الاجتياح الكيني للصومال.. د. حمدي عبدالرحمن
ملفات متنوعة
إعداد مجلة البيان
أجرى الحوار: أ. جلال الشايب
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
إن الوضع الذي تعيشه الصومال اليوم وضع مقلق ومعقد جداً، حاولنا خلال هذا الحوار كشف الأبعاد والأسباب، وكذلك الأهداف والنتائج والتداعيات المحتملة للغزو الكيني للصومال، ذلك الغزو الذي يأتي في ظل انشغال الدول العربية بظروفها الداخلية، وهو ما وضحت جليًا نتائجه في عدم وجود أي رد فعل عربي ولو ضعيف على ما يحدث في الصومال، واستباحة أرضها من قبل الاحتلال الكيني.
الدكتور: حمدي عبد الرحمن ضيف الحوار هو: أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وزايد، مُؤسس برنامج الدراسات المصرية الإفريقية بجامعة القاهرة، حاصل على جائزة الدولة التشجيعية (مصر) في العلوم السياسية لعام 1999، النائب السابق لرئيس الجمعية الإفريقية للعلوم السياسية (بريتوريا) مُمثِّل إفريقيا والشرق الأوسط بالشبكة السويدية لدراسات الصِّراع والتنمية، شارك في العديد من المؤتمرات الإقليمية والدولية.
طرحنا هذه الأسئلة على الدكتور: حمدي عبد الرحمن، وكان الحوار التالي:
البيان: ما هي الأبعاد والأسباب الحقيقية وراء الغزو الكيني للصومال؟
الدافع المباشر للحملة الكينية والذي روّجت له وسائل الإعلام الكينية تمثل في ملاحقة العناصر الأجنبية التي قامت باختطاف السائحين وعمال الإغاثة داخل الأراضي الكينية، إذ أدت هذه الأحداث إلى تأثيرات سلبية على صناعة السياحة في كينيا، ومن المعلوم أن قطاع السياحة يشكل مصدرًا هامًا من مصادر الدخل القومي في كينيا، هناك بعد سياسي: حيث أنه مع تكرار انتهاكات مقاتلي الشباب والقراصنة لحرمة الأراضي الكينية وعبورهم إليها ساد إدراك عام بين المواطنين الكينيين، بأن: (حكومتهم عاجزة وتفتقد القدرة على توظيف إمكانياتها العسكرية في الدفاع عن الوطن) وعليه رأى الساسة وصانعو القرار في نيروبي أهمية التأكيد على الإرادة السياسية وقدرتهم على حماية الأمة، وهو ما جعلهم يطلقون هذا الاسم على حملتهم العسكرية داخل الصومال.
البيان: وما هي أهداف هذا الغزو؟
تسعى الحكومة الكينية من وراء هذه الحملة التي أطلقت عليها اسم (Linda Nchi) وتعنى باللغة السواحلية (حماية الأمة) إلى إقامة منطقة عازلة بطول 100كم داخل الأراضي الصومالية المتاخمة للحدود الكينية، وذلك بهدف منع الشباب المجاهدين والقراصنة من العمل في هذه المناطق والعبور إلى الأراضي الكينية، يعني ذلك أن الهدف الإستراتيجي المباشر للحملة الكينية يتمثل في السيطرة على مرفأ (كيسمايو) الذي يشكل شريان الحياة لمقاتلي الشباب، وربما يوفر لهم حلقة اتصال كذلك ببعض أفراد القراصنة، كما أنها تمثل قاعدة إبرار وتموين للقوات العسكرية، ومركزًا للاتصالات والمراقبة البحرية، فضلًا عن إمكانية استخدامها مركزًا لعمليات الإغاثة الدولية في منطقة (جوبالاند) الصومالية.
لكن السيطرة على كيسمايو لا تعني التخلص من الأخطار الأمنية التي تواجه كينيا ودول الجوار الأخرى، لأن السواحل الصومالية طويلة وتغطي نحو 1800كم، ويمكن أن تعمل الحملة الكينية على تأسيس جماعات مسلحة تعمل بالوكالة لصالحها في نطاق المنطقة العازلة المزمع إقامتها داخل الصومال، لأن سكان المناطق المتاخمة للحدود الكينية من الصوماليين لا يؤيدون الشباب المجاهدين ولكنهم يفتقرون إلى القدرات الأمنية والعسكرية التي تدفع بمعارضتهم إلى حد المقاومة المسلحة.
البيان: ما هو الدور الأمريكي في هذه العملية العسكرية؟
هناك وجود عسكري أمريكي في جيبوتي، وأمريكا حليف إستراتيجي لكينيا كما أنها تدعم أي جهد إقليمي ولو كان عسكريًا، للإطاحة بشباب المجاهدين، التي تصنف على أنها منظمة إرهابية وفقا للمعايير الأمريكية، وعلية فإن العملية الكينية تحظى بدعم أمريكي، ويمكن الإشارة إلى الضربات العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة في الصومال من خلال الطائرات بدون طيار.
البيان: هل يمكن أن يكون هناك دور صهيوني في هذه القضية؟
الكيان الصهيوني يقوم بدور غير مباشر في هذه القضية، وذلك من خلال دعم جهود حكومات كينيا وإثيوبيا وأوغندا في مواجهة خطر ما يسمي (بالتطرف الإسلامي).
البيان: الرئيس الصومالي شيخ شريف أحمد استنكر العملية الكينية، بينما أيدتها الحكومة الصومالية، فهل ترى أن هذه العملية قد تهدد اتفاق تقاسم السلطة؟
لا أعتقد ذلك فهناك دائمًا اختلاف بين مكونات الحكومة ولا سيما بين الرئيس ورئيس وزرائه، وهو ما أدى في الماضي إلى استقالة أكثر من رئيس للوزراء في الصومال، إنه مؤشر على ضعف التركيبة الحكومية في الصومال التي تعتمد في بقائها على الدعم الخارجي فقط.
البيان: يرى البعض أن هذه العملية سيكون لها تداعيات محلية وإقليمية، فما هي أهم هذه التحديات؟
إن دخول كينيا باعتبارها فاعلًا عسكريًا جديدًا في الصراع الصومالي سوف يزيد الأمور تعقيدًا، ويصبح التدخل الكيني جزءًا من المشكلة وليس جزءًا من الحل، ولعل دروس الماضي القريب تؤكد ما نقول، العملية الكينية تهدد نجاح جهود التسوية السلمية الإقليمية للأزمة الصومالية، ولا سيما جهود الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) وجماعة شرق أفريقيا التي أقرت المبادرة الإقليمية السياسية، والتي شكلت أساسًا لاجتماع مجموعة الاتصال الدولية حول الصومال، الذي عقد في 29 سبتمبر/ أيلول/ 2011 في الدانمارك، إذا تمكنت كينيا من إقامة المنطقة العازلة داخل الصومال فسوف يصبح النهج السلمي الذي تبنته كينيا تجاه الصومال أمرًا تجاوزته الأحداث، وأضحى في ذمة التاريخ، وتداعيات ذلك تكمن في أن الأطراف الصومالية المتحاربة قد تجد في كينيا عدوًا وهدفًا مشروعًا لهجماتها، وهو ما يفضي إلى آثار أمنية بعيدة المدى.
البيان: لا يوجد أي اهتمام عربي بما يحدث في الصومال، فلماذا هذا التجاهل لهذه الدولة العربية؟
العرب على مستوى النظم الحاكمة والشعوب قد نسوا أو تناسوا أمر الصومال، التي التحقت بالجامعة العربية عام 1974، لقد اختزلت صورة الصومال بتراثها الحضاري وتاريخها النضالي المشهود إلى مجرد مدركات سلبية تعبر عن مشاهد الحروب والنزاعات الأهلية، ومآسي المجاعة واللاجئين، وجرائم القراصنة والمغامرين، ولعل حكماء العرب وساستهم قد يئسوا من مرض الصومال العضال، فتركوا أمر علاجه لقوى إقليمية ودولية طامحة، وربما عابثة تسعى لتحقيق مصالحها وفرض أجنداتها، التي قد تفضي في نهاية المطاف إلى إعادة الصياغة الجيو إستراتيجية لإقليم شرق أفريقيا بشكل عام.
البيان: هل لتوقيت هذه العملية علاقة بانشغال الشعوب العربية بالأوضاع المحلية، حيث الثورات العربية وتداعياتها، والمناطق الأكثر سخونة مثل سوريا؟
نعم. ففي ضوء انشغال المجتمعات العربية بترتيب أوضاعها الداخلية بعد ثورات الربيع العربي وتوابعها تحدث بالترافق عملية إعادة هندسة جيو إستراتيجية لمناطق الجوار العربي في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا بشكل عام، ولعل أحد الملامح الرئيسية في ذلك انفصال السودان ودخول شماله في نزاعات مع مناطق التوتر في الولايات الانتقالية الثلاثة.
ناهيك عن مناطق الشرق ودارفور بالإضافة إلى تفكيك الصومال إلى دويلات تدور في فلك قوى إقليمية غير عربية، وفوق ذلك أضحت إثيوبيا بدعم غربي ودولي واضح، قوة إقليمية صاعدة يحسب لها ألف حساب، لقد آن الأوان لعودة الوعي العربي والاهتمام بالتخطيط العلمي للمستقبل من خلال الوعي بحقيقة المشروعات الإقليمية والدولية الكبرى، التي تحاول إعادة صياغة جوارنا الإقليمي بما يحقق مصالح وأهداف أطراف خارجية.
البيان: ما هي التداعيات السلبية لهذا الموقف العربي السلبي تجاه الصومال؟
لقد أضحى الأمن العربي في امتداده الأفريقي مستباحًا، وهو ما يهدد بشد دول الأطراف الكبرى مثل الصومال والسودان، إن القوات الكينية في الصومال تعطي الفرصة لقوات التدخل السريع، التابعة لجماعة شرق أفريقيا بفرض إرادتها الإقليمية، بحيث تصبح هذه القوات نواة لقوات متعددة الجنسيات من داخل الإقليم بهدف مواجهة خطر الشباب وفرض سياسة الأمر الواقع داخل الصومال، فهل ننتظر طويلاً حتى يتكرر نفس السيناريو في دولة عربية أخرى؟!
البيان: بماذا تفسر رد الفعل الضعيف من قبل الشعب الصومالي على هذا الغزو، مقارنة به إبان الغزو الأثيوبي قبل سنوات؟
رد الفعل الصومالي الشعبي على الغزو الكيني لم يكن على شاكلة ما حدث في مواجهة الغزو الإثيوبي عام 2006، يرجع ذلك إلى وجود جماعات صومالية كبيرة داخل الصومال وفي كينيا تنظر بكل ود وتقدير إلى الدور الكيني الذي وفر ملاذًا آمنًا لكثير من العائلات الصومالية، فضلا عن تعاطف هؤلاء الصوماليين مع كينيا في مواجهة تعديات الشباب المجاهدين، ويبدو أن غياب المظاهرات الشعبية الواسعة المناوئة للغزو الكيني إنما تعكس في أحد أبعادها رفضًا صوماليًا لسياسات الشباب المجاهدين ومعتقداتهم الفكرية.
البيان: هل تعتقد أن كينيا قد تورطت في صراع طويل الأمد لم تقدره جيداً؟
التدخلات الأجنبية الأخرى في الصومال قد أثبتت فشلاً ذريعاً، بما في ذلك التدخل الأميركي الذي استمر نحو عامين في الصومال، والتدخل الإثيوبي في الصومال خلال (2006- 2009) والذي كشف عن خيبة أمل العملاق الإثيوبي، وقد يكون من الأفضل للكينيين إنهاء المهمة بأسرع وقت والعودة إلى ممارسة دور دبلوماسي وسياسي لحل الأزمة الصومالية.
إذا كان الاعتبار الاقتصادي ولا سيما حماية قطاع السياحة في كينيا قد مثل أحد أهداف الغزو الكيني للصومال، كما أوضحنا فإن تكلفة الحملة تزداد مع تقدم القوات الكينية على الأرض وقيامها بتأمين منطقة النفوذ والسيطرة داخل الأراضي الصومالية، ومع الأخذ بعين الاعتبار زيادة حدة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض قيمة العملة الكينية، سوف يصبح لزامًا على الحكومة الكينية أن تراجع عوائدها ومواردها الاقتصادية، من أجل سداد كلفة العملية العسكرية.
إن على القيادة الكينية اليوم أن تتوقع الأسوأ في مجال أمنها الوطني والإقليمي، ولعل ذلك يكون نتاجًا طبيعيًا لقرارها التدخل في نمط معقد من الصراع، كالذي تشهده الصومال منذ العام 1991، فثمة احتمال جدي لقيام الشباب بمهاجمة المصالح الكينية في الداخل والخارج، وحتى على ساحة القتال في مواجهة القوات الكينية الغازية، كما أن وجود بعض الخلايا النائمة وأفراد الشباب قد يهدد أمن كينيا واستقرارها في المستقبل المنظور، وهو ما يعني في أحد أبعاده النيل من سمعة كينيا الإقليمية باعتبارها قبلة للسائحين، ومركزا للنشاط التجاري والاقتصادي في منطقة شرق أفريقيا.
البيان: يتحدث البعض عن ضعف الشباب المجاهدين، وانهزامهم مستدلين بانسحابهم من عدد من المواقع المهمة خلال الفترة الماضية، فهل هذا صحيح؟! وهل تكون العملية العسكرية الكينية ضربة قاصمة للشباب المجاهدين؟
من الصعب الآن الحديث عن انهيار وضربة قاصمة للشباب المجاهدين، فما من شك في أن الشباب المجاهدين يمتلكون المقدرة على تنفيذ ضربات موجعة للخصم، كما حدث داخل الصومال وفي (كمبالا) عاصمة أوغندا.