شموع - (9) تعسف الوالدين

منذ 2023-11-28

ولو كَلَّف الآباء أبناءهم فوق طاقتهم، وتعسفوا في طلباتهم، وتدخلوا في تفاصيل حياتهم الشخصية، ومارسوا شيئًا من التسلُّط، فسيكون لهذا أثره البالغ على المحبة والاحترام والبر.

♦ إذا استطعت ألا يراك أحدٌ منشغلاً بهاتفك، فافعل!

 

♦ شلال وفاء:

ألَّف الإمام محمد بن عبدالرحمن السخاوي "المصري" (ت: 902) كتابًا حافلاً رائعًا في سيرة شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت: 852)، سماه: (الجواهر والدرر، في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر) طُبع في ثلاثة مجلدات، وقال في ختامه (1278/3): (والله أسألُ أن يغفر ذنوبنا، ويستر عيوبنا، ويعيننا على القيام بما لصاحب الترجمة علينا من حقوقٍ، فقد روينا عن عفَّان بن مسلم قال: سمعت شعبة "بن الحجاج" يقول: مَن كتبتُ عنه أربعة أحاديث أو خمسة، فأنا عبده حتى أموت)!

 

♦ خاطرة قرآنية:

نام (أصحاب الكهف) نومتَهم الطويلة: (309) سنة، ثم قالوا: لبثنا يومًا أو بعض يوم.

 

ومات (عُزير) مائة عام، ثم بعثه الله، فقال: لبثت يومًا أو بعض يوم.

 

ومن هنا نفهم: (النوم أخو الموت).

 

وورد في الحديث أنه يقال للميت الصالح السعيد: نَمْ، فينام كنومة العروس الذي لا يُوقظه إلا أحبُّ أهله إليه.

 

وهنا اجتمع الموت والنوم، وعلى هذا لن يشعر أهلُ البرزخ الصالحون الناجون السعداء بطول المقام فيه، والله تعالى أعلم.

 

♦ حفظ الوقت مُقدَّم على المجاملة:

من لطائف الشيخ أحمد الترمانيني - شيخ حلب في القرن الثالث عشر الهجري - الغريبة أنه كان إذا أطال أحدٌ الجلوس عنده، قال له: قُمْ مع السلامة، ولو كان من أعزِّ أصدقائه!

 

♦ طبيب إنسان:

من أطباء مصر الطبيب البارع الأديب الحسين بن منصور الأسنائي (تُوفِّي في أوائل القرن السابع الهجري).

 

من فضائله أنه كان يطبُّ، ويعطي ثمن الأدوية لمن يُطبُّه.

 

وقد زاد بهذا على مَن يُعالِجُ مجانًا رحمه الله.

 

♦ قيم عربية لا يعرفُها الغرب:

كان العرب يفتخرون برعاية الصداقة، والوفاء بالعهود، وعدم خيانة العقود ...

وقولا: هو المرء الذي لا صديقَه   ***   أضاع، ولا خان العهود، ولا غدَرْ 

 

وليت ذاكرتنا تكون أكثر حيوية، وتستعرض تاريخ العالم الغربي في إضاعة الصداقة، وخلف العهود، ونكث العقود.

 

وليتنا نقرأ القرآن جيدًا، ونرى الوعود الربانية الحقيقية القويَّة الصادقة؛ عسى أن نتوكل على الله، ونستعين به في بناء أوطاننا وحمايتها، وتأمين مستقبلها، وحماية مكتسباتها ومنجزاتها ...

 

♦ ‏بيت من غير حب وحنان، صحراء قاحلة.

 

وعالَم من غير تعاون وصدق، غابة قاتلة.

 

وحياة من غير حرية، حياة غبية جاهلة.

