تزين المرأة لزوجها أدوم للعشرة
الزينة بين الزوجين أساس الحياة السعيدة، وتزين المرأة لزوجها وتطيبها له، وزينة الرجل لزوجته واحتفاؤه بها من أقوى أسباب المحبة والألفة بينهما
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - وصايا نبوية -
الزينة بين الزوجين أساس الحياة السعيدة، وتزين المرأة لزوجها وتطيبها له، وزينة الرجل لزوجته واحتفاؤه بها من أقوى أسباب المحبة والألفة بينهما، وعدم الكراهة والنفرة؛ لأن العين ـ ومثلها الأنف ـ رائد القلب، فإذا استحسنت العين منظرا أوصلته إلى القلب فخلصت المحبة، وإذا نظرت منظرا بشعا أو ما لا يعجبها ـ من زي أو لباس أو ريح ـ تلقيه إلى القلب فتحدث الكراهة والنفرة؛ ولهذا كانت وصية الآباء المجربين والنساء العاقلات الناصحات لبناتهن بالزينة والنظافة والطيب، كما قالت أمامة بنت الحارث لابنتها في وصيتها الشهيرة: "وأما الثالثة والرابعة : فالتفقد لموقع عينيه وأنفه، فلا تقع عينه منك علي قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح".
تزين المرأة لزوجها:
وقد وردت النصوص في هذا الباب من الكتاب والسنة، وذكره أهل الأدب في كتب الأدب، وكل من ألف في آداب العشرة، وحقوق الزوجية، وامتلأت الكتب بالوصايا لكلا الزوجين بعدم إهمال هذا الأمر.
قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ} [البقرة:228].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخلَ عليَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فرأى في يديَّ فتَخاتٍ من وَرِقٍ، فقالَ: ما هذا يا عائشةُ؟ فقلتُ: صنعتُهُنَّ أتزيَّنُ لَكَ يا رسولَ اللَّهِ) (صحيح أبي داود).
وعن أسماء بنت يزيد قالت: (إني قيَّنت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئته، فدعوته لجلوتها، فجاء، فجلس إلى جنبها، فأتي بعسِّ لبن، فشرب ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم، فخفضت رأسها واستحيت... الحديث) [ (رواه أحمد) ]. ومعنى قيَّنت: أي زينتها للنظر إليها مجلوة مكشوفة.
وجاء في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخلْتَ ليلًا، فلا تدخلْ على أهلِك؛ حتى تستَحِدَّ المُغِيبَةُ، وتمتشطَ الشَّعِثةُ» (رواه مسلم).
فأما قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ}[البقرة:228].
فمفهوم الآية عام، وأن لكل من الزوج حق على صاحبه، وأنه كما أن للزوج حق رعاية البيت والأولاد، وهي راعية في بيت زوجها، فكذلك هو عليه حق النفقة والقوامة والرعاية للبيت.
وأما حديث أسماء: فإنه كان من عادة العرب ما يسمى بالجلوة، أي أن النساء يزين العروس قبل دخول زوجها عليها، حتى تظهر في أحسن زينتها، حتى يرغب بعلها فيها، حتى قال صاحب تحفة العروس: "وينبغي للمرأة التي تتولى جلاء العروس أن تعرض على الرجل جميع محاسنها، تظهر له ما خفي من خضابها وزينتها، فإن أغفلت شيئا من ذلك نبهتها العروس له".
وأما حديث عائشة: فهو واضح الدلالة على تزين أم المؤمنين رضي الله عنها لزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم إهمالها ذلك، بلبس ما يزيدها زينة وجمالا ومحبة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان عند المرأة سعةٌ في المال اشترت ما تتزين به لبعلها من الذهب والورق وهو الفضة، وإن كانت خفيفة اليد فلا بأس فقد كثر في زماننا ما يسمى بالإكسسوارات، وفيها ما يناسب جميع المستويات، فلعل نساء المسلمين يتعلمن من أمهن رضي الله عنها وأرضاها.
وأما حديث جابر: ففيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم الرجل المسافر عن طروق أهله ليلا، أي الرجوع من السفر الطويل والدخول على النساء في الليل ومفاجأة الزوجات، ففيه إرشاد للأزواج ألا يدخلوا على نسائهم وزوجاتهم فجأة عند العودة من السفر أو الغيبة الطويلة حتى تستعد الزوجات لاستقبالهم في أحسن صورة وأجمل هيئة، فإن المرأة المغيبة قد تهمل نفسها فترة غياب زوجها، فإذا دخل عليها فجأة جاء على غير استعداد منها، فربما رأى شيئا يكرهه، فيلقى في قلبه وحشة منها وبغضا لها في قلبه..
وهذا الحديث رواه مسلم أيضا في قصة طويلة يحكيها جابر بن عبد الله قال: (كُنَّا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في غَزَاةٍ، فَلَمَّا أَقْبَلْنَا تَعَجَّلْتُ علَى بَعِيرٍ لي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ خَلْفِي، فَنَخَسَ بَعِيرِي بعَنَزَةٍ كَانَتْ معهُ، فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كَأَجْوَدِ ما أَنْتَ رَاءٍ مِنَ الإبِلِ، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا أَنَا برَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: «ما يُعْجِلُكَ يا جَابِرُ» ؟ قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي حَديثُ عَهْدٍ بعُرْسٍ، فَقالَ: «أَبِكْرًا تَزَوَّجْتَهَا، أَمْ ثَيِّبًا» ؟ قالَ: قُلتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قالَ: «هَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ» . قالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ، ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فَقالَ : أَمْهِلُوا حتَّى نَدْخُلَ لَيْلًا - أَيْ عِشَاءً - كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ» . قالَ: وَقالَ: «إذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ الكَيْسَ».
أي أنهم كانوا في سفر فرجعوا قبل الليل، وأراد الرجال أن يسرعوا بالدخول إلى بيوتهم والرجوع إلى نسائهم، فنهاهم رسول الله، وقال: «أَمْهِلُوا حتَّى نَدْخُلَ لَيْلًا - أَيْ عِشَاءً- كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ»، أي: اصْبِروا وانتَظِروا، ولا تَدخُلوا الآنَ على أهْليكم، حتى يكون دخولنا عِشاءً، أي: بَعدَ صلاةِ العِشاءِ؛ وعلَّلَ ذلك التَّأخيرَ بأن يسمع النساء بقدومنا، ويعلمن بقرب وصولنا؛ فيكون لديهن فرصة من الوقت (كَيْ تَمتَشِطَ الشعثة)، أي: التي تركت الاهتمام بشعرها حتى أصبح شعثا قبيح الهيئة، فتجد فرصةً لكيْ تُهذِّبَ شَعرَ رأسِها وتُجمِّلَه. (وتَستَحِدَّ المُغِيبةُ)، أي التي غاب عنها زوجها فترة طويلة فتركت نظافة نفسها، فتدرك نفسها وتَستخدِمَ المُوسَى لإزالةِ شَعرِ العانَةِ.
والمقصودُ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منَعَهم أنْ يُسرِعوا الدُّخولَ على أهْليهم، وأمَرَهم أنْ يَنتَظِروا إلى اللَّيلِ؛ لكيْ يُعْطوا النِّساءَ فُرصةً لكيْ يَتَجَهَّزْنَ لهم، ويُصْلِحْنَ مِن هَيئتهِنَّ وشُعورهِنَّ، وَتزين ويَتَجَمَّلْنَ لهم، ويَستَعدِدْنَ لاستِقبالِهم.
قال صاحب تحفة العروس تعليقا على حديث جابر هذا:
"وفي هذا الحديث توجيه لطيف وهام للزوجة أن تُعنى بهندامها، ولا تظهر أمام زوجها إلا في أجمل صورة، وكأنها في ليلة عرسها. وكثيرا ما تغفل بعض الزوجات هذه القضية الهامة، فتظهر لزوجها بملابس رثة، مما يسبب اشمئزازه ونفوره".
ترك الزينة شؤم على المرأة:
إن الزينة أدعى لشهوة الرجل، وأملأ لعينه، وأظهر لمحاسن المرأة، وأدوم للألفة والمودة.
قال أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه "أحكام النساء": "إن المرأة تحظى عند زوجها ـ بعد تمام خُلقها، وكمال حسنها ـ بأن تكون مواظبةً على الزينة والنظافة، عاملة بما يزيد في حسنها من أنواع الحلي، واختلاف الملابس، ووجوه التزيين بما يوافق الرجل ويستحسن منها ذلك، ولتحذر كل الحذر أن يقع بصرُ الرجل على شيء يكرهه من وسخ أو رائحة مستكرهة أو تغير مستنكر".
ثم قال: "وإن الخطر في تضييع الزينة عائد عليها خشية أن يتبين لبعلها التقصير منها فتطمح نفسه إلى غيرها. وعليها أن تضاعف زينتها في الأوقات التي ذكرها الله في القرءان ونهى الأرقاء والأطفال من الدخول على الزوجين فيها دون استئذان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ}[النور:58].
مراهقة في غير أوانها:
وبعض الزوجات ـ هداهن الله ـ إذا طالت عشرتها لزوجها، وكبرت سنه وسنها، وكثر الأولاد، أهملت نفسها، وتركت زينتها، بحجة أن الأولاد قد أصبحوا كبارا، أو أن السن لم يعد يسمح، أو أن الرجل لم يعد له رغبة، أو أن زمان مثل هذا قد ولى، وأن هذا لم يعد له قيمة، أو تهمل زينتها اعتمادا على دين زوجها وعمره، وأن مثله لا ينظر إلى حرام أو تطمح نفسه إلى النساء، أو أننا في آخر العمر وينبغي أن يكون اهتمامنا إلى ما هو أكبر من ذلك، أو حتى للاستعداد للقاء الله.. وغير ذلك من الأعذار.
ولا تدري المسكينة أن هذا مصيبة عليها وعلى زوجها، وهو يفتح عليه باب الفتن، وتقليب النظر فيما لا يحل، أو التفكير في الزواج عليها ليعوض ما فقده عندها بحثا عنه عند غيرها.. وهذا هو السبب الأكبر في تفكير كثير من الناس بعد طول عشرة وكبر سن في الزواج على أزواجهن، تظن هي أنه عدم مروءة، أو عدم تقدير للعمر الذي قضته معه، وما قدمته له فيه، أو أنه مراهقة في غير محلها، ولا تعلم أنها سبب هذه المراهقة بترك زينتها وعدم الاهتمام بزوجها.. وهو عين ما حذر منه ابن الجوزي رحمه الله تعالى.
وصايا الآباء والأمهات:
إن من حسن التربية وتمامها أن تنبه الأم ابنتها على ذلك، وأن تأمرها به، وتحثها عليه تمام الحث، وتبين لها أثره، فإن غفلت الأم فينبغي على الآباء القيام بذلك، وقد حملت لنا صفحات الكتب شيئا من هذا المعنى.. فمن ذلك:
وصية عبد الله بن جعفر لابنته قال: "وعليك بالكحل فإنه أزين الزينة، وأطيب الطيب الماء".
وهي وصية أبي الأسود لابنته: "وعليك بالزينة، وأزين الزينة الكحل، وعليك بالطيب، وأطيب الطيب إسباغ الوضوء".
وقالت أمامة بنت الحارث لابنتها في وصيتها المشهورة: "وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لموقع عينيه وأنفه، فلا تقع عينه منك علي قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح".