صلة الرحم في القرآن الكريم
صلةُ الأرحام من محاسن الدين الإسلامي، دين البر والرحمة والصلة، فهو يأمر بصلة الرحم وينهى عن القطيعة والتدابر؛ مما يجعل جماعة المسلمين في ترابط وتآلف وتراحُم، فتسود الأمة وتقود.
- التصنيفات: - آفاق الشريعة -
أمرنا رب العالمين في كتابه الكريم بصلة الأرحام:
1– قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، فنجد أن الله تعالى قد قرن الأمر بتقواه بصلة الأرحام ليؤكد هذا الحق، وأنه كما يلزم القيام بحق الله فإنه يجب القيام بحقوق الأقربين من ذوي الأرحام؛ (انظر تفسير السعدي: 1/ 340).
وقوله تعالى: {الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ}؛ أي يسأل بعضكم به بعضًا، فيقول: أسألك بالله، وقوله: {وَالْأَرْحَامَ}؛ أي اتقوا الله في الأرحام فلا تقطعوها لكن بروها وصلوها.
يقول البلباني في آدابه: اعلم أنه يجب عليك أن تصل بقية رحمك، وهم كل قرابة من نسب، وقد قرن الله سبحانه الأرحام باسمه الكريم في قوله: {وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، وذلك تنبيه عظيم على أن صلتها بمكان منه سبحانه ومقرب إليه، وقطعها خطر عظيم عنده ومن قطعها هو مبعد عنه.
2– وقال تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ} [النحل:90].
- قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: 2/ 431: وفي قوله: {وَإيتاءِ ذِي القُربى}؛ أي يأمر بصلة الأرحام؛ كما قال تعالى: {وَآتِ ذَا القُربى حَقَّهُ وَالمِسكينَ وَابنَ السَّبيلِ وَلا تُبَذِّر تَبذيرًا} [الإسراء: 26].
- وقال السعدي رحمه الله في تفسيره 3/ 91 عند الآية السابقة: وخص الله إيتاء ذي القربي وإن كان داخلًا في عموم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ}، لتأكيد حقهم وتعيُّن صلتهم وبرهم، والحرص على ذلك، ويدخل في ذلك جميع الأقارب، قريبهم وبعيدهم، لكن كل من كان أقرب كان أحق بالبر؛ اهـ بتصرف.
3– وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} [النساء:36].
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره 1/ 470 عند هذه الآية: يأمر الله تبارك وتعالى بعبادته وحده لا شريك له، فإنه هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الآنات والحالات، فهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئًا من مخلوقاته، ثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين، فإنه سبحانه جعلهما سببًا لخروجك من العدم إلى الوجود، وكثيرًا ما يقرن الله سبحانه بين عبادته والإحسان إلى الوالدين، ثم عطف على الإحسان إليهما الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء؛ كما جاء في الحديث: «الصدقةُ على المسكينِ صدقةٌ، وعلى ذي الرحِمِ اثنتانِ:صدقةٌ وصِلَةٌ»؛ (رواه أحمد والترمذي وهو في صحيح الجامع: 3858).
4- وقال تعالى: {وَالَّذينَ يَصِلونَ ما أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يوصَلَ وَيَخشَونَ رَبَّهُم وَيَخافونَ سوءَ الحِسابِ} [الرعد:21].
وقوله سبحانه: {وَالَّذينَ يَصِلونَ ما أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يوصَلَ}، فقد أجمع العلماء والمفسرون قديمًا وحديثًا أن المقصود بالأمر هنا: صلة الأرحام.
5- وقال تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقونَ} [البقرة: 177].
ومن ثم فصلة الرحم دليل على تقوى وصدق الواصل.
6– وقال تعالى: {وَأُولُو الأَرحامِ بَعضُهُم أَولى بِبَعضٍ في كِتابِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ} [الأنفال:75].
7– وقال تعالى: {فآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّـهِ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الروم:38].
قال ابن كثير رحمه الله عند هذه الآية: وهذا أمرٌ آخر بإعطاء أولي القربى حقَّهم وصلة أرحامهم.
فصلة الرحم من الحقوق التي دعت إليها الفطرة السليمة، وقررتها شريعة الإسلام السمحة، فكل قريب له حق على قريبه بحسب درجة القرابة وحال الواصل والموصول.
وأخرج ابن ماجه بسند صحيح عن الِمقدام بن مَعْدِ يكَربَ رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ اللَّهَ يوصيكم بأمَّهاتِكم – ثلاثًا - إنَّ اللَّهَ يوصيكم بآبائِكم، إنَّ اللَّهَ يوصيكم بالأقربِ فالأقرب»؛ (صحيح ابن ماجه: 3661) (الصحيحة: 1666).
8– وقال تعالى: {وَالَّذينَ يَصِلونَ ما أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يوصَلَ وَيَخشَونَ رَبَّهُم وَيَخافونَ سوءَ الحِسابِ * وَالَّذينَ صَبَرُوا ابتِغاءَ وَجهِ رَبِّهِم وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقوا مِمّا رَزَقناهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدرَءونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولـئِكَ لَهُم عُقبَى الدّارِ * جَنّاتُ عَدنٍ يَدخُلونَها وَمَن صَلَحَ مِن آبائِهِم وَأَزواجِهِم وَذُرِّيّاتِهِم وَالمَلائِكَةُ يَدخُلونَ عَلَيهِم مِن كُلِّ بابٍ} [الرعد: 21-23].
فصلةُ الأرحام من محاسن الدين الإسلامي، دين البر والرحمة والصلة، فهو يأمر بصلة الرحم وينهى عن القطيعة والتدابر؛ مما يجعل جماعة المسلمين في ترابط وتآلف وتراحُم، فتسود الأمة وتقود.
__________________________________________________________
الكاتب: الشيخ ندا أبو أحمد