من أقوال السلف عن فلسطين والمسجد الأقصى
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
أي مسلم ينسى خيانة الصهيونية على المسلمين عبر تاريخهم وكيدهم وأضغانها التي توارثتها ضد كل ما هو حق وخير وسلام؟!
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فللمسجد الأقصى في فلسطين فضائل كثيرة، وخصائص عديدة، منها: أنه أحد المساجد الثلاثة التي لا تشدُّ الرحال بنية التعبد إلا إليها، ومنها: أنه ثاني مسجد وُضِع في الأرض، ومنها: أن الصلاة فيه تضاعف عن غيره من المساجد سوى مسجد الكعبة، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، كما ثبت ذلك في الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
للسلف رحمهم الله أقوال عن فلسطين والمسجد الأقصى، يسَّر الله الكريم فجمعتُ بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
بركة فلسطين:
قال ابن شوذب رحمه الله في قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 137]، قال: فلسطين.
فضائل المسجد الأقصى (بيت المقدس):
قال مجاهد رحمه الله، في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1] سمَّاه مباركًا؛ لأنه مقر الأنبياء، ومهبط الملائكة والوحي، ومنه يحشر الناس يوم القيامة.
قال الإمام الطبري رحمه الله: قوله: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} يقول تعالى ذكره: الذي جعلنا حوله البركة لسُكَّانه، في معاشهم، وأقواتهم، وحروثهم، وغروسهم.
قال الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله: {بَارَكْنَا} بالثمار ومجرى الأنهار، أو بمن جُعل حوله من الأنبياء والصالحين.
قال الإمام السمعاني رحمه الله: قوله: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} يعني: بالماء والشجر.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله: بارك الله سبحانه حول المسجد الأقصى ببركات الدنيا والآخرة.
قال الشيخ محمد الطاهر عاشور: وكون البركة حوله كناية عن حصول البركة فيه بالأولى؛ لأنها إذا حصلت حوله فقد تجاوزت ما فيه.
قال العلامة السعدي رحمه الله: من بركته: تفضيله على غيره من المساجد، سوى المسجد الحرام، ومسجد المدينة، وأنه يطلب شد الرحال إليه للعبادة، والصلاة فيه، وأن الله اختصه محلًّا لكثير من أنبيائه وأصفيائه.
قال الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر: المسجد الأقصى مسجد عظيم مبارك، له مكانة عالية في نفوس المؤمنين، ومنزلة رفيعة في قلوبهم، فهو مسجد قد خُصَّ في الكتاب والسنة بميزات كثيرة، وخصائص عديدة، وفضائل جمة، تدل على رفيع مكانته، وعظيم قدره.
لا فضيلة لصخرة بيت المقدس:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أما الصخرة فلم يصل عندها عمر رضي الله عنه، ولا الصحابة، ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة؛ بل كانت مكشوفة...وأهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يكونوا يعظمون الصخرة، فإنها قبلة منسوخة.
قال العلامة الألباني رحمه الله: ولقد شددت الرحل إلى بيت المقدس لأول مرة بتاريخ 23 /5 /1385هـ، فصليت في المسجد الأقصى، وزرت الصخرة للاطلاع فقط، فإنه لا فضيلة لها شرعًا، خلافًا لزعم الجماهير من الناس.
مدينة نابلس بفلسطين:
قال الإمام ابن العربي رحمه الله: دخلت نابلس وهي قرية المنجنيق لإبراهيم عليه السلام، فما رأيت أحسن منها، وسكنتها مدة، وترددت عليها مرارًا، فما وقعت فيها عيني على امرأة نهارًا، حتى إذا كان يوم الجمعة امتلأ المسجد بهن، ثم لا تقع عين عليهن إلى الجمعة الأخرى.
بيت أريحا ببيت المقدس:
قال الإمام القرطبي رحمه الله: بيت أريحا ببيت المقدس بناه داود وسليمان عليهما السلام.
أخذ الفرنج النصارى لبيت المقدس سنة (492هـ):
قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، فمن الحوادث فيها أخذ الإفرنج بيت المقدس...وقتلوا فيه زائدًا على سبعين ألف مسلم.
قال الإمام ابن الأثير الجزري رحمه الله: قتل الفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفًا، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم، وعُبَّادهم، وزُهَّادهم.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: لما كان ضحى يوم الجمعة لسبع بقين سنة ثنتين وتسعين وأربعمائة، أخذت الفرنج- لعنهم الله- بيت المقدس- شرَّفه الله- وكانوا في نحو ألف ألف مقاتل، وقتلوا في وسطه أزيد من ستين ألف قتيل من المسلمين...وذهب الناس على وجوههم هاربين من الشام إلى العراق....فلما سمع الناس ببغداد هذا الأمر الفظيع هالهم ذلك، وتباكوا، وقد نظم أبو سعد الهروي كلامًا قرئ في الديوان وعلى المنابر، فارتفع بكاء الناس، وندب الخليفة الفقهاء إلى الخروج إلى البلاد ليحرضوا الملوك على الجهاد...فساروا في الناس فلم يفد ذلك شيئًا.
سبب تسمية المسجد الأقصى بهذا الاسم:
قال الإمام البغوي رحمه الله: سُمِّي أقصى؛ لأنه أبعد المساجد التي تزار، وقيل: لبُعْده عن المسجد الحرام.
جرائم الصهيونية في فلسطين وفي المسجد الأقصى:
قال العلامة عبدالرحمن الوكيل رحمه الله: أي مسلم ينسى خيانة الصهيونية على المسلمين عبر تاريخهم وكيدهم وأضغانها التي توارثتها ضد كل ما هو حق وخير وسلام؟! أي مسلم ينسى الجرائم الملعونة التي اقترفها وتقترفها الصهيونية ضد العروبة والإسلام في فلسطين؟! أي مسلم ينسى مآسي الأيامي واليتامى والأرامل في فلسطين؟! أي مسلم ينسى أولئك الإخوة الكرام الذين شرَّدتهم العصابة الباغية عن ديارهم؟!
قال الشيخ صالح بن عبدالله الحميد: لقد هانت هذه الأمة حين ظهر فيها تفرُّق الكلمة واختلاف الأعراض وتجاذب الأهواء....في هذه الأجواء المظلمة والأحوال القاتمة يزداد الصهاينة في مقدساتنا عتوًّا وفسادًا وتقتيلًا وتخريبًا، يريدون في زعمهم أن يبنوا هيكلهم المزعوم على أنقاض ثالث المسجدين الشريفين، ألا ساء ما يزعمون، كذبوا وخسروا...العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والذلة والصغار والمسكنة لمن غضب الله عليه ولعنه، وجعل منهم القردة والخنازير وعبدة الطاغوت، أولئك شَرُّ مكانًا وأضلُّ عن سواء السبيل.
قال الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر: يزداد ألم المسلمين وأسفهم يومًا بعد يوم على الحال التي آل إليها المسجد الأقصى، من تسلُّط اليهود المجرمين عليه، وانتهاكهم لحرمته، واعتدائهم على قدسيته ومكانته، وارتكابهم فيه ومع أهله أنواعًا كثيرةً من التعديات والإجرام.
المدافعة عن الأرض المقدسة واستنقاذ مسجده الشريف المقدس:
قال الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ رحمه الله: الله تبارك وتعالى جعل الجهاد في سبيله سببًا لنصرة دينه، وإقامة شرعه وتمكينه، وقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة في فضله والحث عليه والترغيب فيه.
إذا تقرر هذا فاعلموا معاشر المسلمين أن جميع الشعوب العربية والأمم الإسلامية قد بذلوا نفوسهم وأموالهم في المدافعة عن الأرض المقدسة واستنقاذ مسجده الشريف المقدس -الذي هو ثالث المساجد التي فضَّلَها النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بزيارتها وشدِّ الرحال إليها، والصلاة فيها- من أيدي تلك الأمة الغضبية اليهودية الملعونة التي نزلت بأرضه المقدسة، والتي لا تريد إلا محو الإسلام والمسلمين.
وليس للمسلمين عذر في التخلف عن الدفاع عن دينهم وأوطانهم بأموالهم وأنفسهم.
قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: قد علمتم أن هذه الطائفة - أعني اليهود- هي أخبث الطوائف، ومن أشدها ضررًا على الدين وأهله وأعظمها عداوةً وحنقًا وغيظًا على المؤمنين، قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ} [المائدة: 82]...فعداوتهم الشديدة للحق وأهله منذ بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم حتى الآن أشهر شيء، مع عداوتهم الجنسية للعرب، وأيامهم معهم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لا تخفى، فقد اجتمعت فيهم العداوتان: عداوة الدين، وعداوة الجنس....ولا إرب لهم إلا إطفاء نور الله تعالى واجتيازهم بلاد المسلمين، ولا سيما البلاد المقدسة ومهابط الوحي ليبذروا فيها...فسادهم...فمن أوجب أنواع الجهاد جهادهم، حماية للدين، وذبًّا وممانعة عن أوطان المسلمين.
وجوب نصرة المسلمين في فلسطين:
قال العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى: واجب علينا أن ننصر إخواننا...الفلسطينيين، سواء كان بالمال أو كان بالنفس.
ويعتبر جهادهم ودفاعهم دفاعًا عن الإسلام، ونصرًا للإسلام. نعم، إنه يعتبر نصرًا للإسلام.
قال الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر: لا يخفى على أي مسلم ما يعانيه المسلمون في فلسطين من آلام وقتل وتشريد، بسبب توالي الاعتداء الغاشم عليهم من اليهود المعتدين الغاصبين، ولا يخفى أيضًا حاجة المسلمين في فلسطين وضرورتهم إلى الكساء والطعام والدواء؛ ولذا فإن من الواجب على المسلمين المسارعة إلى نجدتهم ومدِّ يد المساعدة لهم، والوقوف معهم في محنتهم حتى يتمكنوا من مقاومة عدوِّهم الذي يملك العدة والعتاد.
المسجد الأقصى ثالث المسجدين، وليس ثالث الحرمين:
قال العلامة عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله: عندما يذكرون المسجد الأقصى في القدس، يقولون: ثالثُ الحرمين...فهل نوافقهم على هذا؟
فهل هو ثالث الحرمين؟
نقول: قولهم هذا باطل، ليس ثالث الحرمين باتفاق المسلمين، فالمسجد الأقصى ليس بحرم، بل قُل: "ثالث المسجدين" هذا صحيح، والصلاة فيه بخمسمائة صلاة، هذا صحيح؛ لأن معنى "الحرم" هو الذي لا يُعضد شوكه، ولا يُختلى خلاه، ولا يُنفر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف، هذه الأحكام لا يوجد شيء منها بالأقصى.
القضية الفلسطينية قضية إسلامية:
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: القضية الفلسطينية قضية إسلامية أولًا وأخيرًا، ولكن أعداء الإسلام بذلوا جهودًا جبارة لإبعادها عن الخط الإسلامي وإفهام المسلمين من غير العرب، إنها قضية عربية لا شأن لغير العرب بها، ويبدو أنهم نجحوا إلى حد ما في ذلك؛ ولذا فإني أرى أنه لا يمكن الوصول إلى حل لتلك القضية إلا باعتبار القضية إسلامية، وبالتكاتف بين المسلمين لإنقاذها، وجهاد اليهود جهادًا إسلاميًّا، حتى تعود الأرض إلى أهلها.
لن يكون لليهود دولة في فلسطين:
قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله: لقد ألقى الإنكليز الحديد والنار على فلسطين، حماية لقضية خاسرة، وانتصارًا لأمة لا تقوم لها قائمة، ولن تكون لها دولة كلكم...يعرف أن البشائر التي في القرآن بشائر صدق، وأن آياته كلها حق، والله تعالى يقول في شأن هؤلاء اليهود: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} [آل عمران: 112] ويقول في شأنهم: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: 64] ثم الله يحكم عليهم حكمًا أبديًّا {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا} [الأعراف: 167، 168] هذه صواعق من الله تنصب على رؤوس أعدائكم وعلى رؤوس حماتهم، هذا وعد الله بنصركم عليهم، والله منجز وعده....إن هؤلاء الأذلاء....ستكون عاقبة أمرهم إن شاء الله أن يجليهم المسلمون عن كل بلاد الإسلام.
فتح بيت المقدس واستنقاذه من أيدي الكفرة:
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، فيها كانت وقعة حطين التي كانت أمارة وتقدمة وإشارة لفتح بيت المقدس، واستنقاذه من أيدي الكفرة...واستنقاذه من أيدي النصارى بعد أن استحوذوا عليه مدة ثنتين وتسعين سنة....ولما تطهَّر بيت المقدس مما كان فيه من الصلبان والنواقيس والرهبان والقساوسة، ودخله أهل الإيمان، ونودي بالأذان وقُرئ القرآن، ووحد الرحمن، كانت أول جمعة أقيمت في اليوم الرابع من شعبان، بعد الفتح بثمان...وجاء الحق، وبطلت الأباطيل...وانجلت الكربات، وأقيمت الصلوات، وأذن المؤذنون، وخرس القسيسون، وزال البؤس، وطابت النفوس، وأقبلت السعود، وأدبرت النحوس، وعبد الله الأحد الصمد الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 3، 4] وكبره الراكع والساجد، والقائم والقاعد، وامتلأ الجامع، وسالت لرقة القلوب المدامع، ولما أذن المؤذنون للصلاة قبل الزوال كادت القلوب تطير من الفرح في ذلك الحال.
وصية لأهل فلسطين:
قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: الوصية للمسلمين في فلسطين بتقوى الله، والتعاون على الخير، والاستقامة في العمل، فالله ينصر من ينصره، قال سبحانه وتعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]، فعليهم أن يصبروا ويصابروا، فوعد الله حق، والله ناصر من ينصره.
وختامًا، فعلى المسلمين الصبر، فالصبر والنصر قرينان، ونصر الله جل وعلا لعباده المؤمنين الصادقين قريب.