنَّ أشدَّ الناسِ عداوةً للذين آمنوا اليهودُ والذين أشركوا.
وقد ظَهَرَ حقدُهم الدَّفينُ وفسادُهم الأثيمُ في هذه الحربِ الأخيرةِ على غزة، وقد قتلوا الأنبياء من قبل أَفَيَتَوَرَّعُونَ عن قتلِ المستضعفين اليوم؟!
كما ظهر بوضوحٍ في إجرامِهم السافرِ كَذِبُهم وتدليسُهم وقلبُ الحقائقِ لصالحِهم ببجاحةٍ واستمراءٍ للخداعِ والتزوير.
وهذا ما ينتظرُهُ المسلمُ منهم؛ فهم أهلُ كَذِبٍ وخداعٍ منذ زمنِ موسى صلى الله عليه وسلم، فقد كذبوا على الله {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة: 64].
وقد حرَّفوا كلامَ الله، وغيَّروا معانيَ ألفاظِهِ إلى ما يوافق أهواءهم وما يشتهون، فلا غرابة اليوم في تحريفهم الحقائق وتوجيهها إلى صالحهم، قاتَلهم الله أنى يؤفكون.
عبادَ الله، إنَّ واجبَ الساعةِ وفريضةَ الوقتِ على كلِّ مسلمٍ صادقٍ هو نصرةُ هؤلاءِ المستضعفين بما يستطيع.
فمن استطاعَ نصرتَهم بالمالِ، فالقنواتُ الرسميةُ قد يسَّرت التبرُّعَ وسهَّلتِ الإجراءات.
ومن استطاعَ نصرتَهم بالكلمةِ، فوسائلُ التواصلِ فيها فراغٌ وسيعٌ مع حاجةٍ ملحة، ولا سيَّما أنَّ العدوَّ قد وظَّفها بذكاءٍ ونشاطٍ لصالحِه.
وأعظمُ وسيلةٍ وأسهلُ استطاعةٍ تكثيفُ الدعاءِ بإلحاحٍ صادقٍ ويقينٍ بالإجابةِ.
عبادَ الله، إن المؤمنَ يملكُ أمرينَ لا يمكنُ معهما أن تنكسرَ عزيمتُهُ، ولا تضعُف هِمَّتُهُ، ولا ينحرف مسارُه، الأمرُ الأولُ هو ما بين جنبيهِ من إيمانٍ قويٍّ باللهِ بأنَّهُ مع عبادِه المؤمنين، وأنَّه ناصرُهم وأنَّ كلَّ شيءٍ بقضائِهِ وقَدَرِهِ وتَدْبيرِهِ وحكمتِهِ، وهو العليمُ الحكيم.
والأمرُ الثاني هو كتابُ اللهِ الذي يغذِّي الإيمانَ، بما حَوى من معانٍ روحيةٍ وفكريَّةٍ وقصصية، تُلامسُ الواقعَ إلى درجةٍ يَظنُّ القارئُ أنَّ الآياتِ نزلتْ فيهِ وفي الأحداثِ الراهنة، قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 165- 175].
اللهم نجِّ أهلَ غزة، اللهم نجِّ أهلَ غزة، اللهم نجِّ أهلَ غزة، اللهم أمِّن خائِفَهم، وآوِ شريدَهم، وأطعمْ جائعَهم، واكسُ عاريَهم، واشفِ مريضَهم، وتقبَّلْ شهيدَهم، يا أرحمَ الراحمين، اللهم انصرهم نصرًا مؤزَّرًا يا قويُّ يا عزيز، اللهم انتقمْ لهم وأنت المنتقم.
اللهم قاتل الكفرةَ الذين يُكذِّبونَ رُسلَك، ويَصدونَ عن سبيلِك، واجعلْ عليهم رجزَك وعذابَك، اللهم قاتلِ الكفرةَ الذين أوتوا الكتاب، إلهَ الحق.
اللهمَّ وفِّق وليَّ أمرنا ونائبه لما تحبُّ وترضى، وخذْ بنواصيهم للبرِّ والتقوى.
اللهم وفِّقهم لنصرة الإسلام والمسلمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
_____________________________________________
الكاتب: عبدالكريم الخنيفر
- التصنيف: