مع العفة والعفاف

منذ 2024-01-25

لذة العِفّة أعظم من لذّة قضاء الوطر لكنها لذة يتقدمها ألم حبس النفس ثم تعقبها اللذة.

لا يخفى علي كل عاقل من الناس أن فتنة النساء هي من أخطر الفتن التي يتعرض لها المسلم، بل هي أشد الفتن علي الإطلاق كما ورد ذلك في الحديث فعن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:  «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء». (رواه البخاري ومسلم).

 

وفي زماننا هذا، اشتد وطيس فتنة النساء، وقوي عودها، وانتشر في الأركان شرّها، حتى تملكت قلوب الغافلين، وعبثت بعقول التائهين.

 

فتنة النساء لم تزَل تفتك بخيرة شباب المسلمين حتى ضيَّعت عليهم دينهم، وهتكت عرضهم، وهدّت جهدهم، وتركتهم حيارى في الطرقات، يتحسّسون الفواحش في الممرات، ويلتمسون الفساد في الأسواق وفي كل مكان.

 

فتنة النساء هي أول شرارات الفساد في المجتمع، وهي مبدأ الرذيلة والانحلال وسبب كل منكر وفحشاء وكل ضر وبلاء. فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:  «إن الدنيا حلوه خضرة، وان الله مستخلفكم فيها، لينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، وان أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء». (صحيح مسلم: كتاب الذكر (2742) عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- ).

 

ولقد علم أعداء الفضيلة في الداخل والخارج بخطر المرأة، فجعلوا المرأة وسيلة لإفساد المجتمع، وحاولوا بكل وسيلة إخراجها من بيتها، إخراجها من عفافها خلعها من حياءها، تارة بحُجّة حقوق المرأة، وتارة بحجة تعليم المرأة، وتارة بحجة أخرى وهلم جرا.

 

يتساءل الإنسان لماذا لا يهتمون بالنساء المتسولات في الشوارع والأسواق؟ ولماذا لا يهتمون بالنساء المحرومات من الميراث والمجبرات على الزواج كما يهتموا بإخراج المرأة من بيتها؟

 

أصبحت المرأة من وسائل التجارة، من وسائل ترويج البضاعات، أي بضاعة لا بُد أن توضع فيها صورة المرأة، أي إعلان لا بد للمرأة فيه نصيب، بل ونرى بعض أصحاب محلات الملابس ضعيفي الإيمان يُعلّقون صور وأصنام يستحي إبليس أن يراها، ولا بد أن نعلم أن وسائل الإعلام بأنواعها تلعب دورًا كبيرا في نشر الفاحشة وترويج الانحلال بالأفلام والمسلسلات والأغاني الساقطات ولا بد للأمة أن تصحو من غفلتها.

 

وظهرت لنا هذه الأيام الجوالات المطورة التي تنقل الأفلام والمقاطع عبر البلوتوث وغيره من وسائل النقل السريع ومن الناس من يستخدمها في نقل الحرام، ألا فليتق الله أصحاب المحلات التي تنسخ البرامج والمقاطع، وليعلموا أنّ من سنّ سُنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها.

 

وإنما كانت فتنة النساء أشد علي الرجال، لأن المرأة تمتلك من وسائل الإغراء ما تستميل به قلب الرجل بنظرة أو لفظة، ولأن مجرد النظر إلى المرأة يحرك غرائز الرجل ويشد انتباهه، ويقوي ميله إليها، وتلك فطرة خلقها الله في قلوب البشر امتحانًا وابتلاءً فمن صبر فله أجره ومن مال فعليه وزره.

 

ومن رحمة الله بالعباد، أن دلهّم علي ما يحفظهم من شرور فتنة النساء، وبين لهم سبل الوقاية والعلاج قال تعالى: {ولْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 33].

 

فبيّن الله - في هذه الآية أن العفة هي المخرج من تلك الفتنه الظلماء.

 

والعفة: هي الكف عن محارم الله كافه.

 

والاستعفاف من أسمى الأخلاق وأكرمها وأحبها إلى الله جل وعلا، وهو من صفات عباد الله: الصالحين، الذين استحضروا عظمة الله وخافوا سخطه وعذابه، وطلبوا رضاه وثوابه فاستعفوا وصبروا، وخافوا واعتبروا، وحبسوا النفس عن الهوى، والتزموا الورع والتقوى، فنالوا بذلك المنزلة والقربى عند الله، بل إن الله جل وعلا ليعجب من صنيع الشاب العفيف. فعن عقبة بن عامر الجهني -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:  «عجب ربك من الشاب ليست له صبوة»  (أخرجه أحمد والطبراني).

 

عباد الله: ما طعِمَ الطّاعِمون كالحلالِ الكفافِ، وما رِداءٌ خيرٌ من رِداء الحياءِ والعفاف.

 

العَفافُ والعِفَّة - أيّها المسلمون - سِيمَا الأنبياءِ وحِليةُ العلماء وتاجُ العُبَّاد والصّلَحاء.

 

العفافُ سلطان من غيرِ تاجٍ، وغِنًى من غير مالٍ، وقوّة من غيرِ بَطش، وخُلُقٍ كريم، وصِفة نبيلة.

 

العفاف هو عُنوان الأُسَرِ الكريمة والنفوسِ الزّكية الشريفةِ ودَليل التربية الصالحة القويّة.

 

إنها جنّةٌ وكرامة؛ لأنّ العفيفَ كريمٌ على الله حيث أكرَمَ نفسَه في الدنيا عن الدّنَايَا، فأكرمه الله في الآخرةِ بأعلى الدرجاتِ وأحسَنِ العطايا، واستحقَّ ميراثَ الجِنان؛ لأنَّ الميراثَ للطاهرين كما في سورة المؤمنون: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 10].. وفي صحيح مسلم لما ذكَر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أهلَ الجنة قال:  «منهم عفيفٌ متعفِّف».

 

عباد الله:

لو لم يكن من فوائد العفة إلا صيانة العرض والشرف لكفى، فكيف وهي لها ثمرات كثيرة، تُعلي شأن صاحبها في الدنيا والآخرة فمن ذلك:

• الفوز بالثواب العظيم فالشاب العفيف يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-:  «سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: وذكر ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال، فقال: إني أخاف الله رب العالمين»  »، فأي ثواب بعد هذا الثواب، وأي لذة بعد هذه اللذة، وأين هي متعة قضاء الوطر في لحظات معدودة، مع متعة الجنة ونعيمها والخلد الأبدي فيها، ناهيك عما يعقب لذة الحرام من مفاسد وحسرات في الدنيا والآخرة.

 

وما قصة محمد المسكي عنكم ببعيدة، ذاك الشاب الذي دعته امرأة إلى الزنا فعف عن الحرام ولجأ إلى مكان قضاء الحاجة للهرب من تلك المرأة ولطخ نفسه بالأذى كي تتأذى منه فكان عاقبة هذا العفيف أن أكرمه الله بريح مسك لم تكن تفارقه حتى عُرِف بالمسكي.

 

عباد الله: لذة العِفّة أعظم من لذّة قضاء الوطر لكنها لذة يتقدمها ألم حبس النفس ثم تعقبها اللذة. وكذلك الطاعات كلها تفتقر إلى الصبر وحبس النفس ومجاهدتها، لكنها تورث المهابة والثواب والقبول بين الناس، وعلى قدر طاعة العبد لربه تكون مكانته بين أهله وإخوانه وذويه.

 

فيا سعادة من عَفَّ، ويا فوز من كَفَّ، ويا هَنَاءَة من غضّ الطرف، طوبى لمن حفظ فرجه، وصان عِرضه، وأحصن نفسه، فعن سهل بن سعد – -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:  «من يَضْمَنُ لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رِجْلَيْهِ أَضْمَن له الجنة»  (أخرجه البخاري في كتاب الرقاق [6474) من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- ]..

 

عباد الله:

كيف نحمي ونصون العفة في نفوسنا وبيوتنا ومجتمعاتنا؟:

أولًا: بالإيمان:

فأعظم عاصم من المعاصي وأعظم رادع عن المحرمات، وأعظم مذكر دائم للإنسان يرافقه في سره وعلنه وفي حله وترحاله، في شهوده وغيبه هو الإيمان... الإيمان الذي ينشئ مملكة الضمير التي لا تفارق العبد المؤمن فتجعله دائمًاً يستحضر أمورًا مهمة من أعظمها وأجلها الخوف من الله، والحياء من الله، وتذكّر الآخرة.

 

سُئل بعض السلف من أهل الإيمان والصلاح والتقى كيف السبيل إلى غض البصر؟ قال: «علمك بأن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما حرم عليك»

 

هل نحن نستحضر مراقبة الله واطلاعه علينا، ومعرفته التي أخبرنا بها في كتابه كما قال جل وعلا{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ ومَا تُخْفِي الصُّدُورُ}  [غافر: 19].

 

هل نتحقق بذلك ونستشعره في خفَقَات قلوبنا وخلجات أفكارنا وتصرفات جوارحنا؟.

 

ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل الله في دعائه قائلًا «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى»، «اللهم إني أسألك العفة والعافية في دنياي وديني وأهلي ومالي».

 

ونحن نعلم أمثلة كثيرة منها المثل القرآني العظيم الذي سطّرته آيات القرآن في سورة كاملة في قصة يوسف --عليه السلام-قال تعالى {ورَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وقَالَتْ هَيْتَ لَكَ}[يوسف: 23].

 

جاء هذا التوجه الذي فيه كل الإغراء والإغواء مع الأمن والإحكام، فقال يوسف{مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} ثم اعترفت وقالت{ولَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ولَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ ولَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ}  [يوسف: 32]فماذا كان جوابه؟ {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} .

 

و ذكر ابن القيم في روضة المحبين قصة في عهد عمر -رضي الله عنه- وهي تتعلق بشاب صالح كان عمر -رضي الله عنه- ينظر إليه ويعجب به ويفرح بصلاحه وتقواه ويتفقده إذا غاب، فرأته امرأة شابة حسناء فهويته وتعلقت به وطلبت السبيل إليه فاحتالت لها عجوز، قالت: أنا آتيك به ثم جاءت لهذا الشاب وقالت له: إني امرأة عجوز، وإن لي شاة لا أستطيع حلبها فلو أعنتني على ذلك لكان لك أجر، قال ابن القيم في سياق القصة: وكانوا أحرص ما يكونون على الأجر، فذهب معها، ولما دخل البيت لم يرى شاة، قال: الآن آتيك بها، فظهرت له المرأة الحسناء فاستعصم عنها وابتعد منها ولزم محرابًا يذكر الله فتعرضت له فلما آيست منه دعت وصاحت، وقالت: إن هذا هجم علي يبغيني عن نفسي، فتوافد الناس إليه فضربوه، فتفقده عمر في اليوم التالي فأوتي إليه به وهو موثوق، فقال عمر: اللهم لا تخلف ظني فيه، فقال للفتى أصدقني الخبر فقص عليه القصة فأرسل عمر إلى جيران الفتاة، ودعا بالعجائز من حولها حتى عرف الغلام تلك العجوز، فرفع عمر درّته وقال أصدقيني الخبر، فصدقته لأول وهلة، فقال عمر -رضي الله عنه-: «الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف».

 

عباد الله: هذا هو الُملك الحقيقي والعزة العظمى أما الشاب الذي يستسلم لشهواته ونزواته سرعان ما يضيع ويذل ويصبح أسيرًا لشهواته والشيطان.

 

أخي الحبيب:

استظل بظل العفة تحفظ سمعتك وسمعة أهلك واعلم أنك إذا تظللت بظل العفة فإن ظلالها الوارفة ستشمل أهل بيتك أيضًا ولله در الشافعي حين قال:

يا هاتكًا حُرم الرجال وتابعًـــا   **   طُرق الفساد فأنت غير مُكـــرّم 

من يزن في قومٍ بألفي درهمٍ   **   في أهله يُزنَ بربع الدرهَــــــــمِ. 

إن الزنا دينٌ إن استقرضتـــه   **   كان الوفا من أهل بيتك فاعلـمِ 

 

وبعد عباد الله:

العفة تجني من ثمارها في الدنيا قبل الآخرة فهي سبب للنجاة من الشدائد ألم تسمع لقصة الثلاثة الذي آواهم المبيت إلى الغار ذكرها لك رسولك وحبيبك -صلى الله عليه وسلم- حيث قال فيها:  «خرج ثلاثة نفر فدخلوا غار فسقطت صخرة من الجبل فسدت عليهم باب الغار فقالوا: لا ملجأ لنا إلا أن نلجأ إلى الله بصالح أعمالنا فقال أحدهم: اللهم إنك تعلم أنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء وطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فتعبت حتى جمعت مائة دينار فجئتها بها، فلما وقعت بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله، ولا تفتح الخاتم إلا بحقه فقمت عنها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج لنا منها فرجة ففرج لهم…الحديث» عف عن الحرام بعد أن قدر عليه فكيف اليوم بمن يبحث عن الحرام ليقع فيه؟.

 

ثانيًا: نحمي مجتمعاتنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

اعلموا عباد الله: إنه إذا طغَت الشهوات واختلطت النيات فسَدت الأوضاع واضطربت الأحوال وحق العذاب.

 

الأمة تضيع إن تُرِك الحبل على الغارب، يعيش الناس بشهواتهم ويعبثون بأخلاقهم متجاوزين حدود الله بلا وازع ولا ضابط وبلا رادع ولا زاجر، وإنها سنة من سنن الله، إذا فشا الظلم والفساد ولم ينهض من يدافعه فإن سنة الله تعالى تحق ولا تحابي أحدا، قال تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إلّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} ﴾[هود: 116]، {ومَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117].

 

وفي هذا الباب ينبغي أن يُشكر ويُذكر بالتقدير والدعاء كل جهد مبذول في تخفيف المهور والمساعدة في الأعراس الجماعية.

 

ثالثًا الصوم:

لقد أرشدنا دينينا الحنيف إلى الصيام كعلاج مؤقت لمن لم يستطع الزواج، ولماذا الصوم؟ لأن الصوم يكسر شهوة النفس ويُضيّق عليها مجاري الشهوة ويُربي النفس ويُقويها على الطاعة، ويقوي روابط الإيمان والخشية والمراقبة لله وحده.

 

وإذ بالرسول -صلى الله عليه وسلم- يضع يدنا على هذه الوسيلة المعاونة على الاستعفاف أو التسامي بالغريزة - ألا وهي الصوم- عندما قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف:  «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء»  (أخرجه البخاري في النكاح [5065]، ومسلم في النكاح [1400] من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- )..

 

رابعًا: غض البصر عن المحرمات:

الإسلام عندما حرّم الزنا حرم ما يدعو إليه ومن ذلك الخلوة بالأجنبية يقول -صلى الله عليه وسلم-:  «ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان ثالثهما الشيطان»  (رواه احمد في المسند «رقم 114-177» والحاكم في الإيمان من طرق صحيحة فالحديث صحيح).

 

لا تخلون بامرأة ولو كنت تُعلّمها القرآن، ومن ذلك مصافحة المرأة الأجنبية قال -صلى الله عليه وسلم-:  «لأن يطعن أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له»  (رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني في صحيح الجامع).

 

النظرة سهم من سهام إبليس، إذا لم يكبحها الإنسان من أول وهلة صرعته وأوحلته في شباك الشهوة والسهم سريع الانطلاق وقد يجرح والجرح ربما يُقتل.

 

وهذا رسولنا يحذرنا من نظرة العين، ومن كل وسيلة محرمة فيقول -صلى الله عليه وسلم-:

«كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه»  (أخرجه البخاري في الاستئذان (6243)، ومسلم في القدر (2657) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-).

 

وقال الفخر الرازي: «والنظر بريد الزنا، ورائد الفجور، والبلوى في أشد وأكثر، ولا يكاد يحترس منه».

 

ومن هنا كان الاهتمام في القرآن الكريم والتوجيه من الله إلى عباده إلى غض البصر رجالًا ونساءً.

 

فقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30].

 

كل الحوادث مبدأها من النظـــــر   **   ومُعظم النار من مُستصغر الشـــــرر 

كم نظرةٍ فعلَت في قلب صاحبها   **   فِعل السهام بلا قوسٍ ولا وتــــــــــر 

والمرء ما دام ذا عينٍ يُقلّبهــــــــا   **   في أعين الغيد موقوف على الخطر 

يسر مقلته ما ضر مهجتـــــــــــه   **   لا مرحبًا بسرور عاد بالضــــــــــــــرر 

 

خامسا: البعد عن مواطن الفتنة:

ومن مظاهر العفة والطهارة، الفرار من أسباب الفساد والفاحشة، ولا يخفى على أحد أن أسباب الرذيلة قد كثرت في هذه الأزمان فلم تترك زاوية إلا سكنتها ولا مغارة إلا دخلتها ولا طريقًا إلا سلكته، ومن ذلك الأغاني الهابطة والأفلام الساقطة، والصور الخليعة، فالمسلم كيّس فطِن يبتعد عن أماكن إثارة الشهوات من مواقع ومجلات وأشرطة.

 

ويجتنب المسلم أن يدفع ماله في سبيل هتك عرضه وفقدان عفته، فإن عُرضه أغلى وعفته أثمن وأسمى.

 

أذود عرضي بمالي لا أُبدّده   **   لا باركَ الله بعد العرض في المال 

 

 

وكذلك لا يسمح لنفسه ولا لمن استرعاه الله فيهم من أهله وذويه- أن يجلس ثانية واحدة أمام أفلام الفسق والفجور، ومسلسلات الغواية والرذيلة، فإن وقته أمانة يُسأل عنه يوم القيامة، وإنّ همته وإيمانه ليستعلي به عن مجارات الفسق ودواعيه فالعفة شرف، والشرف لا ينال إلا بالصبر والمجاهدة والمغالبة.

 

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى   **   حتى يُراق على جوانبه الدم 

 

 

واعلم يا عبد الله أن عفتك هي حجاب يستر الله به أهلك وأقرباءك ويحفظهم، كما حفظت أعراض المسلمين.

 

سادسًا: شغل وقت الفراغ بما ينفع:

الفراغ سلاح ذو حدين، وبقدر ما يحسن الإنسان استغلاله، بقدر ما تكون النتائج طيبة وإذا اختلى الإنسان بنفسه، وخاصة المراهق والمراهقة تواردت عليه الأفكار الحالمة والتخيلات الجنسية الآثمة، وقديمًا قال الشاعر:

إن الشباب والفراغ والجدة   **   مفسدة للمرء أي مفسدة 

 

واستثمار أوقات الفراغ يكون في النافع المفيد فيما يعود عليه في الدنيا والآخرة. ومن أمثلة الأنشطة التي تجذب الشباب: الرياضة البدنية، القراءة المفيدة، الرحلات الهادفة، حلقات تحفيظ القرآن، صلة الرحم وأعمال البر المختلفة.

 

وقد جاء عن ابن عباس ب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال -صلى الله عليه وسلم-:  «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل مرضتك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك»  (سبق تخريجه).

 

سابعًا: اختيار الرفقة الصالحة:

التي تحث على فعل الطاعة واجتناب المعصية وتحقق قول الله تعالى: {تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتَّقْوَى ولا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ والْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، فمن حصل على هذا الرفيق فيلزمه ملازمة السوار للمعصم.

 

وفيه قال الشاعر:

أخاك، أخاك إن من لا أخًا له   **   كساعٍ إلى الهيجاء بغير سلاح 

 

يا من يريد العفاف، ويخشى السقوط والانحراف، اختر الصاحب الملازم، واصطفِ القرين المجالس، وابحث عن الخليل المجانس، وإياك والتجمعات المشبوهة والرفقة الشاذة والصحبة السيئة، التي تدعو المرء إلى الوقوع في الرذيلة، والولوغ في الفاحشة، فكم جَرَّ صاحب السوء إلى صاحبه من خزي دام لا يزول، وشرٍ قائم لا يحول.

 

وقد قال -صلى الله عليه وسلم-:  «المرء على دين خليليه، فلينظر أحدكم من يخالل». (رواه أحمد والترمذي).

 

وقال -صلى الله عليه وسلم-:  «لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي»  (أخرجه أبو داود في السنن: كتاب الأدب باب من يؤمر أن يجالس، والترمذي في سننه: كتاب الزهد باب ما جاء في صحبة المؤمن 4/ 259)..

 

وقال الشاعر:

عن المرء لا تسأل وسلْ عن قرينه   **   فكل قرين بالمقارن يقتدي 

 

ثامنًا: تخفيف المهور:

فليتق الله الآباء والمشايخ والمسؤولون في ذلك، فكم من شباب عملوا سنين طويلة بالليل والنهار ولم يستطيعوا الزواج والسبب المغالاة في المهور.

 

عباد الله:

أصبح بعض الآباء يتاجرون في بناتهم فالمتعلمة بسعر والجاهلة بسعر والطويلة بسعر والقصيرة بسعر والموظفة بسعر وربة البيت بسعر وتراه يفاوض الخاطب كأنها بقرة.

_______________________________________________________

الكاتب: د. أمير بن محمد المدري

  • 3
  • 1
  • 1,333

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً