عامل طفلك كأنه المستقبل والتاريخ
أطفال اليوم بحاجة إلى أن يتسلح آباؤهم وأمهاتهم بعلوم شتي، وخبرات كثيرة، وأخلاق أصيلة، لكي يشب الطفل وهو يري مثالا ناضجا يطبق ما ينادي به، فيقوم على الفور بالاقتداء به
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة - تربية الأبناء في الإسلام -
أولى الإسلام تربية الأبناء، ورعايتهم، والعناية بهم، والوقوف إلى جانبهم حيزا كبيرا من اهتماماته، فلفت أنظار الوالدين إلى الطرق الصحيحة الراجحة في تنشئة جيل الغد، ومشاعل المستقبل في ضوء تعاليم الإسلام، وما نادي به من مقومات أخلاقية ونفسية واجتماعية وتربوية حث الآباء على الاقتداء بها، والسير على دربها..
لكي تكون سفينة أبنائنا في منجي ومنأى عن الأفكار المنحرفة والدعوات المرذولة، وصولا إلى المجتمع الصالح الذي يتعرف فيه أطفال اليوم عندما يكبرون على الطرق والوسائل الكثيرة التي اتبعها آباؤهم عندما أرادوا تعليمهم كل ما يفيد في الحياة، وساعتها يكتشفون تعب والديهم عندما واجهتهم المصاعب في تشكيل وجدان أبنائهم على القيم الفاضلة والمبادئ الأصيلة ليتسلموا الراية، ويقوموا بأداء نفس الدور - ولكن كآباء - مع الجيل الجديد.. وهكذا تسير دفة الحياة في المجتمع المسلم، بالنصيحة والقدوة، والتربية السليمة !!.
إذن فتربية صغارنا.. ليست مهمة سهلة مثلما يهون من أمرها البعض، كما أنها ليست مسألة عويصة كما يضخم من حجمها الكثيرون، ولكنها تجمع بين الاثنين، بين السهولة والصعوبة، بين المشقة والفرح، بين المعايشة الدائمة - وكأننا أطفال - لنقدم لهم الأنموذج الحي الصحيح لما نبغي أن نزرعه في ضمائرهم وأخلاقهم البريئة.
أطفال اليوم بحاجة إلى أن يتسلح آباؤهم وأمهاتهم بعلوم شتي، وخبرات كثيرة، وأخلاق أصيلة، لكي يشب الطفل وهو يري مثالا ناضجا يطبق ما ينادي به، فيقوم على الفور بالاقتداء به، وتمثله تمثلا وجدانيا يكون اللبنة التي تؤسس كيانه وعالمه الجديد في المستقبل، بعيدا عن الماديات الزائفة، والأفكارالبالية، والسقوط في مستنقع الرذيلة والفواحش!!.
ومن هنا تبرز قيمة كتاب "كيف تربي أبناءك في هذا الزمان؟" للدكتور حسان شمس باشا - استشاري أمراض القلب في مستشفي الملك فهد للقوات المسلحة بجدة - وهو كتاب يجمع بين الأصالة والمعاصرة وفق الأساليب التي اتبعها أجدادنا العظام في كتاباتهم الباهرة التي استقت من المعين القرآني والسنة النبوية وأقوال السلف الصالح، وعلماء التربية المسلمين على مر العصور، إلى جانب الاطلاع النهم على آخر وأحدث ما توصل إليه العلم الحديث في مسألة تربية الأطفال.
قسم المؤلف كتابه إلى أربعة وعشرين فصلا شاملة لمرحلة الطفولة بدءا من الولادة وحتى سن الشباب.
الحب والتربية:
فالتربية لا تتم بدون الحب، حب من الجانبين; لأن الأطفال الذين يجدون من مربيهم عاطفة واهتماما ينجذبون نحوهم، ويصغون إليهم أسماعهم وقلوبهم، ويستجيبون لما يأمرونهم بفعله، ولهذا ينبغي على الأبوين أن يحرصا على حب الأطفال، وألا يقوما بأعمال تبغضهم منهم، كالإهانة الدائمة، والعقاب المتكرر، والحرمان، وعدم تلبية مطالبهم المشروعة; لأن ذلك لا يؤدي إلى التربية الصحيحة كما يتوقع الآباء، بقدر ما يقود إلى نفور الأطفال من آبائهم، وارتكاب ما ينهاهم عنه والداهم.
وليس معني ذلك أن يستولي الأطفال على الحكم في البيت والمدرسة والنادي، دون نظام أو رادع، فليس هذا حبا، بل إنه خراب ودمار، وإن حب الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه لم يمنعه من تكليفهم بالواجبات، وسوقهم إلى ميادين الجهاد، وحتى إنزال العقوبة بمن أثم وخرج على حدود الدين، وكل ذلك لم يسبب فتورا في محبة الصحابة لنبيهم، بل كانت تزيد من محبتهم له، وطاعتهم لأوامره.
أسئلة مقلقة.. لها حل
يبدأ الطفل عادة في سن 3 - 4 سنوات بإلقاء أسئلة مختلفة، محرجة، مربكة، مفرحة، ذات طبيعة خاصة تتعلق بخيال الطفولة، وعالمها السحري، وعلى الأبوين أن يتعاملا بيسر مع هذه النوعية من التساؤلات، وألا يصادرا على أبنائهم حق التساؤل وطرح الاستفسار عما بداخلهم من أمور وقضايا عادية، لكنها بحاجة إلى إجابة ذات طبيعة خاصة تناسب المرحلة السنية للأبناء.
وعلى الأبوين أن ينظرا إلى أسئلة أبنائهم على أنها جزء من عملية التعليم الطويلة في حياتهم، وأن تكون عملية الإجابة بسيطة وسهلة وبلا تعقيد، وحاوية للمعلومات، وليس الامتناع عن أية إجابة، حتى لا يؤدي ذلك إلى استقاء الأطفال لمعلوماتهم حول استفساراتهم التي عجز آباؤهم عنها إلى بديل آخر، تكون أجوبته أسلحة خطرة في مستقبل الأطفال، وفي تكوين مداركهم القادمة.
اختيار الأصدقاء:
هذه قضية صعبة، يقع في شركها الآباء والأمهات، وبدلا من أن يختاروا أصدقاء بنيهم، نراهم على العكس يرفضون وجود صداقات لأبنائهم بحجة أن من يصادقونهم ليست أخلاقهم على ما يرام، أو لأسباب أخري، وهنا يترك الوالدان مسرح الأحداث للأطفال من دون أية رقابة، لكي يمارسوا حريتهم في اختيار أصدقائهم، بلا ضوابط أو محاذير، وهنا تقع الكوارث الأخلاقية التي نسمع عنها كثيرا، ولا نجد لها حلا سوي البدء مبكرا بالتنسيق مع الأبناء في التدقيق على نماذج أصيلة ذات بيئات قويمة ليصادقهم أبناؤهم. وعلى الوالد ألا يعنف ولده أمام أصدقائه، حتى وإن أتي ابنه بصديق سيء، فلا يزجره أمامه، ولكن تكون المراجعة فوريا بعد مغادرة الصديق، باتباع منهج تربوي في إسداء النصيحة كقصة مثلا أو حكاية عن الصديق السيء، ليتعلم منها الابن - بطريقة مباشرة - خطأه، الذي يسارع في علاجه على الفور.
الطفل العصبي:
يري علماء النفس أن أهم أسباب عصبية الأطفال وقلقهم النفسي ترجع إلى الحرمان من الدفء العاطفي في الأسرة، وعدم إشباع حاجة الطفل من الحب والقبول والتقدير، فضلا عن سيطرة الآباء التسلطية، وعدم إشعار الطفل بقيمته ودوره، وقسوة الآباء، والتفرقة بين الإخوة. وقد يتعلم الطفل العصبية من أمه مثلا أو من المدرسة، كما أن الأم المتسلطة تصبح مصدرا ثابتا لمضايقة الطفل، فيقاومها في كل شيء، بعكس الأم المرنة التي يحبها الطفل، ويقبل علىها، فإنه يخضع لها، وينفذ مقترحاتها بسرور، وكلما كبر الطفل يقلد من يعلمه.
تربية بدقيقة:
يقول الدكتور "سبنسر جونسون" في كتابه "أب الدقيقة الواحدة": أسلوب الدقيقة الواحدة أسلوب حديث، ربما تشعر في بداية تطبيقه بأنه أسلوب غريب، ولكنك سترتاح بعد ذلك وتمارسه بشكل طبيعي، أخبر أبناءك أولا بأنك لا تريد أن تحكمهم أو يحكموك، ولا تريد أن تكون ديكتاتورا في البيت، أخبر أبناءك أنك ستتبع هذا الأسلوب معهم، وأنه ستكون هناك بداية جديدة لطريقة التأديب، دع أبناءك يشعرون بعدم الرضا عن تصرفهم الخاطئ، ولكن بالرضا عن أنفسهم، فإذا ما ارتكب ابنك خطأ ما انظر في عينيه مباشرة، وأعد عليه ما فعله باختصار دون أن يأخذ من وقتك إلا ثوان معدودات، أشعره بعدها أنك غاضب من فعله، ودعه يشعر بما تحس به في النصف الأول من الدقيقة، فلا يكفي أن يتلقى الابن أو الابنة التأنيب، ولكن المهم جدا أن يشعروا بهذا التأنيب، دعه يشعر بأنك لا تحب ما فعل، وقد يرافق ذلك إحساس بالانزعاج منك، خذ نفسا عميقا، واشعر بهدوء نفسي، وانظر إلى وجهه في نصف الدقيقة الثاني، بطريقة تجعله يشعر أنك إلى جانبه ولست ضده، وأنك تحبه، ولكنك لا تحب سلوكه فقط، أخبره أنه ولد طيب، وأنك راض عنه، ولكنك لست راضيا عن سلوكه، وأنك ما أنبته إلا لأنك تحبه، وهكذا في كل الأمور عامله بنفس الطريقة في سهولة ويسر.