الدجل الإعلامي...الإعلام المصري أنموذجًا
ملفات متنوعة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
كتب : النميري محمد الصبار
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحْبه أجمعين.
أما بعدُ:
فإن من أعظم فِتن آخر الزمان -مما يجعل الولدان شيبًا، ويَدع الحليم حيران- أنْ ترى في بلاد المسلمين، ولا سيَّما في أرض مصر -حرسها الله- جيشًا من الإعلاميين البعيدين عن المنهجية العلميَّة الموضوعيَّة في تمحيص الأخبار وغَرْبلتها؛ حيث يقحمون أنفسهم في قضايا الأمة الجسيمة المصيريَّة؛ كما هو الشأن في العقيدة والشريعة، وهم من أشدِّ الناس جهلاً، وأكثرهم خلْطًا وتخليطًا، وإن أحدهم كما تقول العرب في أمثالها السيَّارة: "ما يعرف قبيلاً من دبير".
وإنَّ من الدواهي العِظام ألاَّ يقف القوم في دائرة الجهل فحسب، وإنما بلَغ بهم الحال مبْلغًا مشينًا، إلى درجة يصحُّ أن نُطلق عليها -دون تهويل أو تضخيم- ما يسمَّى بـ"الفساد الإعلامي"، الذي يضرب بأطنابه في أرْوِقة الإعلام -إلاَّ من رَحِم الله- والذي يبثُّ الافتراءات الكاذبة، والأراجيف الشائنة.
ومن صُوَر هذا الفساد:
تلك الحملة المسعورة الهوْجاء التي أطْلقها الإعلام المصري ضد الدعوة السلفية ورموزها، الذين يُشار إليهم بالبنان، وقد حوَتْ هذه الحملة جملةً من الاتهامات[1]، ومن ذلك:
1- إطلاق النار على راقصتين في حفل زفاف في مدينة الإسكندرية من قِبَل مجهولين ينتمون للتيار السلفي.
2- قطع أُذن نصراني على يد مجموعة سلفيَّة في صعيد مصر.
3- الاعتداء على فتيات متبرِّجات بإلقاء النار عليهنَّ.
4- هدْم أضرحة أولياء الله الصالحين.
إنَّ هذه التُّهم الباطلة الفاجرة ترمي إلى تشويه صورة الدعوة المشرقة الوضَّاءة والمنتمين إليها، من خلال عرْضها في صورة التطرُّف والغُلو، تلك الصورة السوداء الكالحة، وأن ثَمَّة تنظيمًا للقاعدة يهدِّد مستقبل المنطقة بأَسْرها.
كما أنها تهدف إلى إشعال فتنة عمياء صمَّاء بين السلفيين -أصحاب المنهج الحق- وشرائح المجتمع المختلفة، وتكوين حاجز نفسي عميق، يحول دون وصول الدعوة السلفية إلى طوائف المجتمع المتنوعة.
إنَّ هؤلاء الإعلاميين هم "طليعة الدَّجَّال"، وهم "الرويبضات" الذين يَهْرفون بما لا يعرفون، ويهذون ولا يدرون، وإنك لترى الواحد منهم يزبرُ المقال الطويلَ في قضيَّة معينة، أو في شخص معيَّن، وإنَّ المقال من أُسِّه وأساسه إلى آخر حرْف فيه قائم على الدَّجل؛ كذبًا وتخوينًا.
ومهما أمعنَّا النظر - نقدًا وتحليلاً - في وصْف هذا الشأن، فلن نجدَ وصفًا ولا تصويرًا لحقيقة هؤلاء القوم، إلاَّ ما حدَّثنا به النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيما يكون من مقدِّمات وإرهاصات بين يدي "الدجال الأكبر" -نعوذ بالله من فِتنته وشرِّه- فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: ذُكِر الدَّجال عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: « »[2].
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
« »، قيل: وما الرُّويبضة؟ قال: « »[3].
وجوهر الدَّجل يدور لغةً واصطلاحًا على التمويه على الناس، وخداعهم وتضليلهم عن معرفة الحق بالكذب والتخوين[4].
وقد عدَّ شيخ الإسلام ابن تيميَّة[5] -رحمه الله- مَن يمارس صنعة التلبيس وقلْبَ الحقائق -كذبًا وزورًا- تحت غِطاء المصداقية وتحرِّي الحقيقة؛ تشبُّهًا بالأنبياء من جنس الدَّجال الأكبر الذي أنذَرَتْ به الأنبياء كلُّهم -عليهم الصلاة والسلام.
ولنا مع هذا الدَّجل الإعلامي الوقفات الآتية:
1- الدعوة السلفية: هي دعوة الإسلام الصحيح الكائن في القرون الثلاثة الخيريَّة المفضَّلة في نقائها وفِطْرتها، وهي تقوم على العلم النافع والعمل الصالح؛ كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 9].
كما أنها تحقِّق الانسجام الرائع بين صحيح المنقول وصريح المعقول في سياجٍ من الرحمة والحِلم، ومِن ثَمَّ فإنها تقف بالمرصاد لكلِّ دعوة غالية متطرِّفة تخبط خَبْطَ عشواءٍ في عماية رهيبة عن الموازين الشرعية، وما قام به السلفيون من خِدْمات جليلة للمجتمع المصري المسلم على المستوى التَّوعوي والأمني والتكافلي إبَّان الثورة المصرية، لهو من أكبر البراهين التي تدمغ تلك الافتراءات والأراجيف، ولو كان السلفيون -وحاشاهم من ذلك- يُبيِّتون نيَّة خبيثة؛ لإحداث الضرَّر وإلحاق الأذى بشريحة معيَّنة من شرائح المجتمع، لكان وقتُ الثورة -بامتياز- من أنسب الأوقات الذهبيَّة لإجراء هذا الشأْن في ظلِّ الفوْضى العارمة التي كانت تضرب البلاد والعباد، بيد أنَّ السلفيين -من خلال دعوتهم المباركة- ضرَبوا أرْوَع الأمثلة في سماحة الإسلام ورحمته للعالَمين.
2- الحذر التام مِن إلقاء السمع، ناهيك عن إسلام العقل والفؤاد لهذا الزخَم الإعلامي، فإنه -وأيم الله- لون من ألوان الدَّجل الذي ينبغي أن تُغْلَق دونه الأبواب، وفي هذه الحقيقة الشرعية إجراءٌ تحصيني في غاية الأهميَّة، يَقي المسلم -بإذن الله- من عِلل وأدواء الشائعات والأخبار الكاذبة، وفي ذلك يقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من حديث عِمْران بن حُصَين -رضي الله عنه-: « »[6]، هكذا قال.
3- حِفظ اللسان، وعدم الزجِّ به في تحليلات أو أخبار قائمة على الظنِّ والتخرُّص، ومَن كانت أخباره كذلك، فله نصيب من قوله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10].
والخرَّاصون هم: "الكذَّابون"؛ كما قرَّر ذلك أئمة التفسير في كُتبهم[7].
وعن عقبة بن عامر، قلتُ: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: « »[8].
4- العلم والبصيرة بحقيقة هذا الدَّجل، وما ينطوي عليه من أخطار جسيمة ومرامٍ شنيعة، قد تُودي بدين الإنسان، وتعرِّضه للعطب والهلاك - عياذًا بالله - وفي قصة ذلك الشاب المؤمن مع المسيح الدَّجال ما يدلُّ على هذه الحقيقة الشرعية، فعن أبي سعيدٍ الخُدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: « »[9].
5- العقوبة الشديدة لِمَن ينشر الكذب والافتراء في أوساط الناس؛ حتى يبلغ الآفاق، فعن سَمُرة بن جُنْدب -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: « »[10].
6- التثبُّت والتبيُّن من صحة الأخبار المبثوثة عبر وسائل الإعلام، وعدم اتخاذ مواقف عملية قبل إجراء عملية التحقيق والتمحيص عليها؛ كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
7- التدبُّر الواعي للعشر الأوائل من سورة الكهف، والعمل بموجبها ومقتضاها؛ فإنها العاصمة -بإذن الله- من فتنة المسيح الدَّجال؛ ولذلك أرشَد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أن تحفظَ؛ فقال: « »[11].
ولقد أمَر صلَّى الله عليه وسلَّم أن تُقْرَأ عند إدراك المسيح الدَّجال، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: « »[12].
ولئن كانت هذه العَشر عاصمةً من فتنة المسيح الدَّجال - مع كونها أعظمَ فتنة على الإطلاق- فإنها لعاصمة -بإذن الله- أيضًا مما هي دونها من فِتن الدَّجل؛ كما هو الشأن في "فتنة الدَّجل الإعلامي"، التي نكتوي بنارها هذه الأيام، ولعل السرَّ في ذلك -والله أعلم- أنها اشتملتْ على العديد من الآيات العظيمة التي تبصِّر المسلم بجُملة من الحقائق الشرعية الكبرى التي من شأْنها أن تبدِّد ظلام الفتنة؛ وتُنير للإنسان دَرْبَه في هذه الحياة؛ كما قال - تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122].
ومن هذه الحقائق ما يلي:
1- إنزال القرآن العظيم أعظم نعمة على الإطلاق؛ إذ هو الحاكم القَيِّم على حياة الأمة ومسيرتها.
2- ربْط المسلم بالنعيم الأبدي السرمدي في جنة الله في الآخرة.
3- التحذير من فتنة اليهود والنصارى الذين قالوا: اتَّخذ الله ولدًا؛ وبيان حضارتهم المزخرفة بمُتع الحياة الزائلة، البعيدة كل البُعد عن قِيَم الآخرة، والتي اغترَّ بها فئام من هذه الأمة، مثلما هو الواقع اليوم في أرباب الدَّجل الإعلامي الذين صاحوا عبرَ أبواقهم الإعلامية، وملؤوا الدنيا عويلاً وضجيجًا بخُطورة تحكيم الشريعة، والدعوة لإلغاء النصِّ الدستوري القاضي بأنَّ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع؛ مما يؤدي -عياذًا بالله- لسلْخ مصر عن هُويَّتها الإسلامية العربية، وإحلال الهُويَّة الفرعونية أو القبطيَّة، أو العلمانية اللادينيَّة بديلاً عن ذلك؛ جرْيًا على اتِّباع سَنن الكافرين، ودورانًا في فلك المغضوب عليهم والضالين؛ كما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: « »، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: « »[13].
4- بيان فساد المنهج القائم على الجهل في النظر والتفكير، وأنه الباب الذي يُفضي بصاحبه إلى الكذب والافتراء.
5- التمسُّك بالعقيدة الصحيحة والثبات عليها؛ كما في قصة أصحاب الكهف، والتوجُّه الكلي لله، بسؤاله الرحمةَ واللطف، والسِّتر والعاقبة الحميدة.
هذا، وأسألُ اللهَ أن يُبرم لهذه الأمة أمرًا رشدًا؛ يُعَزُّ فيه أهل الطاعة، ويُهْدَى فيه أهل المعصية؛ إنه سبحانه جَوَادٌ كريم.
_______________________________
[1] في مجلة روز اليوسف اليوميَّة: العدد 1762 - الخميس - 31 مارس 2011، والعدد 1765 - الاثنين - 4 أبريل 2011، وصحيفة الشرق الأوسط: العدد 11814، الأحد 29ربيع الثاني 1432هـ = 13 أبريل 2011.
[2] أخرجه أحمد في "مسنده" برقْم 23304، وإسناده صحيح على شرْط الشيخين.
[3] أخرَجه أحمد في "مسنده" برقْم 13297، وجوَّد إسناده الحافظ ابن حجر؛ كما في "فتح الباري"، 20/ 131/ رقم 6588، وكذا الحافظ ابن كثير؛ كما في "الفتن والملاحم"، 1/ 57.
[4] انظر: "لسان العرب"، 11/ 236، مادة : "دجَل"؛ لابن منظور، و"معجم مقاييس اللغة"، 4/ 392؛ لابن فارس، و"غريب الحديث"، 1/ 325؛ لابن الجوزي، و"تهذيب الأسماء واللغات"، 1/ 258؛ للنووي.
[5] انظر: "الجواب الصحيح"، 2/ 333؛ لابن تيمية.
[6] أخرجه أبو داود بإسناد صحيح برقْم 4321.
[7] انظر: "تفسير ابن كثير"، 7/ 415، و"تفسير القرطبي"، 17/ 33.
[8] أخرجه أحمد في "مسنده" برقْم 22235، وإسناده دائر بين الحسن والصحة.
[9] أخرجه مسلم في صحيحه برقْم 7564.
[10] أخرجه البخاري في صحيحه برقْم 6096.
[11] أخرجه مسلم في "صحيحه" برقْم 1919.
[12] أخرجه أبو داود في "سُننه" بإسناد صحيح برقْم 4323.
[13] أخرجه البخاري في "صحيحه" 3456.