 

♦ على مخطوط:

رأيت سنة 1992-1412 في دار المخطوطات ببغداد نسخةً من (شذور العقود في تاريخ العهود) لابن الجوزي، وقد كتب على الغلاف تحت العنوان:

يا مستعيرًا كتابي   ***   بالله أدِّ الأمانـــــــــــهْ 

ودع بربك مطلـي   ***   فالمطل رأس الخيانهْ 

 

وتذكرت كتبًا استعارها منذ سنين (مستعيرون مستعمرون مستحلُّون) وكأن لسانَ حالها ينشد قول الحطيئة لزوجته:

عدِّي السنين إذا خرجتُ لغيبتي ♦ ودعي الشهور فإنهن قصار.

 

♦ البر عمل مشترك:

يحسنُ بالوالدين العاقلين أن يساعدا أولادهما على البر، وأن يدعا ذكريات جميلة لديهم.

 

وبذلك يُذكَران بالخير، ويُدْعى لهما بعد رحيلهما.

 

وقد قال عامر بن عبدالله بن الزبير: (ما سألتُ الله حاجة بعد موت أبي إلا له).

 

ولا بد لهذا الحب الكبير، والوفاء المنير من دوافع عظيمة، وتلك هي ما أشير إليه وأدعو له، من برِّ الآباء بالأبناء، وحسن رعايتهم، واستيعابهم، وتقدير مشاعرهم.

 

ولو كَلَّف الآباء أبناءهم فوق طاقتهم، وتعسفوا في طلباتهم، وتدخلوا في تفاصيل حياتهم الشخصية، ومارسوا شيئًا من التسلُّط، فسيكون لهذا أثره البالغ على المحبة والاحترام والبر.

 

وقد سُمِّي الأبرار أبرارًا؛ لأنهم بروا الآباء والأبناء، كما قال عبدالله بن عمر، وسفيان الثوري.

 

وفي الحديث الشريف: «رحم الله والدًا أعان ولده على برِّه».

 

وهذا الحديث من الأحاديث الرائعة التي تبين اشتراك الطرفين في عملية البر.

 

وقد يشير إلى مسؤولية الآباء عن العقوق - لو حصل بسبب تعسف الوالدين في استعمال حقوقهما - والله أعلم.

 

♦ ومضة قرآنية:

لا تيئس من بشارة وإن ظننتَ أن الزمن قد فات، ولك في قول إبراهيم: {أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ} [الحجر: 54] آيات.

 

♦ يا نفس:

لا تخيِّبي ظنَّ أحد أمَّل فيكِ خيرًا، فيُخيِّبَ الله ظنَّك بمن رجوتِ منه أمرًا.

 

‏* يبحث الناس عن السعادة في كل مكان عدا داخل نفوسهم!

 

♦ تحية المكيف:

أرسل إليَّ أخ كريم بيتين وصلا إليه ولا يعرف قائلَهما، وقد شطرتهما تحية للمكيف على وقفته الخيِّرة للناس في هذا الحرِّ اللاهب، والصيف الصاخب، فقلت:

(قُمْ للمكيِّفِ وَفِّهِ التبجيلا) 

وأطِلْ له الترحيب والتقبيلاَ 

واعلم - وظني أن مثلك عالم - 

(لولا المكيِّفُ بتَّ أنتَ قتيلاَ) 

(يهديك من حُلو النسائم بَرْدَه) 

فترى الهواء السخن عاد عليلاَ 

وتنامُ ملء العين فوق ذراعه 

(وبكل حبٍّ يحتويك خليلاَ) 

 

♦ مهما كان:

‏سنقاتل بالحب.

ونداوي الجروح بالتسامح.

ونجتث الأحقاد بالعفو.

 


[1] هو لبيد بن ربيعة، أدرك الإسلام فأسلم، وتوفي بالكوفة في عهد معاوية.

___________________________________________________
الكاتب: د. عبدالحكيم الأنيس

  • 1
  • 0
  • 341
المقال السابق
(8) "ثقافة حفظ الوقت"
المقال التالي
(10) ومضات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً