ألا إنّ نصر الله قريب
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وناصر عباده المؤمنين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بذل حياته جهاداً ونصرةً حتى أتاه النصر المبين، صلَّى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه التابعين ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمَّا بعد:
إنّ المتأمل في حال الأمة اليوم، وما وصلت إليه من القهر والذل، ربما أصابه اليأس مما وصلت إليه الأمة من الضعف والهوان وتساءل: هل يمكن أن تقوم للمسلمين قائمة ويعودوا إلى سابق عزهم ومكانتهم وقيادتهم للبشرية؟! بعد أن تكالب عليهم أعداؤهم من كل حدب وصوب؟ هل يمكن أن تعود الأمة إلى عزها وتنفض غبار النوم عنها؟ وهل سيأتي نصر الله عز وجل بعد كل هذا الهوان؟ أسئلة مريرة تدل على حالة من اليأس والقنوط تعيشها الأمة من أقصاها إلى أقصاها، لذلك كان من الضروري تسليط الأضواء على هذه الحالة لطرد اليأس وإعادة الأمل إلى قلوب هذه الأمة المباركة المنصورة إلى قيام الساعة، فأقول وبالله التوفيق: لا شك أن كل مسلم يتطلع دائماً إلى نصر الله عز وجل لأوليائه المؤمنين، كيف لا يتطلع وهو يقرأ قول الله {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ} [الروم: ٤٧]؟ كيف لا يتطلع وهو يقرأ قول الله للمؤمنين: {إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: ٧]؟ كيف لا يتطلع وهو يقرأ قول ربه: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءامَنُواْ فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَاد} [غافر: ٥١]؟ فنصر الله لهذه الأمة نصر قريب، كما قال ربنا: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: ٢١٤].
إخواني:
هل يخالجكم شك في قوة الله وقدرته على نصرة دينه وأوليائه؟ وهل ترتابون في ضعف كيد الأعداء مهما بلغت قوتهم وكثرت جموعهم؟ وهل يتردد مسلم في أنّ العاقبة للمتقين؟ وأنّ الغلبة في نهاية المطاف للإسلام والمسلمين؟ تلك مسلمات لا تقبل الجدل وأدلتها من الكتاب والسنة قد لا تحصر وإن كان الله قد جعل لكل شيء قدرا، وجعل للنصر والتمكين شروطا لا بد توفرها وهي ليست ضربا من المستحيل ولا فوق طاقات البشر، ولكنها تحتاج إلى صدق وإخلاص وجهاد ونية.
والمسلمون اليوم ممتحنون ليثبتوا صدق جهادهم لدينهم وولائهم لشرع ربهم والمؤمنين وبراءتهم الكفر والكافرين وقد قيل لمن هم خير منهم: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: ١٧٩].
إخواني: لا بد أن نعتقد أنَّ الحق والعدل أساس في هذا الكون، وأصل في بناء السماوات والأرض، وأنَّ الدنيا بدأت بالحق، وستنتهي بالحق، ويوم القيامة يتجلى الحق في أعلى وأجلّ صوره، ومن هذا الحق أن تعود لأمة الإسلام قيادتها للبشرية، ومن الحق أن يعود حكم الإسلام إلى الأرض كلِّها، ومن الحق والعدل أن تزول هذه الغشاوة، وأن تنقشع هذه الغُمة التي تحياها هذه الأمة.
ولا يغرنكم انتفاش ريش اليهود والنصارى على الدنيا بأسرها في هذه الفترة، فإن الله جل وعلا يقول: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلادِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: ١٩٦، 197]، إنَّ الكفر والباطل وإن تسلط فإنَّ تسلطه محدود بقَدَر من الله، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستمر؛ لأن الله جعل لكل شيء نهاية.
ولنفرض بأنَّ الكفار استطاعوا أن تكون لهم الغلبة مدة الحياة الدنيا كلِّها، ألسنا نحن المسلمين نعتقد ونؤمن بأنَّ الله قد وعدنا بالآخرة؟ وبالحياة الأبدية الباقية في الجنة؟ فما قيمة الحياة الدنيا من أولها إلى آخرها مقارنة بالآخرة؟ ألا ترضون أن يأخذوا هم الدنيا وتكون لنا الآخرة؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لعمر: «أمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ؟» [البخاري].
لقد قص الله عز وجل علينا قصة أصحاب الأخدود والطريقة التي انتهت إليها؟ إنها حادثة مؤلمة جدا، أن يَحْفُرَ الكفار أخدودا في الأرض، ثم يؤججوا فيه النيران، ثم يلقوا فيه أناساً أبرياء لا ذنب لهم سوى الإيمان: {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} [البروج: ٧]، ولحكمة يعلمها الله عز وجل لم يذكر في نهاية القصة أنَّه عاقب أولئك المجرمين أو انتقم منهم كما أخذ قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيبٍ وقومَ لوط، أو كما أخذ فرعون وجنودَه أخذ عزيز مقتدر.
وعند المقارنة الدنيوية وإغفال عالم الآخرة، يكون هؤلاء المجرمون هم المنصورون، وأولئك المؤمنون هم الخاسرون، لكنَّ الله عز وجل أخبرنا في هذه الحادثة بهذه النهاية المؤلمة؛ ليُعْلِمنا وليكشف لنا عن حقيقة أخرى وهي أنَّ الحياة الدنيا بما فيها من لذائذ وآلام ومتاع وحرمان ليست هي القيمة الكبرى في الميزان وليست هي السلعة التي تقرر حساب الربح والخسارة، ولكن القيمة الكبرى في ميزان الله عز وجل هي قيمة العقيدة، والسلعة الرائجة في سوق الله تعالى هي سلعة الإيمان، وإنّ النصر في أرفع صوره هو انتصارُ العقيدة على الألم، وانتصارُ الإيمان على الشرك والكفر: {وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ . الذي لَهُ مُلْكُ السموات وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلّ شيء شَهِيدٌ} [البروج: 8، 9].
فالله عز وجل شهيد على هذه الحادثة، وهكذا اتصلت حياة المؤمنين في الأرض بالحياة الباقية الخالدة في الملأ الأعلى، واتصلت الدنيا بالآخرة، ولم تعد الأرض وحدها هي مجال المعركة بين الخير والشر، ولم تعد الدنيا هي خاتمة المطاف، ولا موعد الفصل في هذا الصراع.
لقد انفسح المجال في المكان والزمان، والقيم والموازين، واتسعت آفاق النفس المؤمنة، وكبرت اهتماماتها، فصغرت الأرض وما عليها، وصغرت الحياة الدنيا وما يتعلق بها، وكَبُرَ المؤمن بمقدار ما معه من إيمان غيبي، فأخبر عن العقاب الأخروي لهؤلاء المجرمين، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُواْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10].
أما أولئك الذين صبروا، وأحرقتهم النار في هذه الدنيا، فيقول الله عز وجل في شأنهم: {إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لهم جنات تَجرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج: 11]، هذا هو الميزان، ذلك الفوز الكبير.
ولو أجرينا مقارنة بين الكفر والإسلام، لوجدنا أنَّ دين الله قديماً وحديثاً هو الغالب، وهو المسيطر مدةً أطولَ من سيطرة الكفار، فهل تعلموا أنَّ الناس بعد آدم عليه الصلاة والسلام بقوا مدَّة عشرة قرون على التوحيد والإسلام؟! وهل تعلموا أنَّ أمتنا بقيت حاكمة منذ بعثة نبيها صلى الله عليه وسلم إلى زمن سقوط الخلافة العثمانية سنة 1924، أكثر من ثلاثة عشر قرناً من الزمان وهي أمة ظافرة منتصرة، بيدها تدبير كثير من أمور الدنيا حتى الأمم الكافرة، وهذه هي التي طالما تغنى بها كثير من شعراء المسلمين عندما قالوا:
وسطَّرنا صحائف من ضياء *** فما نسي الزمان ولا نسينا
حمَلناها سيوفا لامعاتٍ *** غداةُ الروع تأبى أن تلينا
إذا خرجت من الأغماد يوما *** رأيت الهول والفتح المبينا
وكنا حين يأخذنا وليٌّ *** بطغيان ندوس له الجبينا
وكنا حين يرمينا أناس *** نؤدبهم أُباةً صابرينا
وما فتئ الزمان يدور حتى *** مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يُرى في الركب قومي *** وقد عاشوا أئمته سنينا
خاطب هارون الرشيد سحابة رآها تجري فقال: "أمطري حيث شئتِ فسيأتيني خراجك" هذا ما كان في الماضي.
