من عبرة الإسراء والمعراج
محمد جميل زينو
"شق الصدر - ربط البراق بالحلقة - مكانة المسجد الأقصى - سنة التعارف - الجرأة في الحق - فرض الصلاة - إثبات العلو لله تعالى"
- التصنيفات: ملفات شهر رجب والإسراء والمعراج -
1- شق الصدر: من أراده الله لأمر عظيم أعده إعدادًا قويًا، فموسى عليه السلام حينما أرسله الله إلى الطاغية فرعون جعل له آية العصا، وأجرى له تجربة عملية، حتى لا يخاف حينما تنقلب حية تسعى؛ كذلك الرسول محمد صلى الله عليه وسلم شق جبريل صدره، وملأه حكمة وإيمانًا، ليتأهب لما يراه في الإسراء والمعراج، والقلب إذا طاب بالإيمان طاب الجسد كله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ألا وهي القلب» (متفق عليه).
2- البراق: لقد زاد الله في تكريمه لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه مركوبًا يحمله، ودليلًا يؤنسه، فأرسل إليه جبريل بالبراق يحمله إليه، علمًا بأن أهل الجنة يذهبون إليها راكبين مُكرمين كما قال عنهم ربهم: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا} وهكذا يفعل العظماء إذا دَعَوا إلى ضيافتهم عزيزًا عليهم. [سورة مريم 85].
3- ربط البراق بالحلقة: لقد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نأخذ بالأسباب، فربط البراق بالحلقة، وهو لا ينافي التوكل، وقد قال النبي و صلى الله عليه وسلم وللأعرابي الذي كانت معه ناقته: «أعقلها وتوكل». (حسن رواه الترمذي)
4 - المسجد الأقصى: إن مرور الرسول صلى الله عليه وسلم به، وصلاته بالمسجد، ولقاءه بالأنبياء فيها فوائد وعبر:
أ- لعل من الحكمة أن يفهم الناس أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم عامة لكل بلد، بل تسير مسرى الشمس والقمر.
ب- إن اقتداء النبيين بالرسول صلى الله عليه وسلم دليل على أن شرعه ناسخ، وأن الاقتداء به واجب على الأنبياء وغيرهم.
ج- وفي مسراه إشارة إلى وحدة الأنبياء في دعوتهم إلى الإيمان والتوحيد، وربط بين الأماكن المقدسة: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى.
د- زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم للمسجد الأقصى تلويح وإشارة للمسلمين أن يشدوا الرحال إليه، ويطهروه من الوثنية واليهودية المجرمة، وبشارة لهم بفتح بيت المقدس.
5- سنة التعارف: لقد قام جبريل بسنة التعريف بالأنبياء في السماء، وأن التعارف من سنن الإسلام، لأنه سبيل المحبة والتعاون بين المسلمين، فعلى المسلم أن يتعرف على أخيه، ويسأله عن اسمه.
6- شعور الأب نحو أولاده: فقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم آدم في السماء يضحك فرحًا حينما يرى أولاده السعداء، ويبكي ألمًا حينما يرى أولاده الأشقياء، وهذا شعور كل والد نحو ولده، فليت الأولاد يقدرون هذا ويسلكون طريق السعادة والخير ليدخلوا الفرح على أبيهم، ويبتعدوا عن الشقاء لئلا يحزنوه.
7- الجرأة في الحق: لقد صارح الرسول صلى الله عليه وسلم قومه بما رأى في إسرائه، ولم يحسب حسابًا لتصديقهم أو تكذيبهم، وفي هذه الجرأة قدوة للمصلحين أن يجهروا بالحق، قال الله تعالى:
{الذين يُبلِّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله} [الأحزاب 39].
8- فرض الصلاة: كل العبادات نزل بها الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الأرض، أما الصلاة فقد رفع الله رسوله إلى فوق السموات، حتى فرضها عليه وعلى أمته، أليس هذا دليلًا على أهمية الصلاة، وأنها معراج أرواح المؤمنين إلى رب العالمين؟ ومن فضل الله العظيم أن الصلاة فُرضت خمسين في الأصل، ثم خففت إلى خمس بشفاعة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبقي الأجر في الأصل خمسين.
9- إثبات العلو لله تعالى: إن عروج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السموات العلى، وإلى سدرة المنتهى حتى كلمه ربه تعالى دليل واضح على عفو الله تعالى فوق سمواته، علمًا بأن هناك أدلة صريحة من القرآن، والأحاديث على ذلك:
أ- قال الله تعالى:
{ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات}. [البقرة 29].
قال مجاهد وأبو العالية: [استوى، علا وارتفع].. رواه البخاري في كتاب التوحيد ج 8/ 175].
ب- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي، فهو مكتوب عنده فوق العرش». (رواه البخاري).
1- لقد عرج الرسول صلى الله عليه وسلم السموات العلى، حتى بلغ سدرة المنتهى، فكان هذا المعراج رمزًا للارتفاع عن حياة مليئة بالمشكلات والمظالم، إلى عالم تسوده الرحمة والطمأنينة.
لئن صعد الإنسان في هذا العصر المادي إلى الفضاء، وحاول الوصول إلى القمر، ليسيطر بظلمه على عالم آخر، فلقد رفعك الله يا رسول الرحمة فوق سماواته إلى مكان لم يصله غيرك، لتنقذ العالَم وتحرر هذا الإنسان من العبودية لغير الله وتخلصه من ظلم أخيه الإنسان، ثم نزلتَ إلى الأرض لتنشر بتعاليمك السمحة العدل والرحمة للناس كافة.
ألا ما أحوج الإنسان اليوم إلى هذه التعاليم، ليرتفع من حضيض المادة ويتطلع نحو السماء، فيعيش بروحه وأخلاقه، وتنجو الإنسانية المهددة بالحروب من ظلمه وجشعه.