وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا
إن المؤمن بالله حقًّا هو الذي يُدرك هذه المعاني ويستوعبها ويوقن بها بقدر إيمانه بالله وأسمائه وصفاته، جلّ جلاله، وكذلك بقدْر يقينه بصدق كلام الله في هذه الآية وفي سائر آيات القرآن الكريم!
- التصنيفات: الأسماء والصفات - التفسير -
(1)
الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، جلّ جلاله، والصلاة والسلام على خاتم رُسل الله محمد، وعلى إخوانه الرسل الكرام أجمعين.
أمّا بعد:
فقد قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء: 45].
هذه آيةٌ من القرآن الكريم، كتاب الله الذي خَتم الله به كتُبه التي أنزلها إلى أهل الأرض؛ فليس بعد هذا الرسول الكريم رسول، وليس بعد هذا الكتاب الإلهيّ كتابٌ، وبهذا تَمّت نعمة الله الخالق ومِنّتُه على المخلوقين، وبهذا قد أقام الله الحجة على العالمين.
♦♦♦♦♦
(2)
ولم يبقَ بعد إرسال الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، والقرآن الكريم سِوى استكمال دورة الحياة المكتوبة للبشرية، وَفْق المقادير التي يُقدّرها الله الخالق سبحانه، وبحسب اختياراتِ البشر لأنفسهم فيما يتعلق باختيار طريق الخير أو اختيار طريق الشرّ، ثمّ نهاية الدنيا، وقيام الساعة، التي يكون فيها الجزاء والحساب!
ومِن رحمة الله بعباده أنْ بعثَ لهم رسله مبشّرين ومنذرين، وأرسل إليهم كُتُبه ورسالاته، فأقام عليهم حجته البالغة سبحانه.
وأوضح الله للبشرية ما يريد أن يكونوا عليه في حياتهم من الاهتداء بهداه، والابتعاد عن اتّباع شهوات أنفسهم الحائدة عن الطريق السّويّ، واتّباع خُطوات الشيطان.
♦♦♦♦♦
(3)
وأوضحَ الله في آخر كتبه -القرآن- كل شيء مِن تعليماته وشرْعه، وعواقب اختيار الإيمان به وعواقب اختيار الكفر به، وأوضحَ أنه قد اقتضت حكمته أنْ تكون هذه الحياة الدنيا دار ابتلاء واختبارٍ، وأنْ يكون يوم القيامة هو دار الحساب والجزاء النهائي:
♦ ومما أوضحه الله فيه: العناية بمخاطبة عباده المؤمنين، وبيان عاقبتهم في الدنيا والآخرة، وما أعدّه لهم من النعيم المقيم وحُسْن العاقبة؛ جزاءً لهم ومِنّةً منه عليهم، جل جلاله.
♦ ومما يلفت النظر في القرآن الكريم: كثرةُ وتنوّعُ خطاب الدعم الإلهيّ لعباده المؤمنين، المستهدِف تثبيتهم في حياتهم وفي مواجهتهم مع الباطل وأولياء الباطل، سواءٌ في عموم حياتهم، أو في مواجهاتهم مع الباطل وأصحابه في معتَرَك الحياة أو في المعارك.
♦ ومِن أهمّ ما أوضحه الله لعباده المؤمنين: بيانه، وتأكيده أنه وليّهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأنه عليم بكل شيء، وقادر على كل شيء، وأنه حكيم!
ومما يَشهد بهذا قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء: 45].
ففي الآية ما فيها مِن تثبيت الله وتكفّله بالحماية والنصر لهذه الأمة، ما يُسَلّي قلب كل مؤمن وقلْب كل مسلم قدّر الله له أن يكون في المواجهة مع أعداء الله الكافرين المحاربين لعباده المسلمين!
إن المؤمن بالله حقًّا هو الذي يُدرك هذه المعاني ويستوعبها ويوقن بها بقدر إيمانه بالله وأسمائه وصفاته، جلّ جلاله، وكذلك بقدْر يقينه بصدق كلام الله في هذه الآية وفي سائر آيات القرآن الكريم!
إنّ هذه معانٍ تُسعِد قلب المؤمن بالله تعالى، وتحوّله من خوفٍ وقلق إلى يقين ورضًا وطمأنينة؛ لأنه كلام الله الذي له وحده الخَلْق والأمر!
تأمل عناصر هذه المعاني:
1- {والله أعلم بأعدائكم}. فلم يقل: يَعْلَم، بل هو أعلم! فالله أعلم مِن هذه الأمة بأعدائها!
2- {وكفى بالله وليًّا}. وهذه بردٌ وسلامٌ على المؤمنين؛ ليقينهم بأنّ الله هو وليهم، الذي تُغني ولايتُه عن كل ولاية، ولا تُغني عن ولايته أيّ ولاية! فهو الحامي والحافظ لِمَن تولاه! وإنْ لم يَحفظك الله؛ فلن يَحفظك أحد في هذا الكون!
3- {وكفى بالله نصيرًا}! نعمْ، كفى بنُصْرة الله نُصرةً، ولو اجتمع مَن في الأرض للإضرار بك مِن دون الله، فلن يستطيعوا أن يضرّوك بشيء مِن دون الله!
فاطمئنّ أيها المؤمن، فمهما واجهتك مِن (الصعاب)، ومهما واجهك مِن الأعداء المحاربين، فالله هو وليّك، واللهُ معك، والله ناصرُك! وهو القائل: (فاذكروني أذكركم…)، فلا يَحُول بينك وبين ذِكْر الله لك سِوى ذِكْرك له!
اللهم إياك نعبد وإياك نستعين!
♦♦♦♦♦
(4)
وأخيرًا، لابد من الإشارة إلى أنّ الخطاب الإلهي في هذه الآية وأمثالها هو للأمّة كلها، وهو مُوَجَّهٌ إليها في جميع الأزمان والعصور، والأماكن، وموَجَّهٌ إليها في مختلف الأحوال والظروف! حقًّا، إنّ هذه عظَمةٌ ليست لأحدٍ سِوى الله الخالق سبحانه!
فهو وحده الذي له هذه القوّة، وهو الذي له الخَلْق والأمر، وله الكون كله، وبيده أمْرُ المخلوقين جميعًا وأمْر الزمان كله، والأسباب كلها؛ فأين يذهب أعداؤه؟ وإلى أين يَفرّون مِن عقابه وهزيمته المحْدِقة بهم!
وأمام هذا العِلم الإلهيّ، وهذه القدْرة الربانية، وهذه الولاية الربانية، وهذه النصرة التي تكفّل الله بها؛ فأيُّ خوفٍ أو قلقٍ يَعتري عبادَه المسلمين المدافعين عن دينه وعن حُرُمات المسلمين وعن مقدّساتهم؟
ومما يلفت النظر، ويُحرّك الإيمان في هذا الشأن، ويُثبّت قلوب عباده المؤمنين، تَكرّرُ وصف الله نفسه المقدّسة بأنه (عليم حكيم) - بصيَغ متعددة - حيث ورد في القرآن وصف الله بأنه (عليم) نحو 40 مرة، وورد وصفه سبحانه بأنه (عليم حكيم) - بصيَغ متعددة - نحو 30 مرة. فأيُّ دعمٍ أعظمَ مِن هذا الدعم من الله لعباده سبحانه!
ألا إنّ النتيجة محسومة بوعْد الله هذا الوعد الكريم؛ فلا مكان عندهم للخوف والقلق!
وهذه الحقيقة هي التي أثبتَها الله على أيدي المسلمين المخلصين الصادقين على مدى تاريخ الإسلام كله!
إنها شهادات التاريخ عَبْر مشاهد وغزوات المسلمين كلها، فلم يُعرَف فيها لهم هزيمة قَط، وذلك بغضّ النظر عن قلة عددهم وقلة أسلحتهم؛ بل الحقيقة أنّ انتصارات المسلمين كلها كانت في حالِ قلةٍ مِن أعداد جيوش المسلمين وأسلحتهم، فقد كانت دائمًا أقلّ بكثير من عدوّهم؛ لأنّ انتصارهم إنما هو بقوّة الله وإرادته، لا بقوّتهم وإرادتهم، وكان انتصارًا بقوّة إيمانهم أكثرّ منه بقوّةِ أعدادهم وعتادهم!
وإخبار الله بولايته لعباده المجاهدين المسلمين، ووعْده بنصْره لهم؛ هو عقْدٌ إلهيّ بينه وبينهم مبْتوتٌ، قد أبْرمه الله؛ فقُضي الأمر: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].
وفي مقابل وعْد الله بنصر المسلمين، جاء وعيد الله بخذلان أعدائهم وهزيمتهم ومعاداته وبغْضه لهم!
والحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على خاتم الرسل والأنبياء محمد وآله وصحبه أجمعين.
___________________________________________________
الكاتب: أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي