الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم
الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند أزه ووسوسته وهمزه ونفخه ونفثه، الطريق إلى السلامة من شره: الالتجاء إلى الله، والاستعاذة به من شره"
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
قال الحافظ ابن كثير: في "تفسيره" (3 /534) قوله: {تَذَكَّرُوا}؛ أي: عقاب الله وجزيل ثوابه، ووعده ووعيده، فتابوا وأنابوا، واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب. {فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}؛ أي: قد استقاموا وصحَوا مما كانوا فيه؛ اهـ.
وقال الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 98 - 100].
قال الحافظ ابن كثير: في "تفسيره" (4 /517): هذا أمر من الله تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا قراءة القرآن أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، وهذا أمرُ ندبٍ ليس بواجب، حكى الإجماع على ذلك أبو جعفر بن جرير وغيرُه من الأئمة..
والمعنى في الاستعاذة عند ابتداء القراءة؛ لئلا يلبس على القارئ قراءته، ويخلط عليه ويمنعه من التدبر والتفكر، ولهذا ذهب الجمهور إلى أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة، وحكي عن حمزة وأبي حاتم السجستاني: أنها تكون بعد التلاوة، واحتجَّا بهذه الآية.
ونقل النووي في "شرح المهذب" مثل ذلك عن أبي هريرة أيضًا ومحمد بن سيرين، وإبراهيم النخعي.
والصحيح الأول؛ لما تقدم من الأحاديث الدالة على تقدمها على التلاوة، والله أعلم.
وقوله: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} قال الثوري: ليس له عليهم سلطان أن يُوقعهم في ذنب لا يتوبون منه، وقال آخرون: معناه: لا حجة له عليهم.
وقال آخرون كقوله: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 40].
وقوله: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ}، قال مجاهد: يُطيعونه، وقال آخرون: اتخذوه وليًّا من دون الله.
قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}؛ أي: أشركوا في عبادة الله تعالى.
ويُحتمل أن تكون الباء سببية؛ أي: صاروا بسبب طاعتهم للشيطان مشركين بالله تعالى.
وقال آخرون معناه: أنه شركهم في الأموال والأولاد؛ اهـ.
وقال العلامة السعدي: في "تفسيره" (ص449)؛ أي: فإذا أردت القراءة لكتاب الله الذي هو أشرف الكتب وأجلها، وفيه صلاح القلوب والعلوم الكثيرة، فإن الشيطان أحرصُ ما يكون على العبد عند شروعه في الأمور الفاضلة، فيسعى في صرفه عن مقاصدها ومعانيها.
فالطريق إلى السلامة من شره: الالتجاء إلى الله، والاستعاذة به من شره، فيقول القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، متدبرًا لمعناها، معتمدًا بقلبه على الله في صرفه عنه، مجتهدًا في دفع وساوسه وأفكاره الرديئة مجتهدًا، على السبب الأقوى في دفعه، وهو التحلي بحلية الإيمان والتوكل.
فإن الشيطان {لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ}؛ أي: تسلط {عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ} وحده لا شريك له، {يَتَوَكَّلُونَ}، فيدفع الله عن المؤمنين المتوكلين عليه شر الشيطان، ولا يبق له عليهم سبيل.
{إِنَّمَا سُلْطَانُهُ}؛ أي: تسلُّطه {عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ}؛ أي: يجعلونه لهم وليا، وذلك بتخليهم عن ولاية الله، ودخولهم في طاعة الشيطان، وانضمامهم لحزبه، فهم الذين جعلوا له ولاية على أنفسهم، فأزَّهم إلى المعاصي أزًّا وقادهم إلى النار قَوْدًا؛ اهـ.
وعن أبي تميمة الهُجيمي عمن كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت رديفه على حمار، فعثر الحمار، فقلت: تعس الشيطان، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقل: تعس الشيطان؛ فإنك إذا قلت: تعس الشيطان، تعاظم الشيطان في نفسه، وقال: صرعته بقوتي، فإذا قلت: بسم الله، تصاغرت إليه نفسه، حتى يكون أصغر من ذباب»؛ (رواه أحمد برقم (20591)، وأبو داود (4982)، والحاكم (321)، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي) [1].
وعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: كنت جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان، فأحدهما احمرَّ وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان، ذهب عنه ما يجد» ، فقالوا له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعوَّذْ بالله من الشيطان» ، فقال: وهل بي جنون، (رواه البخاري برقم (3282)، ومسلم (2610).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا غضب الرجل فقال: أعوذ بالله؛ سكن غضبه»؛ (رواه ابن عدي في "الكامل" (5 /256)[2].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يقول أحدهم: أعوذ بالله من الشيطان، ذهب غضبه»، أو «سكن غضبه»؛ (رواه الطبراني في "الأوسط" برقم (7022)[3].
[1] صحيحٌ: راجع: "صحيح وضعيف أبي داود" ـ عقب الرقم المذكور أعلا ـ و"تحقيق المسند" (34 /198)، والله أعلم.
[2] صحيحٌ: راجع: "الصحيحة" برقم (1376).
[3] صحيحٌ: راجع: "صحيح الجامع" برقم (695).
________________________________________________________
الكاتب: فواز بن علي بن عباس السليماني
- التصنيف: