أكرم الناس في تاريخ الإنسانية سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام

منذ 2011-11-22


الحمد لله المتفضل على عباده بنعمه الظاهرة والباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:

فقد سمعت تسجل كلام لسمو الأمير خالد الفيصل في الثناء على سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله- وأسكنه فسيح جناته، قال فيه: "لم أسمع ولم أرَ ولم أقرأ في تاريخ الإنسانية كلها أكرم من سلطان بن عبد العزيز"، ثم ذكر كلامًا بالغ فيه في تفضيله في الكرم على حاتم الطائي الذي يضرب به المثل في الكرم، وأن نسبة كرمه إلى كرمه لا تأتي واحدًا في المليون، ولا شك أن الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله- اشتهر في هذا الزمان بالكرم والإحسان والبذل في وجوه الخير مع طلاقة في الوجه وخلق حسن، وقد قال الله عز وجل: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام:152].

وفي تعبيره بتاريخ الإنسانية مبالغة شديدة وما كان ينبغي له أن يأتي بهذه العبارة؛ لأن تاريخ الإنسانية بدأ بأبي البشر آدم عليه الصلاة والسلام، وأفضل إنسان وأكرم إنسان نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ولا شك أن سمو الأمير عند تعبيره بهذا التعبير ذهل فلم يخطر بباله كرم أكرم الناس وأجود الناس نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإلا لما قال ما قال، فقد تواترت الأحاديث الدالة على جوده وكرمه صلوات الله وسلامه عليه، وقد ألقيت في عام 1383هـ منذ خمسين عامًا تقريبًا محاضرة في الجامعة الإسلامية بالمدينة بعنوان: (من أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم) وهي ضمن مجموع كتبي ورسائلي (6/7ـ56) جاء فيها فيما يتعلق بجوده وكرمه صلى الله عليه وسلم ما يلي: "وقد بلغ صلى الله عليه وسلم في خلق الجود والكرم مبلغا لم يبلغه غيره، وصل فيه إلى الغاية التي ينتهي عندها الكمال الإنساني، ومن توفيق الله له صلى الله عليه وسلم أن جعل جوده يتضاعف في الأزمنة الفاضلة، يقول ابن عباس -رضي الله عنه- في الحديث الصحيح: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كلّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة"، جاد بنفسه في سبيل الله، فكسرت رباعيته، وشجّ وجهه، وسال الدم منه صلى الله عليه وسلم والجود بالنفس أقصى غاية الجود، وجاد بجاهه.

ومن أمثلة ذلك شفاعته صلى الله عليه وسلم لمغيث زوج بريرة رضي الله عنهما، لما عتقت واختارت فراقه أشار عليها أن تبقى في عصمته؛ رحمة منه صلى الله عليه وسلم بزوجها مغيث، وأخص الأمثلة في ذلك ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من شفاعته في أهل الموقف التي يتخلى عنها أولو العزم من الرسل، فتنتهي إليه فيقول أنا لها صلى الله عليه وسلم، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لكلِّ نبي دعوة مستجابة قد دعا بها فاستجيب له فجعلت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة» (الراوي:أبو هريرة،المحدث: الألباني، خلاصة حكم الحديث:صحيح).

وجاد صلى الله عليه وسلم بما أعطاه الله من المال، فما سئل صلى الله عليه وسلم شيئًا من الدنيا قط فقال لا، ولقد جاءت إليه صلى الله عليه وسلم امرأة ببردة منسوجة فقالت: نسجتها بيدي؛ لأكسوها فأخذها صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها ولبسها، فقال له رجل من الصحابة أكسنيها يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «نعم»، فدخل منزله فطواها، وبعث بها إليه، فقال له بعض الصحابة: ما أحسنت؛ لبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها ثم سألته وعلمت أنه لا يرد سائلًا، فقال: «إني والله ما سألته لألبسها إنما سألته لتكون كفني» (الراوي:سهل بن سعد، المحدث: البخاري،خلاصة حكم الحديث: صحيح)، قال رضي الله عنه: فكانت كفنه، هذا مثل من أمثال اتصافه صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق الكريم، فهل بعد هذا كرم يصدر من مخلوق؟ وهل وراء هذا الإيثار إيثار؟ ولقد وصف الله الأنصار في كتابه العزيز بصفة الإيثار في قوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]. وهذه الصفة الكريمة التي اتصفوا بها؛ أسوتهم فيها وفي غيرها من مكارم الأخلاق سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، يقول سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21].

ولما رجع من حنين التف حوله الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «أعطوني ردائي فلو كان لي عدد هذه العضاه نَعَمًَا لقسمتها بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذاباً ولا جبانًا» (الراوي: جبير بن مطعم المحدث: البخاري، خلاصة حكم الحديث: صحيح)، وجوده صلى الله عليه وسلم في العطاء لبعض الناس إنما هو لتأليفهم على الإسلام، فكثيرًا ما كان يخص حديثيّ العهد بالإسلام بوافر العطاء دون من تَمكَّن الإيمانُ في نفوسهم، ففي غزوة حنين أعطى أكابر قريشٍ المئاتِ من الإِبل، ومنهم صفوان بن أمية، فقد روى مسلم في صحيحه أنه قال: "لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إلىَّ، فما برح يعطيني حتى إنه مِنْ أحب الناس إليَّ"، وروى أيضًا عن أنس رضي الله عنه قال: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإِسلام شيئًا إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يلبث إلا يسيرًا حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها".

أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل تلك الغنم الكثيرة التي لكثرتها ملأت ما بين جبلين، وماذا كانت نتيجة هذا الإعطاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لقد كانت حصول الغرض الذي من أجله أعطاه، وهي أنه أصبح داعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان بدافع من نفسه رسولًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام ويبين لهم كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبذل المال في سبيل نصرة الإِسلام، والدعوة إليه، والترغيب فيه ينفق مال الله الذي آتاه في سبيل الله حتى توفاه الله، ودِرْعُه مرهونة في دين عليه صلى الله عليه وسلم"
.
ومن الأحاديث الدالة على كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم ما رواه أبو ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبًا، تمضي عليه ثالثة وعندي منه دينار إلا شيئًا أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه» (الراوي ابن الديلمي، المحدث: الألباني، خلاصة حكم الحديث: صحيح)، وقال: «إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا -عن يمينه وعن شماله ومن خلفه- وقليل ما هم» (رواه البخاري (6444) ومسلم (2304))، وهو صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة لأصحابه وغيرهم في الأخلاق الكريمة ومنها خلق الجود والكرم، ومن الأدلة على اتصاف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بهذا الخلق الكريم ما رواه أبو داود (1678) وغيره بإسناد حسن عن عمر رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا أن نتصدق، فوافق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟» فقلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر -رضي الله عنه- بكل ما عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟» قال: أبقيتُ لهم الله ورسوله! قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا" (الراوي: عمر بن الخطاب، المحدث: الألباني، خلاصة حكم الحديث: إسناده حسن).

وأسأل الله عز وجل أن يجزل الأجر والمثوبة لسمو الأمير سلطان على ما بذله من مال في وجوه الخير، وأن يتجاوز عن سمو الأمير خالد، وأن يمنح الجميع الثبات على الحق والصدق في القول والإخلاص في العمل، إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

عبد المحسن بن حمد العباد البدر

المحدث الفقيه والمدرس بالمسجد النبوي الشريف، ومدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سابقاً

  • 4
  • 2
  • 25,651

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً