المهارات الحياتية في المجال التربوي
وتظهر أهميةُ المهارات الحياتية من خلال طبيعةِ حياةِ الإنسان ذاتِ المواقفِ المتغيرة، التي تجعلُ الفردَ بحاجةٍ إلى التعاملِ مع تلك التغيرات بالأسلوبِ الصَّحيح...
قبل أنْ نتحدَّثَ عن تعليمِ المهارات الحياتيةِ، لا بد أنْ نعرفَ أنَّ تعليمَها يعتمدُ على العديدِ من المبادئ، يمكن أنْ تتلخَّصَ في الآتي:
1- الأساس النَّظري في المهارةِ: فكلُّ مهارةٍ لها أساسُها النَّظري الذي يرتبطُ بجانبٍ وجداني وآخر أدائي، فالمتعلِّمُ إذا أُتيحت له فرصةُ تعلُّمِ المهارة والتدرُّبِ عليها، لا بد له من دراستِها نظريًّا؛ لتتعمَّق في عقلِه ووجدانه؛ لأنَّه يمارسُ المهارةَ بناءً على معرفةٍ وتركيبةٍ وجدانيةٍ، تجعلُه مُقْبلاً ومهتمًّا بها وحريصًا على تعلُّمِها، والعكس حينما يمارسُ المهارةَ دونَ أنْ يكونَ لها خلفيةٌ نظرية لديه، فسوف يمارسُها دونَ قناعةٍ وفَهْمٍ.
2- يعتمد تعلُّمُ المهارات على كلٍّ من المنطلقِ العلمي الصَّحيح، والتدريب الفني الجاد، وهو ما يقودُ إلى سُرعة تعلُّم المهارات، مع الاقتصادِ في المجهود العقلي والبدني.
3- الممارسة: لأنَّها ركنٌ من أركان اكتساب المهارةِ، كما أنَّها تتكوَّنُ من مجموعة من الأنشطة المرتبطةِ بموقفٍ معين، وعلى ذلك فهي تستخدمُ الحواسَّ المركزية، والحركةَ اللازمة للأداء السُّلوكي.
4- أنْ تكونَ الممارسةُ متوفِّرةً بما يتلاءم مع نوعيةِ ومُتطلبات المهارة المقصودة.
5- التَّكرار: فبتكرارِ المهارة المرْغوبةِ تصبح عادةً، يقول "آمرسونر": "العادةُ هي الممارسة على فتراتٍ زمنية طويلة، وتصبح هذه العادةُ بعد ذلك جزءًا من أجزاء الشَّخص".
إذا تقرر هذا، فإنَّ لتعريفِ مصطلحِ المهارات الحياتية كمجالٍ تربويٍّ حديثٍ نسبيًّا - عددًا من المداخل، وهذا التَّعددُ راجعٌ إلى أنه لا تتوفَّرُ قائمةٌ محددة لهذه المهاراتِ؛ نظرًا لاختلافِها واتساع مجالاتها، ومن هذه المداخل ما يلي:
المدخل الأول: يعرِّف المهاراتِ الحياتيةَ بأنَّها: "مجموعة الأداءات، والاختيارات الشَّخصية التي تسبِّبُ أو تزيد من سعادةِ وفائدةِ وراحة الفرد".
المدخل الثاني: يعرِّف المهاراتِ الحياتية بأنَّها: "القدرات العقلية والحسية المستخدمة في تحقيقِ أهدافٍ مرغوبةٍ لدى الفرد".
المدخل الثالث: يعرِّف المهاراتِ الحياتية بأنَّها: "مجموعةُ العمليات والإجراءاتِ التي من خلالها يستطيعُ الفردُ حلَّ مشكلةٍ، أو مواجهة تحدٍّ، أو إدخال تعديلاتٍ في مجالات حياته".
كما عرفت المهارات الحياتية بأنَّها: "أيُّ عملٍ يقوم به الإنسان في الحياة اليومية التي يتفاعل فيها مع أشياءَ ومعداتٍ وأشخاص ومؤسسات، ومن ثَمَّ فإنَّ هذه التفاعلات تحتاجُ من الفرد أنْ يكونَ متمكِّنًا من مهاراتٍ أساسية".
وقيل في تعريف المهارات الحياتية للتلاميذ: "إنَّها مجموعةٌ من المهارات التي يحتاجُها التلميذ لإدارة حياتِه، وتكسبُه الاعتمادَ على النَّفس، وقَبول الآراء الأخرى، وتحقِّقُ الرِّضا النفسي له، وتساعدُه في التكيف مع متغيراتِ العصر الذي يعيشُ فيه، مثل مهاراتِ التَّواصل، والقيادة، والعملِ الجماعي، وحلِّ المشكلات، واتخاذ القرار".
وتعرِّف المؤسسة العالمية المهارات الحياتية بأنَّها: "أنماطُ سلوكٍ تمكن الشَّبابَ من تحمُّلِ المسؤولية بشكلٍ أكبرَ بما يتَّصلُ بحياتهم؛ من خلال القيام باختياراتٍ حياتية صحيَّة، أو اكتسابِ قدرةٍ أكبر على مقاومة الضُّغوط السَّلبية".
ويُعرِّف مكتبُ التربية العربي لدول الخليج المهاراتِ الحياتية بأنها: "المهارات التي تعنى ببناءِ شخصيةِ الفردِ القادر على تحمُّل المسؤولية، والتعاملِ مع مُقتضيات الحياةِ اليوميَّة على مختلفِ الأصعدةِ الشَّخصية والاجتماعية والوظيفية، على قدرٍ ممكنٍ من التفاعل الخلاَّق مع مجتمعِه ومشكلاتِه بروحٍ مخلصة".
كما تعرف منظمة "اليونسكو" (2000م) على موقعِها الإلكتروني المهاراتِ الحياتية بالنسبة لمرحلةِ المراهقة بأنها: "وسيلةٌ لتمكينِ الشَّباب من مواجهةِ ما يتعرَّضون له من مواقف، ويشير هذا التَّعليم إلى عمليةٍ تفاعلية من التعليم والتعلُّم تمكِّن المتعلِّمين من اكتسابِ المعارف، وتطوير التوجُّهات التي تدعمُ تبنِّي الأنماطِ السُّلوكية الصَّحيحة والسَّليمة".
ومن خلال التعريفات السابقة، يمكنُ أن نستنتجَ عدمَ اتفاقها على تعريفٍ محدَّدٍ للمهارات الحياتية، إلا أنَّ غالبيتَها تركِّز على المتعلِّم والسَّعيِ لإعدادِه الإعدادَ الشَّامل الذي يهدِفُ إلى نجاحِه في التَّعامل، والتكيُّف مع مواقفِ الحياة المختلفة، فقد تناولتْ هذه التعريفاتُ ما ينبغي أنْ يتقنَه الفردُ، حتى يتمكَّن من العيش بفعاليةٍ، سواء أكان ذلك على مستوى المهارات الاجتماعية من تعاملٍ مع الآخرين، أو التواصل معهم، أو كان ذلك على مستوى المهاراتِ العَقْلية من تفكيرٍ، وقدرةٍ على حلِّ المشكلات، واتخاذِ القرار، أو كانتْ مهاراتٍ تتعلَّقُ بربطِ المتعلِّم بالبيئة المحيطةِ به، وحفاظه على حياتِه، وذلك يبرْهِنُ على السَّبب الذي يجعل العديدَ من الباحثين التربويين مقتنعًا تمامَ الاقتناع بوجوبِ الاهتمام بالمهارات الحياتية، من خلالِ المؤسَّساتِ التَّربوية والتدريبية في المجتمع، مسايرةً للدول والمؤسَّساتِ العالمية المتقدِّمة.
وتظهر أهميةُ المهارات الحياتية من خلال طبيعةِ حياةِ الإنسان ذاتِ المواقفِ المتغيرة، التي تجعلُ الفردَ بحاجةٍ إلى التعاملِ مع تلك التغيرات بالأسلوبِ الصَّحيح، ولأجلِ التعامُلِ والتَّصرُّفِ السَّليم، كان لا بدَّ على الإنسان أنْ يتعلَّمَ الأُسُسَ السَّليمة التي تجنِّبُه الفشلَ في التَّعامل مع هذه المواقف، ويتمُّ ذلك من خلالِ اكتسابِ المهارات الحياتية المختلفة، لقد تناولَ الكثيرُ من الباحثين أهميةَ اكتسابِ المهارات الحياتية بشكلٍ مطوَّلٍ، ممَّا يزيدُ من أهميتِها، فذكروا أنَّها تحقِّقُ التكامل بين المدرسةِ والحياة، وتجسِّدُ وظيفةَ التعلُّم؛ حيث تربطُه بحاجاتِ المتعلمين ومواقفِهم اليومية، واحتياجات المجتمع، وإعطاء الفردِ الفرصةَ لأنْ يعيشَ حياتَه بشكلٍ أفضل، خاصَّةً في هذا العصر الذي يتسِمُ بانفجارٍ معرفي وتكنولوجي متلاحق، الأمرُ الذي يتطلبُ إعدادَ أفرادٍ قادرين على التكيُّف والتفاعُلِ مع هذه المتغيرات، واكتسابِ الخبرةِ المباشرة عن طريقِ التَّفاعُلِ المباشر بالأشخاص والظُّواهر، وتجعلُ للتعلِّم معنى، وتوفِّرُ فيه الإثارةَ والتشويق، وتولِّد لدى الفرد الإحساسَ بمشكلات مجتمعه، وتولِّد له الإحساسَ بحلها، وأنَّها تساعد الفرد على تعزيز الثِّقة بالنفس، والتغلبِ على المشكلات الحياتية، والتعامل معها بحكمة، كما أنها سبيلٌ لسعادةِ الفرد، وتقبله للآخرين، والعيشِ معهم وحبهم، وتعد سببًا من أسبابِ النَّجاح، وتساعدُ على تفعيلِ المهاراتِ التي يمتلكُها الفردُ، كما تنمِّي شخصيتَه، وتساعدُه على اكتسابِ الخبرات، وتهيِّئه للإبداع، والتفكيرِ النَّاقد، وتتيحُ له الاستفادةَ من كلِّ الإمكاناتِ المتاحة التي تسهِمُ في تنمية شاملةٍ على جميعِ المستويات.
ولأهمية اكتساب المهارات الحياتية لجميعِ مراحل التعليم العام؛ لزم المربين القيامُ بتثقيف الطُّلاب بها، والاجتهاد في التغيير الجذري لأساليبِ وأنشطةِ التعلُّمِ المستخدمة في مدارسِنا اليوم، والتي يغلبُ عليها مع الأسفِ الطَّابعُ التقليدي المملُّ، الذي جعل الطَّالب ذلك الجسدَ الكسولَ المستمع لما يُلقى عليه من المعلومات والمعارف، دون ربطِها بجوانبِ حياتِه المختلِفة، السَّبب الذي جعل هذه المعارف تنتهي بانتهاءِ الحصَّة الدِّراسية، ولعلَّ في تفعيلِ مجال المهارات الحياتية لديهم، والتحول من الاهتمامِ بالكمِّ إلى الكيف، ومن الجمودِ في العمليةِ التعليمية إلى المشاركةِ والفَاعليةِ - خروجًا من هذه التقليدية، وتحقيقًا للأهدافِ بجميعِ أنواعِها.
______________________________________________
المصادر:
• هدى سعد الدين (2007م)؛ المهارات الحياتية المتضمنة في مقرر التكنولوجيا للصف العاشر ومدى اكتساب الطلبة لها.
• أحمد حسين عبدالمعطي، ودعاء محمد مصطفى، (1428هـ)؛ المهارات الحياتية، القاهرة، دار السَّحاب.
• أحمد حسين اللقاني (1996م)؛ المنهج (الأسس - المكونات - التنظيمات)، دار عالم الكتب، عمان.
• عبدالسلام الناجي، مجلة المعرفة (ع170، 2010م، ص ص42 - 65)، الرياض
_______________________________________________
الكاتب: د. ماجد بن سالم حميد الغامدي
- التصنيف: