إرضاء الزوج
إن السعادة الزوجية تتطلب امرأة تعترف بأن عليها إرضاء الزوج، وتتطلب رجلًا لا يرهق زوجته الطيبة في طلب رضاه.
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
كثيرٌ من النساء يتقبَّلْنَ فكرة أن على الواحدة منهن أن تسعى قدر جهدها لإرضاء زوجها، وتحسين شعوره بالتنعُّم في الحياة الزوجية، في الحدود التي تسمح بها ظروف الأسرة؛ أي إن معنى إرضاء الزوج كمعنى عام ليس محلًّا للنقاش، وليس محلًّا للتشكيك عندهن.
وفي المقابل، هناك نوع من النساء يمكن أن تتكلم الواحدة منهن بكل يُسْرٍ عن استهداف السعادة الزوجية، والتفاهم والتعاون بينها وبين زوجها، لكن ذاتها المشحونة بالاعتزاز بالنفس وبالنِّدِّيَّة تجعلها ترفض الاعتراف بأن إرضاء الزوج (مستهدف) لها، يجب عليها أن تسعى بهمتها لتحقيقه، وترفض أن تجعل هذا الإرضاء لافتة عالية ظاهرة في عموم حياتها، ولن تقبله بعد جدال إلا باعتباره جزءًا من صيغة عملية متوازنة تمامًا، أو عُملة لديها يمكن أن تدخل بها في مقايضة مع الزوج: أُرضيه ويرضيني، لكن أن يكون هذا الإرضاء معنًى هائلًا مهيمنًا، فكلا وألف كلا.
وبطبيعة الحال، فإنه يمكن استنتاج أن الواحدة منهن لا تشعر بالرضا تجاه الأحاديث النبوية الشريفة، التي تؤكد أهمية إرضاء الزوج وأهمية طاعته، وأنه سبب في دخول الزوجة الجنةَ، ولكن الورع بالتأكيد يمنعها من التعبير عن الضيق من هذه الأحاديث الواضحة المعاني، ويجعلها تستمع حتى ينتهي من يذكر الحديث من كلامه، وقد كانت تتمنى ألَّا تسمع ما سمعت؛ ومنها هذا الحديث: «إذا صلَّت المرأة خمسَها، وصامت شهرها، وحفِظت فَرْجَها، وأطاعتْ زوجها - دخلتْ جنَّةَ ربِّها»، وهذا الحديث: «أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ، دخلت الجنة».
وهذه المرأة التي لا يريحها الكلام المباشر عن ضرورة إرضاء الزوج في غير معصية الله، تتكلم بسعة صدر وتستمع للأحاديث بقلب يكاد ينفطر من الحنان، عندما يكون الحوار عن إرضاء أمها وإرضاء أبيها، ولا تجد في نفسها أي غُصَّة، حتى لو كان لديها بعض الملاحظات على الوالد أو الوالدة في فترة تنشئتها في البيت، كتلك الملاحظات التي تكون عند البنين والبنات، لكن هذه الغصة تكون موجودة فيها عند الكلام عن إرضاء الزوج؛ إذ إن أول ما يتبادر إلى ذهنها وقتها هي الأشياء التي تضايقها منه، رغم أن طاعة الزوج مُقدَّمة على طاعة الوالدين، وهو جدير مثل الأبوين بالتغاضي عن الملاحظات المعقولة عنه؛ فقد سألت السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أي الناس أعظم حقًّا على المرأة؟ قال: «زوجها»، قلت: فأي الناس أعظم حقًّا على الرجل؟ قال: «أمه».
كل النساء تحب الواحدة منهن أن تقول باعتزاز وافتخار أن الأب قد مات وهو راضٍ عنها، أو الأم، وترى في هذا الرضا سببًا وجيهًا لِما تعيشه من استقرار، وهذا الاعتزاز برضا الأب أو الأم من مات منهما لا يُشعِرها بأي دونية، بل هذا الاعتزاز مغموس في الرحمة والولاء تمامًا، ولكن ليس كل النساء قادرات على تفهم أن رضا الزوج عنها الذي يحيا به وسيموت به لا يقل في الأهمية عن رضا الأبوين، بل يزيد، وليس كلهن يستَطِعْنَ إن مات الزوج أن يتكلمن عن رضاه عنها الذي مات به بذلك الاعتزاز المغموس في الرحمة والولاء.
الذي لا يريد أن يقبل شيئًا سيستطيع أن يجد المبررات لعدم تقبُّله، خصوصًا إذا نظر إليه باعتباره شبيهًا بسِوار إلكتروني يحيط بمِعْصَمِه يراقب مساره، سيقول لسان حال السيدة: حسنًا، أنا لن أقبل هذا السِّوار، سوار إرضاء الزوج، فهو مُهين، لكن صيغة (أرضيه ويرضيني)، هذه تشبه أن نتختم بالدبلتين، هذا مقبول، أما السوار فلا، إنه ليس ذوقي.
الوسيلة الدفاعية الأفضل وقتها لعدم ارتداء هذا السوار هي أنها تذكر لنفسها فضلها العظيم عليه، وتعبها فيه، وتنظيمها لفوضاه، والأشياء المحبطة فيه التي تستطيع أن تجمعها من الذاكرة من هنا وهناك في ثوانٍ معدودة، شيء حدث بالأمس، وشيء حدث منذ عشر سنوات، وشيء حدث في فترة الخطوبة، وتستخلص من ذلك هذه الخلاصة: وأين هذا الرجل الذي يستحق أن أعمل على إرضائه؟ أين هو؟ ولماذا أخذ هذا الامتياز عليَّ؟ أو تضع الصيغة بشكل عام: وأين هذا الرجل الذي يستحق أن تعمل الزوجات على إرضائه؟ أين هؤلاء الرجال الجيدون المناضلون الذين آثروا أبناءهم وبناتهم وزوجاتهم على أنفسهم؟
هل رأيت البراعة؟ إنها على استعداد لأن تنفي وجود رجل جيد في هذه الأزمنة مقابل ألَّا يُقال: إن على المرأة أن تستهدف رضا الزوج.
ولا تتوقف المفارقة عند كونها تعترف بحبٍّ وبدون أي ضغط، وبدون أي حسرة، بضرورة أن تُرضيَ أمها وأباها، ولا تعترف بضرورة إرضاء الزوج، بل تمتد المفارقة حتى تصل إلى أنها لو كانت موظفة، فإنها تعتبر أن سعيها الحثيث لإرضاء الإدارة وأصحاب العمل هو شيء طبيعي جدًّا، بل تكون في قمة ابتهاجها وهي تعبر عن مدى الرضا الذي تشعر به الإدارة تجاهها؛ بسبب جهدها الواضح وكفاءتها النادرة، أيًّا كانت وسيلة التعبير عن هذا الرضا، نصف راتب شهر، شهادة تقدير، قطعة شوكولاتة، أو مجرد إيميل يرفع المعنويات، ستكون سعيدة بالطريقة التي عبرت الإدارة بها عن رضاها، وبالمناسبة، فإن الزوج لو قدَّم لها هدية تعبر عن رضاه، فهي لن تحب أن تقول: إن هذه الهدية تعبر عن رضاه، بل ستقول: إنها تعبر عن ذوقه ورُقِيِّه، أو شدة تعلقه بها، أو تعبر عن اعتذاره، أو تعبر عن ضعفه أمام الأشياء التي تريدها، وكل هذا لا بأس به في الحقيقة، ليس من المشين للرجل أن يجلب هدية لزوجته لأنه يحبها جدًّا، أو بسبب أنه يهوى ما تهوى، أو بسبب أنه مهذب ولطيف ويعرف كيف يتعامل مع الأنثى، لكنها لن تحب أن تقول: إنه جاء بالهدية المفاجئة لأنه راضٍ عنها، تلك هي المشكلة، إنها غير متقبلة لوضع الزوج في موضع يمنح منه الرضا أو يمنعه.
بل إنها لو كانت تتبع نظامًا رياضيًّا وغذائيًّا مع مدرب أونلاين، فهي تحاول إرضاءه وتستجيب لضغوطه، وتتحمل لفتات الصرامة منه، وتتجنب تمامًا أن يشعر بالإحباط منها، وتفتخر بأن الكابتن فلان مبسوط منها جدًّا، تقول هذا للسيدات في صالون البيت اللائي لاحظن انخفاض وزنها، وتخلصها من بعض الشحوم، والرشاقة التي تتحرك بها بينهن، ولكن من سابع المستحيلات أن تفتخر بأن زوجها راضٍ عنها، وهذا له أسباب أخرى بخلاف الخوف من الحسد، وهو أنه قد جرى تسميم حياة الإناث بأن السعي لإرضاء الزوج والفرح برضاه هو من علامات الهوان وقلة القيمة.
بالنسبة للزوجة الصالحة، فإن هذا الأمر الذي نتكلم عنه أساسي ولا خلاف عليه، تدخل في تجربة الزواج، وقد بيَّتَتِ النية على أن ترضي زوجها، وتتقي الله فيه، وتجعله يحمد الله على أن وجدها في طريقه في الحياة، وهذا الإرضاء هو بوصلة تؤكد لها أنها تمشي في الطريق الصحيح، هي تسعي في إرضائه في غير معصية الله، وهي تحاول أن تعرف إن كان قد رضِيَ بالفعل أم لا، ولا يهمها كثيرًا كيف يرى الآخرون من حولها عزيمتها المستقيمة في إرضاء الزوج، وهذا السعي للإرضاء، وبخاصة مع زوج مقدِّر وسَلِس ومحتضِن، لا يمثل لها أي ضغط نفسي، ولا يشعرها بأي قدر من التشوه النفسي، بل يبدو لها موافقًا لشيء مركوز في فطرتها السليمة.
لكن في المقابل، يستطيع الرجل الذكي الصالح أن يجعل المرأة ترضيه بوحي من عاطفتها القوية تجاهه، لا فقط ترضيه مكرهة على الإرضاء؛ كيلا تُغضِبَ ربها، يستطيع أن يجعل الأشياء التي يستحقها تأتيه بغير مشقة، الرجل الصالح الكريم لن يحب أن يرى معاناة زوجته في إرضائه، لن يحب لها أن تدوخ السبع دوخات كي تتجنب لومه وملاحظاته وانتقاداته، الرجل الصالح الكريم رضاؤه قريب وسهل.
إن السعادة الزوجية تتطلب امرأة تعترف بأن عليها إرضاء الزوج، وتتطلب رجلًا لا يرهق زوجته الطيبة في طلب رضاه.