وقفات مع القاعدة القرآنية: { وما آتاكم الرسول فخذوه }
{وَمَاۤ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُوا۟ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ} [الحشر ٧].
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
وقفات مع القاعدة القرآنية:
{وَمَاۤ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُوا۟ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ} [الحشر ٧].
المقدمة:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد، فهذه قاعدة عظيمة من قواعد القرآن الكريم، وهي قاعدة عامة تشمل أصول الدين وفروعه، ويستدل بها على كل مسألة من مسائل الدين مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
والله أسأل أن ينفع بها ويتقبلها.
الوقفة الأولى:
- في دلالة الآية على وجوب اتباع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، في كل قول وعمل واعتقاد.
وسنة النبي صلى الله عليه وسلم: هي كل قول وعمل وإقرار منه.
قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره على هذا الآية: وهذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، وأن ما جاء به الرسول يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته.انتهى.
وقال الإمام ابن جُزَيّ رحمه الله تعالى، في تفسيره على هذا الآية: ولفظ الآية مع ذلك عام في أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو نواهيه، ولذلك استدل بها عبد الله بن مسعود على المنع من لبس المحرم المخيط ولعن الواشمة والواصلة في القرآن لورود ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.انتهى.
ونص الحديث الذي أشار إليه ابن جزي في البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال : لعن الله الواشمات والموتشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله. فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، فجاءت، فقالت : إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت. فقال: وما لي ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هو في كتاب الله ؟ فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول. قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأت: { {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } } ؟ قالت : بلى. قال: فإنه قد نهى عنه.
الوقفة الثانية:
- في دلالة الآية في النهي عن مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم ومعصيته.
قال الماوردي والشوكاني في تفسير هذه الآية: قال ابن جريج: ما أتاكم من طاعتي فافعلوا وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه.
الوقفة الثالثة:
- في الآية الرد على منكري السنة، أو من يرد شيئا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد هواه وذوقه الفاسد، أو من يرد أحاديث الآحاد في العقيدة فإنها مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأكثر سنة النبي صلى الله عليه وسلم من خبر الآحاد، إلا القليل منها التي تعد على أصابع اليد، فإنها من المتواتر.
قال الإمام الشافعي: ولا أعلم مِن الصحابة ولا من التابعين أحدًا أُخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا قبل خبره، وانتهى إليه، وأثبت ذلك سنةً... وصنع ذلك الذين بعد التابعين، والذين لقيناهم، كلُّهم يُثبت الأخبار، ويجعلها سُنةً، يُحمد من تبعها، ويُعاب من خالفها، فمن فارَقَ هذا المذهب، كان عندنا مفارقَ سبيلِ أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهلِ العلم بعدهم إلى اليوم، وكان من أهل الجهالة. مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة للسيوطي.
قال الإمام ابن حبان في مقدمة صحيحه الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: فأما الأخبار فإنها كلها أخبار آحاد...إلى أن قال: وأن من تنكب عن قبول أخبار الآحاد، فقد عمد إلى ترك السنن كلها، لعدم وجود السنن إلا من رواية الآحاد.
الوقفة الرابعة:
- في دلالة الآية على أن ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه مثل ما أمر الله به وما نهى الرسول عنه فإنه مثل ما نهى الله تعالى عنه.
قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره على هذا الآية: نص الرسول على حكم الشيء كنص الله تعالى، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله.
الوقفة الخامسة:
- دلالة الآية على الوعيد في مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وترك أمره.
قال العلامة الشوكاني في تفسيره على هذا الآية: ثم لما أمرهم بأخذ ما أمرهم به الرسول وترك ما نهاهم عنه أمرهم بتقواه وخوفهم شدة عقوبته. فقال: {واتقوا الله إن الله شديد العقاب}. فهو معاقب من لم يأخذ ما آتاه الرسول ولم يترك ما نهاه عنه.
الخاتمة:
إن هذه الآية قاعدة من قواعد الدين ينبغي على المسلم استحضارها كلما سمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم من أمر أو نهي، وهي قاعدة إيضا في إبطال كل بدعة تنهى عن الأخذ بالسنن الصحيحة، قال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى تعالى في تفسيره: والحق أن هذه الآية عامة في كل شيء يأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أمر أو نهي أو ترك أو فعل.
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبها:
يزن الغانم.