أمَّا عن مستقبل هذه الأمة فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن المعركة الفاصلة مع اليهود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ» [مسلم].
إذاً لا يجوزُ أن نقارنَ لحظةً معينةً من عمرِ التاريخ وننسى الماضي كلَّه، والمستقبلَ كلَّه، إنَّ تسلط الكفار في هذا الوقت إنَّما هو تسلط مؤقت بقدر من الله عز وجل، ولحكمة منه سبحانه وتعالى، ودينُ الله غالبٌ، ونصرُ الله قريب: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21]، فهذه الأمَّة منصورة بإذن الله تعالى، وإنَّما تحتاج إلى من ينفض عنها الغبار.
إخواني:
ربَّما يقتل أناس من هذه الأمة، وربَّما تباد جماعات ومجتمعات، وربَّما تسقط دول وتذهب أسماء وشعارات، وهذا كلُّه صحيح، لكنَّ الإسلام باق، والذي يريد أن يواجه الإسلام، أو يحارب الإسلام مسكين، مثله كمثل الذبابة التي تحاول حجب ضوء الشمس والله متم نوره ولو كره الكافرون، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣٣].
إن هذا الدين هو سر بقاء هذه الأمة ووجودِها، وهذه الأمة إنما خلقت للإسلام، ووجدت للإسلام، والذي يريد أن يقضي على الإسلام فليقض على هذه الأمة، وهل يستطيع أحد أن يقضي على هذه الأمة؟! هيهات ثم هيهات!! فهذه الأمة موعودة بالبقاء، وليس بالبقاء فقط بل البقاء مع النصر والتمكين، ولا يزال الله عز وجل يخرج لهذه الأمة في كل مرحلة من تاريخها دعاةً علماءَ وقادةً ومجاهدين يستعملهم في خدمة هذا الدين، ولن يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا وسيدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر وأهله عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ» [أحمد وصححه الحاكم وابن حبان والألباني].
إنّ هذا الدين هو كلمة الله عز وجل، ولا إله إلا الله هي كلمة الإسلام، ومن ذا الذي يستطيع أن يُطفئ نور هذه الكلمة؟
إذا جلجلت الله أكبر في الوغى *** تخاذلت الأصوات عن ذلك الندا
ومن خاصم الرحمن خابت جهوده *** وضاعت مساعيه وأتعابه سُدى
إنّ أمريكا ليست أول من حارب الإسلام، بل حاربه قبلها الكثير، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ لقد أهلك الله كل من وقف في طريق الإسلام، وبقي الله الإسلام شامخاً، وسيبقى بموعود الله ورسوله، وها هو الإسلام الآن بدأ يتململ في أوربا وأمريكا.. ورغم الظروف الصعبة التي يمر بها الإسلام والمسلمون في كل مكان إلَّا أن المستقبل للإسلام.
إخواني:
إننا بحاجة إلى التذكير بالمبشرات الصادقة لندفع بها اليأس والإحباط عن نفوسنا ونجدد العزائم ونتلمس أسباب النصر والتمكين فمن رحمة الله بأمتنا أن جعل لها بعد العسر يسرا وبعد الشدة والضيق فرجاً ومخرجا فقال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5، ٦]، ولن يغلب عسرٌ يسرين، قال العلامة السعدي في تفسيره: "بشارة عظيمة إنَّه كلَّما وجد عسرٌ وصعوبة فإنَّ اليسر يقارنه ويصاحبه حتى ولو دخل العسر جحر ضبٍ لدخل عليه اليسر فأخرجه"، كما قال تعالى: {{C}{C}سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا{C}{C}} [الطلاق: 7]، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «{C}{C}وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا{C}{C}» [رواه أحمد وصححه الحاكم].
وأوطأت المكاره وأطمأنت *** وأرست في أماكنها الخطوب
ولم ترى لانكشاف الضر وجها *** ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوثٌ *** يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات إذا تناهت *** فموصول بها الفرج قريب
ومهما تلاحقت الخطوب واشتدت المكاره وتفنن الأعداء في أساليب العداوة والبغضاء فلا يغب عن البال أن نصر الله قريب وأن كيد الشيطان ضعيف وأن الغلبة في النهاية للحق وأهله: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد: 17].
إنَّ الشدة تخفي وراءها فرجاً بإذن الله والمكروه يحمل الخير القادم بإذن الله، وإنَّ الدلائل والبشائر من الكتاب والسنة ومن واقع الحضارات المادية المنهارة والآيلة للانهيار، ومن واقع الأمة الإسلامية التي باتت الصحوة الإسلامية تسري بين رجالها ونساءها ومثقفيها وعوامها، ومن واقع الأعداء كذلك وتآزرهم لضرب الإسلام وخنق المسلمين، كلُّ هذه وغيرها تقول بلسان الحال: إنَّ الإسلام قادم وإنَّ الجولة القادمة للمسلمين إن شاء الله فعلى المسلمين أن يرجعوا إلى دينهم ويعدوا أنفسهم بما يستطيعون وليدركوا أنَّ النصر في النهاية ليس بقوة المسلمين وجهدهم ولا بكثرة عددهم وعتادهم وإنما بقوة الله ودفعه: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14]، والمسلمون إذا صدقوا كانوا سبباً لتحقيق قدر الله في عدوه وعدوهم: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 17]، فالنصر من عند الله فلا يهنوا ويضعفوا وهم يرون ما بالأعداء من قوة فيد الله فوق أيديهم وأمره بين الكاف والنون: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
فعودة يا مسلمون إلى دينكم، وبينوا الصورة المشرقة للإسلام، فالإسلام الآن متهم في الغرب بالإرهاب والتطرف شئنا أم أبينا، فتحركوا لخدمة دين الله تعالى.
إخواني:
إنّ نصر هذه الأمة قد انعقد غمامه وقد أقبلت أيامه فأحسنوا الظنَّ بربكم واجمعوا مع الأمل حسن العمل، وانصروا الله في أنفسكم ينجز لكم ما وعدكم من مصر على عدوكم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]، واعلموا أنَّ الشدائد التي تمر بها الأمة هي أمارات ميلاد جديد بإذن الله فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا:
ذهب الأقصى وضاعت قدسُنا منّا وحيفانا ويافا وصَفَدْ
لا تقولوا: حارس الثَّغْر رَقَدْ
أنا لا أُنكر أنَّ البَغْيَ في الدُّنيا ظَهَرْ والضَّميرَ الحيَّ في دوَّامة العصر انْصَهَرْ
أنا لا أُنكر أنَّ الوهمَ في عالمنا المسكون بالوهم انتشرْ
غيرَ أنَّي لم أزلْ أحلف بالله الأحَدْ
أنَّ نَصْرَ اللَّهِ آتٍ، وعدوَّ اللهِ لن يلقى من الله سَنَدْ
لن ينال المعتدي ما يبتغي في القدسِ ما دام لنا فيها وَلَدْ
إخواني:
إنّ الدين دين الله وإنّ الحرمات حرماته والله أغير على دينه وحرماته منّا، وهو الذي أنزل الدين وأرسل الرسول وتكفل بإظهار دينه ونصر رسله: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 32، 33]، {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21]، {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ . وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171 - 173].
أسأل الله العلي القدير أن يصلح أحوال المسلمين وأن يأخذ بنواصيهم إلى الحق والهدى وأن يعجل النصر لأمتنا إنه سميع قريب مجيب.
- التصنيف: