رعاية حق البنين والبنات
محمد سيد حسين عبد الواحد
وإذا كنا نتحدث يومنا هذا نتحدث عن《 حق الولد 》 في ضرورة الإحسان إليه ، وفي حسن تربيته ، وتأديبه ، وتهذيبه ،وتعليمه، وتوجيهه فأحسب أننا لن نجد (والداً) أدى الأمانة في (ولده) أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم
- التصنيفات: تربية الأبناء في الإسلام -
أيها الإخوة الكرام : إن من التوجيهات الحكيمة ، ومن الدلالات الكريمة التي وجهنا إليها ودلنا عليها القرآن الكريم في عموم سوره الكريمات ،وفي عموم آياته البينات ، وخصوصاً من خلال الآيات المدنية والسور المدنية《رعاية حق البنين والبنات 》
قال الله تعالى {﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ قُوٓا۟ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾}
{﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ قُوٓا۟ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾} هذه آية مدنية ، من سورة التحريم ، وسورة التحريم سورة مدنية عُنيت بالحديث عن التشريع الإسلامي ، تكلمت آياتها عن الحلال الذي على المسلم أن يفعله ، وعُنيت بالحديث عن الحرام الذي على المسلم أن يجتنبه ، وعُنيت كذلك بالأموامر التي على المسلم أن يأتيها ، وعُنيت في الوقت ذاته بالحديث عن النواهي التي على المسلم أن يحذرها ..
ومن بين آيات السورة هذه الآية : { ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ قُوٓا۟ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ } هذه الآية تؤسس لمسؤلية الزوج عن زوجه ، وتؤسس لمسؤلية الوالد عن ولده ، فعلى الزوج أن يؤدي الأمانة في زوجه وولده ..
وإذا كنا نتحدث يومنا هذا نتحدث عن《 حق الولد 》 في ضرورة الإحسان إليه ، وفي حسن تربيته ، وتأديبه ، وتهذيبه ،وتعليمه، وتوجيهه فأحسب أننا لن نجد (والداً) أدى الأمانة في (ولده) أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم ، الإنسان الأكمل ،المربي الأول ، والمعلم الأفضل صلى الله عليه وسلم ، ولن نجد ولداً أعان والده وقبل منه ... أفضل من بنات النبي محمد صلى الله عليه وسلم ..
وهب الله تعالى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم سبعة من الولد ..
وهبه الله تعالى ثلاثة من الذكور : القاسم ، وعبد الله ، وإبراهيم .. وثلاثتهم ماتوا صغارا ..
ووهب الله لنبيه عليه الصلاة والسلام أربعة من البنات : زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، والزهراء فاطمة رضوان الله تعالى عليهن أجمعين ..
لا يسعنا الوقت أن نتحدث عن بنات النبي صلى الله عليه وسلم 《الأربعة 》في يوم أو يومين ، ولا في لقاء أو لقائين ، من هنا سيكون الحديث حصراً وقصراً فقط عن 《ريحانة رسول الله 》وإن شئتم فقولوا《أم أبيها 》وإن شئتم فقولوا هى《 الزهراء 》أم الحسن أم الحسين سيدة نساء هذه الأمة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «« حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ »»
فاطمة : هى القرشية، الهاشمية ، الصادقة ، الحيية ، الشجاعة الأبية ،أمها سيدة نساء العالمين أم المؤمنين خديجة رضى الله عنها وأرضاها، وأبوها سيد ولد آدم وأكرم الأولين والآخرين النبي محمد صلى الله عليه وسلم ..
ولدت الزهراء ( فاطمة ) رضى الله عنها في العام الأول من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وهى ( أصغر )بنات النبي صلى الله عليه وسلم وكان لها نصيب كبير من حب النبي صلى الله عليه وسلم إذ كانت أصغر بناته صلى الله عليه وسلم ، وكانت أكثر البنات شبهاً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم إنه لم يبق لرسول الله من البنين والبنات غيرها ، فثلاثة من البنين ماتوا في حياة النبي عليه الصلاة والسلام ، وثلاثة من البنات أيضا توفاهن الله في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الزهراء فاطمة ، ثم إن نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم انقطع من جميع بناته إلى من الزهراء رضى الله عنها وأرضاها ..
شهدت الزهراء (فاطمة)جميع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ، شهدت تنزلات الوحي بالآيات والحكمة ، حضرت أفراح النبي عليه الصلاة والسلام ، حضرت أتراحه ، حضرت أيام انتصاره ، وحضرت أيام انكساره ،شهدت صبره على أذي أعداءه ، شهدت حلمه على جفاء بعض أصحابه ، رأت بعينيها برسول يصلى ، ويتلو ، ويدعو ، ويبكي خشية لله رب العالمين ، فلم تكن تقتدي في أدق تفاصيل حياتها إلا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم .
قالت عائشة :ما رأيتُ أحدًا كانَ أشبَه سمتًا وَهديًا ودلًّا برسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ من فاطمةَ كانت إذا دخلت عليهِ قامَ إليها فأخذَ بيدِها وقبَّلَها وأجلسَها في مجلسِه وَكانَ إذا دخلَ عليها قامت فأخذت بيدِه فقبَّلتهُ وأجلستهُ في مجلسِها
وفي العام الثالث من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبينما الزهراء قد تجاوزت الخامسة عشر من عمرها .. جعل الخُطّابُ يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون فاطمة .. ويأبى رسول الله أن يُنكحها إلا كُفئها ....
ولم يكن أحد يكافئ فاطمة شرفاً وديناً وخلقاً وحسباً كعليِّ رضى الله عنه ..
قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- « إِذْ جَاءَ عَلِىٌّ وَالْعَبَّاسُ يَسْتَأْذِنَانِ فَقَالاَ يَا أُسَامَةُ اسْتَأْذِنْ لَنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِىٌّ وَالْعَبَّاسُ يَسْتَأْذِنَانِ. فَقَالَ « أَتَدْرِى مَا جَاءَ بِهِمَا »؟ قُلْتُ لاَ أَدْرِىَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « لَكِنِّى أَدْرِى ». فَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلاَ فَقَالاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ أَيُّ أَهْلِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ « فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ». فَقَالاَ مَا جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ ولدك . قَالَ « أَحَبُّ أَهْلِي إِلَىَّ مَنْ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتُ عَلَيْهِ أُسَامَةُ زَيْد بن حارثة » . قَالاَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ ». فقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلْتَ عَمَّكَ آخِرَهُمْ قَالَ « لأَنَّ عَلِيًّا قَدْ سَبَقَكَ بِالْهِجْرَةِ »» .
قال عليّ بن أبي طالب : «لما جعل الخطاب يأتون رسول الله يكلمونه في فاطمة قالَتْ لِي مَوْلاَةٌ لِي : يا عليّ هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ فَاطِمَةَ تُخْطَبُ؟ »
«قُلْتُ : نَعَمْ قَالَتْ : فهلا خطبتها لنفسك ؟»
«قُلْتُ : وَهَلْ عِنْدِي شَيْءٌ أَخْطُبُهَا عَلَيْهِ ؟»
«قَالَ عليّ : فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ مولاتي تُرَجِّينِي حَتَّى دَخَلْتُ عَلَي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أكلمه بشأن فاطمة » ..
«قال عليّ : وَكُنَّا نُجِلُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَنُعَظِّمُهُ» ..
«قال : فَلَمَّا دخلت على رسول الله وجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ أُلْجِمْتُ حَتَّى مَا اسْتَطَعْتُ الْكَلاَمَ » ..
«قال : فَقَالَ : لي رسول الله يا عليّ « هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ » ؟»
«قال : فَسَكَتُّ حتى قالَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ» .. «فلما لم أجبه قَالَ يا عليُّ :« لَعَلَّكَ جِئْتَ تُخْطُبُ فَاطِمَةَ » . قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ :« هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تَسْتَحِلُّهَا بِهِ ». قَالَ قُلْتُ : لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ :« فَمَا فَعَلَتِ الدِّرْعُ الَّتِي كُنْتُ سَلَّحْتُكَهَا ». قَالَ عَلِىٌّ : وَاللَّهِ إِنَّهَا لَدِرْعٌ حُطَمِيَّةٌ مَا ثَمَنُهَا إِلاَّ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ :« اذْهَبْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَ فاطمة فابْعَثْ بِالدرع إِلَيْهَا فَاسْتَحِلَّهَا بِهِا »»
وزوج رسول الله علياً خير النساء فاطمة ، وزوج رسول الله فاطمة خير الرجال علياً رضى الله عنهم أجمعين ، وكان عليّ رضى الله عنه فقيراً ،لم يكن له خادم يخدمه ، إنما كان يخدم نفسه بنفسه ، فلما تزوج فاطمة ، جعلت فاطمة تخدم زوجها ، وتخدم نفسها بنفسها ، تقم بيتها وتطحن شعيرها ، وتعجن عجينها ، وتشل نارها وتنفخ في النار حتى أثر الدخان على وجهها ،وغيَّر هيئتها رضى الله عنها وأرضاها ، وهى في كل ذلك راضية صابرة
وفي يوم من الأيام سمعت فاطمة أن رسول الله جاءه أُسارى فيهم خدم .. «قال عليُّ فأتَت فاطمة النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَشْكُو إلَيْهِ ما تَلْقَى في يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وبَلَغَهَا أنَّه جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذلكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ رسول الله أخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ .. قالَ عليُّ : فَجَاءَنَا وقدْ أخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقالَ: علَى مَكَانِكُما فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وبيْنَهَا، حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ علَى بَطْنِي، فَقالَ: ألَا أدُلُّكُما علَى خَيْرٍ ممَّا سَأَلْتُمَا؟ قلنا بلى ، قال إذَا أوَيْتُما إلى فِرَاشِكُما - فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، واحْمَدَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، وكَبِّرَا أرْبَعًا وثَلَاثِينَ، فَهو خَيْرٌ لَكُما مِن خَادِمٍ.»
ولأن البيت السعيد ليس هو البيت الذي خلا من المشاكل إنما البيت السعيد هو البيت الذي عرف كيف يتعامل مع المشاكل كان أحد أسعد البيوت بيت عليِّ وفاطمة ، ولكن الأمر كما تعرفون دوام الحال من المحال ..
ورد في الصحيح أنه : «ما كانَ لِعَلِيٍّ بن أبي طالب اسْمٌ أحَبَّ إلَيْهِ مِن أبِي تُرَابٍ، وإنْ كانَ عليُّ لَيَفْرَحُ به إذَا دُعِيَ به .. وقع خلاف في يوم من الأيام بين علي وبين فاطمة ، فجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ ، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا في البَيْتِ، فَقَالَ: أيْنَ ابنُ عَمِّكِ فَقَالَتْ: كانَ بَيْنِي وبيْنَهُ شيءٌ، فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِندِي، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِإِنْسَانٍ: انْظُرْ أيْنَ هو فَجَاءَ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هو في المَسْجِدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُضْطَجِعٌ، قدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عن شِقِّهِ فأصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَمْسَحُهُ عنْه وهو يقولُ: قُمْ أبَا تُرَابٍ، قُمْ أبَا تُرَابٍ .. ثم إن رسول الله أخذه برده إلى بيته فأصلح بينه وبين فاطمة» ..
«أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طَرَقَهُ وفَاطِمَةَ بنْتَ النبيِّ عليه السَّلَامُ لَيْلَةً، فَقالَ: أَلَا تُصَلِّيَانِ؟ فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَنْفُسُنَا بيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذلكَ ولَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شيئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وهو مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ، وهو يقولُ» : {{وَكانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شيءٍ جَدَلًا}}
هذه الآثار ماذا تقول :
هذه الآثار تقول : إن مسؤلية الوالد عن ولده لا تنقطع أن يصبح الولد رجلاً ، لا تنقطع مسؤلية الوالد عن الولد ما دام الوالد حياً ، لا يمنع الوالد ولده من نصحه ، ولا من خبرته ، ولا من حكمته ، فهذا قدر الوالد ما دام الوالد حياً ، وبهذا يكون الوالد قد أعذر إلى ربه ... قال الله {﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْـَٔلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ ﴾}
نسأل الله العظيم أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير .
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام عن《رعاية حق البنين والبنات 》والتى اتخذنا لها مثالاً ( رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنته وريحانته فاطمة زوج عليّ )
وكان عليّ يحبها حباً كبيراً ،إلا أنه رغب في وقت من الأوقات أن يتزوج عليها فذهب يخطب ( جويرية بنت أبي جهل ) فوعده بنو هشام بن المغيرة أن يزوجوه لكنهم ذهبوا لستأذنوا رسول الله أن يزوجوا ابنتهم 《جويرية بنت أبي جهل 》علياً فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر فخطب الناس وهو علَى المِنْبَرِ فقال : « إنَّ بَنِي هِشَامِ بنِ المُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا في أنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بنَ أبِي طَالِبٍ، فلا آذَنُ، ثُمَّ لا آذَنُ، ثُمَّ لا آذَنُ، إلَّا أنْ يُرِيدَ ابنُ أبِي طَالِبٍ أنْ يُطَلِّقَ ابْنَتي ويَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فإنَّما هي بَضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي ما أرَابَهَا، ويُؤْذِينِي ما آذَاهَا هَكَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم » ..
وفي رواية قالَ النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي، وأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ في دِينِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا له 《أبو العاص بن الربيع》زوج 《زينب 》بنت النبي صلى الله عليه وسلم ، ذكر النبي 《أبا العاص بن الربيع》 فأثْنَى عليه في مُصَاهَرَتِهِ إيَّاهُ، قالَ: حدَّثَني فَصَدَقَنِي، ووَعَدَنِي فَوَفَى لِي، قال النبي : وإنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا، ولَا أُحِلُّ حَرَامًا، ولَكِنْ واللَّهِ لا تَجْتَمِعُ بنْتُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبَدًا.
أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الموقف من عليِّ ، تعظيما لحق ابنته فاطمة ، وجبراً لخاطر فاطمة ، وصرفاً للأذى عن نفسها ، وسعياً في محبتها ورضاها رضي الله عنها وأرضاها ..
قال ابن القيم : " وَفِي مَنْعِ عَلِيّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَبَيْنَ جويرية بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ حِكْمَةٌ بَدِيعَةٌ ، وَهِيَ : أَنّ الْمَرْأَةَ مَعَ زَوْجِهَا فِي دَرَجَتِهِ تَبَعٌ لَهُ ، فَإِنْ كَانَتْ فِي نَفْسِهَا ذَاتَ دَرَجَة عَالِيَةٍ وَزَوْجُهَا كَذَلِكَ كَانَتْ فِي دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ بِنَفْسِهَا وَبِزَوْجِهَا .
وَهَذَا شَأْنُ فَاطِمَةَ وَعَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا .
وَلَمْ يَكُنْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِيَجْعَلَ جويرية ( ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ) مَعَ فَاطِمَةَ (ابنة رسول الله )فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ ، لَا بِنَفْسِهَا ، وَلَا تَبَعًا ، وَبَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ مَا بَيْنَهُمَا ، فَلَمْ يَكُنْ نِكَاحُهَا عَلَى سَيّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مُسْتَحْسَنًا ، لَا شَرْعًا ، وَلَا قَدَرًا .
وقد أَشَارَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ : ( وَاَللّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ وَبِنْتُ عَدُوّ اللّهِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ أَبَدًا )
صلى الله وسلم وبارك على الإنسان الأكمل ، والمربي الأول ، والمعلم الأفضل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ورضى الله عن الزهراء وعن سائر الصحابة والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين .