حق الحياة بين الميثاق الشرعي والوضعي
محمد سيد حسين عبد الواحد
أيها الإخوة الكرام : إن أحد أسماء الله الحسنى وأحد الصفات العلا لله رب العالمين اسم الله 《الحي》
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه وتعالى {﴿ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُۥ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذْنِهِۦ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَىْءٍ مِّنْ عِلْمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ ۖ وَلَا يَـُٔودُهُۥ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْعَظِيمُ ﴾ }
أيها الإخوة الكرام : إن أحد أسماء الله الحسنى وأحد الصفات العلا لله رب العالمين اسم الله 《الحي》
قال الله تبارك وتعالى {﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَىِّ ٱلَّذِى لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِۦ ۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا ﴾}
وقال عز من قائل ﴿ هُوَ ٱلْحَىُّ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ۗ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾
وفي صحيح السنة أنه كان من دعاء رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ"»
وقال النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: «"مَنْ قالَ أسْتَغْفِرُ الله الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِن كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْف"»
ورد اسم الله الحي في القرآن والسنة : مقرونا وملازما ومتصلا ومرتبطا ارتباطا وثيقا باسم واحد فقط من اسماء الله الحسنى وهو اسم الله ( القيوم )
في آية الكرسي من سورة البقرة {﴿ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ ۚ ﴾}
وفي صدر سورة آل عمران { ﴿ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ ﴾ }
وفي سورة طه {﴿وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَىِّ ٱلْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾}
أما الحي في حق الله سبحانه وتعالى فتعني أن الله تعالى له كمال الحياة ، وله دوام الحياة ، فلا بداية لحياته سبحانه ولا لحياته نهاية ..
{﴿ رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِى ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلَاقِ ﴾ ﴿ يَوْمَ هُم بَٰرِزُونَ ۖ لَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَىْءٌ ۚ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ ٱلْوَٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ ﴾ }
الحي في حق الله تعالى هو : الباقي الذي لا يموت أبدا وكل ما سواه يفنى ويموت
الحي هو : المتصف بالحياة التي لا أول لها ولا نهاية لها {﴿ هُوَ ٱلْأَوَّلُ وَٱلْءَاخِرُ وَٱلظَّٰهِرُ وَٱلْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ ﴾}
الحي هو : واهب الحياة للملائكة وللإنس وللجن وللبهائم وللطير مما نعلم ومما لا نعلم .. {﴿ قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾}
وأما الحي : في حق المخلوق فهو كل من يتنفس أو يتحرك أو ينمو أو يتكلم ،مما يمشي على بطنه ومما يمشي علي رجلين ومما يمشي على أربع ، ومما يسبح في الماء أو يحلق بجناحيه في السماء ، وحياة المخلوق لها بداية وكل ما له بداية لا بد وأن تكون له نهاية .. {﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ مِن سُلَٰالَةٍ مِّن طِينٍ ﴾ ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَٰهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴾﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَٰمًا فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَٰمَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَٰهُ خَلْقًا ءَاخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَٰلِقِينَ ﴾ ﴿ ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ﴾ ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ تُبْعَثُونَ ﴾}
آية من آيات الله تعالى ، ونعمة من أجل نعمه سبحانه وتعالى على خلقه نعمة ( الحياة )﴿ { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِىَ خَلْقَهُۥ ۖ قَالَ مَن يُحْىِ ٱلْعِظَٰمَ وَهِىَ رَمِيمٌ ﴾ ﴿ قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِىٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾}
وهب الله تعالى نعمة الحياة لجميع الخلائق ، والحياة لا يملكها أحد غير واهبها, ولا يسلبها أحد غير معطيها, فسبحان الحي {(الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) }
وهب الحياة للملائكة ،وللإنس ،وللجن ،وللبهائم ، وللطير ، وللهوام وكفل الله تعالى للمخلوقات نعمة الحياة فلا تسلب هذه النعمة من صاحبها إلا بحق الله تعالى :
{﴿ قُلْ تَعَالَوْا۟ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا۟ بِهِۦ شَيْـًٔا ۖ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوٓا۟ أَوْلَٰدَكُم مِّنْ إِمْلَٰقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا۟ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا۟ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾}
حدثتنا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم أن بغيا من بغايا بنى اسرائيل حفظ حياة كلب فشكر الله له فغفر له
قال عليه الصلاة والسلام "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فأذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ بي فنزل البئر فملأ خفه فأمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له ..
فقال الصحابة يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرا فقال صلى الله عليه وسلم في كل ذات كبد رطبة أجر ..
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لصق بطنه بظهره من شدة الجوع فقال عليه الصلاة والسلام اتقوا الله في هذه البهائم فاركبوها صالحة وكلوها صالحة ..
وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ: كنَّا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، فانْطَلَقَ لحَاجَتِهِ، فَرَأيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءتِ الحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَعْرِشُ فَجَاءَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ «: ((مَنْ فَجَعَ هذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْها)). ورأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا، فَقَالَ: ((مَنْ حَرَّقَ هذِهِ؟)) قُلْنَا: نَحْنُ. قَالَ: ((إنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ يُعَذِّبَ بالنَّارِ إِلا رَبُّ النَّارِ))» .
ثم إن الله تعالى لا يقبل أي عدوان على حياة الحي إلا بضوابط شرعية :
عن هِشام بن حكيمِ بن حِزَامٍ رضي الله عنهما: أنَّه مَرَّ بالشَّامِ عَلَى أُنَاسٍ مِنَ الأَنْبَاطِ، وَقَدْ أُقيِمُوا في الشَّمْسِ، وَصُبَّ عَلَى رُؤُوسِهِمُ الزَّيْتُ! فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قيل: يُعَذَّبُونَ في الخَرَاجِ- وفي رواية: حُبِسُوا في الجِزْيَةِ- فَقَالَ هِشَامٌ: أشهدُ لَسَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «((إنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاس في الدُّنْيَا))» . فَدَخَلَ عَلَى الأمِيرِ، فَحَدَّثَهُ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَخُلُّوا.
وفي الحديث: بيان تحريم تعذيب الناس حتى الكفار بغير موجب شرعي.
حتى العجماوات أعزكم الله :لا نذبح إلا لمنفعة ،لا نأت على حياة حيوان أو طير إلا لنأكل منه أو لمصلحة من المصالح
حتى لو كان المُعتدى عليه حياة قط أو عصفور
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «((عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتْها حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إذْ هِيَ حَبَسَتْهَا، وَلا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ))» .
(خَشَاشُ الأرضِ) هي: هَوَامُّها وَحَشَرَاتُهَا.
وفي هذا الحديث : بيان تحريم حبس الحيوان وإجاعته.
وعنه أيضا أنَّهُ مَرَّ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهمْ، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا.
و(الغَرَضُ)هُوَ الهَدَفُ وَالشَّيءُ الَّذِي يُرْمَى إِلَيْهِ.
وفي الحديث : بيان أن تعذيب الحيوان من غير سبب شرعي من الذنوب الكبائر.
والمتتبع لقصص الأولين في القرآن الكريم :
يقابله أول جرائم الإنسان على وجه الأرض كانت في زمان آدم عليه السلام حين أذهب قابيل حياة أخيه هابيل ..
قال الله تعالى : {﴿ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلْءَاخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾﴿ لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾﴿ إِنِّىٓ أُرِيدُ أَن تَبُوٓأَ بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَٰبِ ٱلنَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَٰٓؤُا۟ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ ﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُۥ نَفْسُهُۥ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ ﴾﴿ فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِى ٱلْأَرْضِ لِيُرِيَهُۥ كَيْفَ يُوَٰرِى سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَٰوَيْلَتَىٰٓ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَٰرِىَ سَوْءَةَ أَخِى ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّٰدِمِينَ ﴾ ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفْسًۢا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلْبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِى ٱلْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾}
قال المفسرون :
والمراد من الآيات أن سلب الحياة كبيرة من أكبر الكبائر :
قال النبي عليه الصلاة والسلام " اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله- تعالى- والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات»
وفي الآيات أيضا بيان التكريم والتعظيم للنفس الإنسانية ،وتحريم العدوان عليها ، وبيان أن السعى في تهديد نفس واحدة كالسعي في تهديد الناس جميعا ،وأن السعي في صيانة نفس واحدة كالسعي في حفظ حياة الناس جميعا (مَن قَتَلَ نَفْسًۢا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعًا ۚ )
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن ينصرنا على عدونا ، ونسأله سبحانه أن يحقن دماءنا وأن يتقبل شهداءنا وأن يلحقنا بهم على كلمة لا إله ألا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير ..
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن حق الحياة المعلوم والمفهوم والمشروع من فهمنا لاسم ( الله الحي ) بقى لنا أن نقول
إذا كانت الحياة هبة من الحي سبحانه وتعالى ، وإذا كانت الحياة حق محفوظ فلا يحق لأحد أن يسلبها أو أن يعتدي عليها إلا بضوابط شرعية حددها الله سببحانه وتعالى في التوراة والإنجيل والزبور والقرآن ،﴿ وَلَا تَقْتُلُوا۟ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلْطَٰنًا فَلَا يُسْرِف فِّى ٱلْقَتْلِ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورًا ﴾ هذا الذي سمعتموه هو حكم الله تعالى هو تشريع الحكيم الحميد ..حياة الخلائق محفوظة معصومة .
القانون الإلهي عدل كله ، حكمة كله ، قانون الله تعالى ليس فيه تمييز عنصري ( كلكم لآدم وآدم من تراب ، لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى ) {﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾}
أما في قوانين البشر فالأحكام مختلفة تماما ، أحكام البشر كلها ثغرات ، كلها عوار ، أحكام البشر نفعية ، أحكام عنصرية ،تميز بين إنسان وإنسان ،قانون البشر لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم إلا بمصالح الأقوياء ، الأبيض أفضل من الأسود ، الغني أولى من الفقير ،القوي يبقى والضعيف يموت .. المصالح هى التى تتكلم والكيل بمكيالين ..
وهذا نراه اليوم بأعيننا من قتل للأبرياء ومن الإبادة الجماعية ، ومن القصف ومن هدم للبيوت على رؤس أصحابها ..
وذلك على مرأى ومسمع من العالم الذي صدع رؤسنا بالحديث عن حقوق الإنسان
فأين حقوق الإنسان مما يجري الآن ببيت المقدس وما حولها ؟!
صم عمي بكم فهم لا يعقلون ..
وحتى تطمئن القلوب المؤمنة نحن لا نتوقع منهم أكثر من ذلك ،ولا ننتظر منهم أن يتحركوا ،وإنما الحكمة تقول (ما حك جلدك مثل ظفرك ) والحكمة الأخرى تقول ( ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة )
والمعنى : أن أمرنا بأيدينا ،وإيماننا في قلوبنا ، ونحن أصاب الحق وما ضاع حق وراءه مطالب ، ولا أخفيكم سرا أنه كاد الحجر والشجر أن يتكلم ،وقصة الصراع بين المسلمين وبين اليهود قاربت على النهاية فقبل أربعة عشر قرنا من الزمان قال النبي عليه الصلاة والسلام ( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون ،حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله ورائي يهودي تعال فاقتله ..
على الجميع أن يعمل ما في وسعه ، من استطاع أن يقدم مالا ،أو جهدا ، او فكرا ، أو دعاء فلا يبخل به .. ثم على الجميع أن يرفع الأمر إلى صاحب الأمر فبيده وحده أن يكشف الغمة وأن ينصر الأمة .. {﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم بِحُكْمِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ ﴾ ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ ﴾}
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يطهر بلادنا من الغاصبين ، وأن يحفظنا وبلادنا من كيد الكائدين إنه ولي ذلك والقادر عليه ... اللهم آمين .