قسوة قلوب اليهود
لا يستغرب ما حدث من يهود في أزمان مضت، وما يحدث منهم في زماننا من مجازر ومذابح، فقلوبهم قاسية، قد نُزِعت منها الرحمة، نسأل الله السلامة والعافية...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
فمن عقوبات المعاصي والذنوب التي قد لا يفطَن إليها البعض، العقوبةُ بقسوة القلب؛ قال الإمام الغزالي رحمه الله: لا سبب لهذه الغفلة إلا قسوة القلب بكثرة المعاصي والذنوب، وقال العلامة العثيمين رحمه الله: كلما عصى الإنسان ربَّه قسا قلبه؛ لقوله: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة: 13].
والعقوبة بقسوة القلب من أعظم العقوبات؛ قال الشيخ إسحاق بن الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله تعالى: عقوبة القلب أشد من عقوبة البدن.
وقال العلامة العثيمين رحمه الله: الواقع أن عقوبات القلوب بالمرض والقسوة والإعراض عن الله وعن ذِكْرِهِ؛ هذه أكبر عقوبة.
وقال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: وأعظم ما يعاقب الله عز وجل به العبدَ بذنبه ومعصيته، أن يعاقبه بعقوبات قدرية قلبية، كأن يقسوَ قلبه.
والقلب إذا قسا لم ينتفع بموعظة أو تذكير؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة: 13]، فلا يتعظون بموعظة لغِلَظِها وقساوتها.
والقلب إذا قسا انقلبت عليه الأمور والحقائق، نسأل الله السلامة والعافية؛ قال الشيخ إسحاق بن الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله تعالى: من العقوبات القدرية على القلوب: عدم الإحساس بالشر، وهي آلام وجودية تضرب القلب، تنقطع بها مواد حياته وصلاحه، وإذا انقطعت عنه حصل له أضدادها بلا شك... فلذلك يصير المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا.
وقال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: ثم بعد القسوة ربما لا يرى الحقَّ حقًّا، ولا يرى الباطل باطلًا، وقد يزداد بعد ذلك، ويزيد الله في عقوبته، أو يزيد أثر المعصية على القلب بأنه يرى الحق باطلًا، ويرى الباطل حقًّا؛ هذا أعظم الانتكاس، وأعظم آثار الذنوب على القلوب، وهذا هو الواقع.
فليحذر المسلم من الذنوب التي تؤدي إلى قسوة القلوب، فإن لها آثارًا خطيرة وعظيمة على الإنسان.
لقد عاقب الله جل وعلا بني إسرائيل بقسوة القلب لما طغَوا وبغَوا وعصَوا؛ قال الله سبحانه وتعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة: 13].
وهذه العقوبة جعلت قلوبهم أشدَّ قسوة من الحجارة؛ قال الله جل وعلا: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74]؛ قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 74]؛ أي: جفَّت وغلظت وقست، وقال الإمام البغوي رحمه الله: أي: يبست وجفت، وجفاف القلب: خروج الرحمة واللين عنه... فهي في الغلظة والشدة {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74]، وقال العلامة العثيمين رحمه الله: {أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74] أي: من الحجارة؛ لأن الحجارة أقسى شيء، حتى إنها أقسى من الحديد، إذ إن الحديد يلين عند النار، والحجارة تتفتت ولا تلين.
فلا يستغرب ما حدث من يهود في أزمان مضت، وما يحدث منهم في زماننا من مجازر ومذابح، فقلوبهم قاسية، قد نُزِعت منها الرحمة، نسأل الله السلامة والعافية، والقلب إذا قسا لم يرحم طيرًا في عُشِّه، ولا دابةً في جُحْرها، ولا آدميًا التجأ إلى مكان آمن، فتراه يقتل الأطفال والنساء والشيوخ العزَّل، ويُحْرِق ويُدمِّر.
إن مما يهوِّن على المسلمين ما أصابهم من مجازر ومذابح على أيدي اليهود أنهم يعلمون أن الله القوي العزيز الجبار غير غافل عن أعمالهم، وأنه سوف يجازيهم على ذلك؛ قال الله عز وجل: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 74]؛ قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: يعني بقوله: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 74]، وما الله بغافل... عما تعملون من أعمالكم الخبيثة، وأفعالكم الرديئة، ولكنه مُحْصِيها عليكم، فمجازيكم بها في الآخرة، أو معاقبكم بها في الدنيا، وقال الإمام القرطبي رحمه الله: {عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 74]؛ أي: عن عملكم حتى لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا يحصيها عليكم، وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: وفي قوله: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 74] من التهديد وتشديد الوعيد ما لا يخفى، فإن الله عز وجل إذا كان عالمًا بما يعملونه، مُطَّلعًا عليه، غير غافل عنه، كان لمجازاتهم بالمرصاد، وقال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: توعدهم تعالى أشد الوعيد، فقال: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 74]، بل هو عالم بها، حافظ لصغيرها وكبيرها، وسيجازيكم على ذلك أتمَّ الجزاء وأوفاه.
وختامًا فينبغي الحذر أشد الحذر من سماع ما يقولون من افتراءات وأكاذيب، فهم لا يعرفون إلا الكذب، فهو طبعهم وسجيتهم، فالحذر مما يقولون؛ قال الحافظ اين كثير رحمه الله: احذر أعداءك اليهود، أن يدلِّسوا عليك الحق... فلا تغترَّ بهم، فإنهم كَذَبَةٌ كفرة خونة.
اللهم اشفِ قلوب المؤمنين عاجلًا في يهودٍ.
- التصنيف: