فضل الصلاة و التحذير من التفريط فيها
الصلاة أعظم شعائر الإسلام بعد الشهادتين، فأتَى في فضْلها من الفضائل ما لم يأتِ في غيرها من بَقيَّة أركان الإسلام، وأتى في ذَمِّ المفرِّط فيها ووعيده ما لم يأتِ في غيرها.
- التصنيفات: فقه الصلاة - نصائح ومواعظ -
الصلاة أعظم شعائر الإسلام بعد الشهادتين، فأتَى في فضْلها من الفضائل ما لم يأتِ في غيرها من بَقيَّة أركان الإسلام، وأتى في ذَمِّ المفرِّط فيها ووعيده ما لم يأتِ في غيرها.
فالصلاة أعظم عون للعبد على ما يهمُّه من أمور دينه ودنياه؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].
فلنبدأ يومنا بصلاة ما تيسَّر من القيام، فنحن ولله الحمد نستيقظ لصلاة الفجر، فلنتقدَّم ونستيقظ قبل الأذان بما تيسَّر ولو بدقائقَ قليلة؛ لنصلِّي ما كُتب قبل أذان الفجر، وسنجد أثَرَه في بقيَّة يومنا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَعْقِد الشيطان على قافية رأْس أحدِكم إذا هو نامَ ثلاثَ عقد، يَضْرِب كلَّ عقدة: عليك ليل طويل فارْقُدْ، فإنِ استيقظ فذكَرَ الله، انحلَّتْ عقدة، فإنْ توضَّأ انحلتْ عقدة، فإنْ صلَّى انحلتْ عقدة، فأصبح نشيطًا طيِّبَ النفْسِ، وإلاَّ أصبحَ خبيثَ النفس كسلان»؛ (رواه البخاري (1142)، ومسلم (776)).
لنصلِّ صلاة الفجر في وقتها جماعة؛ لنكون في عهْد الله وذِمَّته بقيَّة يومنا؛ فعن جُنْدَب بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن صلَّى الصبح، فهو في ذِمَّة الله، فلا يطلبنَّكم الله مِن ذِمَّته بشيءٍ، فيُدْركَه فَيَكُبَّه في نار جهنم»؛ (رواه مسلم (657)).
• الصلاة الخاشعة المستوفية الشروط والأركان من أعظم ما يُتَقوَّى بها على ترْك الشهوات المحرَّمة، وفَطْم النفْس عمَّا تعلَّقتْ به مما لا يرضاه الله؛ {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
ومما يُتَقَوَّى به على ما يهمُّنا مِنْ أُمُور ديننا ودُنيانا صلاة الضُّحى؛ فعن نُعَيم بن هَمَّار الغطفاني أنَّه سَمِع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله عز وجل: يا ابن آدمَ، لا تعجزْ عن أربع ركعات من أوَّل النهار أكْفِكَ آخرَه»؛ (رواه الإمام أحمد (21436))، وغيره بإسناد حَسن.
• فالصلاة من أسباب قوَّة النفْس وقوة العزيمة؛ لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفزَع للصلاة وقتَ الشِّدَّة حينما يقابِل أعداءَه الكُفَّار.
• الصلاة نور في الدنيا والآخرة، فهي نور في القبر والمحْشَر؛ فعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شَطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصَّدَقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حُجَّة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبايِعٌ نفسَه فمُعْتِقُها أو مُوبِقُها»؛ (رواه مسلم (223)).
• فالصلاة من أسباب إنارة البصيرة في الدنيا، فمَن حافَظَ عليها، أنَارَ الله بصيرته ووفَّقه للصواب؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29].
• والصلاة نورٌ في وجْه صاحبها في الدنيا، الصلاة قُرَّة عينِ المتعبِّدين، وأُنْس الصالحين؛ عن أَنَس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حُبِّبَ إليّ من الدنيا النساء والطيِّبُ، وجُعِلَتْ قُرَّةُ عيني في الصلاة»؛ (رواه الإمام أحمد، وغيره (13526) بإسناد حسن).
فإذا كنتَ أخي لستَ كذلك، فاتَّهم نفسَك، واعمل على ما يجعل عينَك تقرُّ بالصلاة، وترتاح في المساجد.
الصلاة تكفِّر صغائرَ الذنوب؛ عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «الصلوات الخَمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكَفِّرات ما بينهنَّ إذا اجْتنبتِ الكبائر»؛ (رواه مسلم (233)).
• الصلاة جماعة من أسباب الثبات، وتَرْكها من أسباب الانحراف؛ فعن عبدالله بن مسعود قال: "مَن سرَّه أن يَلْقَى الله غدًا مسلمًا، فليحافظْ على هؤلاء الصلوات؛ حيث ينادَى بهنَّ، فإنَّ الله شرَعَ لنبيِّكم صلى الله عليه وسلم سُنن الهدى، وإنهنَّ من سُنن الهدى، ولو أنَّكم صلَّيتُم في بيوتكم كما يصلِّي هذا المتخلِّف في بيته، لتركتُم سُنَّة نبيِّكم، ولو تركتُم سُنَّة نبيِّكم، لضللتُم، وما مِن رجلٍ يتطهَّر، فيُحْسن الطهور، ثم يَعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلاَّ كتَبَ الله له بكلِّ خُطوة يخطوها حسَنَة، ويرفعه بها درجة، ويحطُّ عنه بها سيِّئة، ولقد رأيْتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤْتَى به يُهادَى بين الرجلين؛ حتى يُقام في الصف"؛ (رواه مسلم (654)).
والسُّنة في اصطلاح الصحابة: طريقة النبي صلى الله عليه وسلم الواجبة والمستحبَّة، والمراد بالسُّنة هنا الواجبة؛ حيث قرَنَ ابن مسعود الضلالَ بتَرْكها، وأخبر أنَّ ترْكَ الصلاة في المسجد من صفات المنافقين.
صلاة العشاء والفجر جماعة في المسجد تُعادِل ثوابَ قيام الليل كلِّه؛ فعن عبدالرحمن بن أبي عَمرة قال: دخل عثمان بن عفان المسجد بعد صلاة المغرب، فقَعَد وحدَه، فقعدتُ إليه، فقال: يا ابن أخي، سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن صلى العشاء في جماعة، فكأنَّما قام نصف الليل، ومَن صلى الصبح في جماعة، فكأنَّما صلى الليل كلَّه»؛ (رواه مسلم (656))، فهذه غنيمة باردة؛ فلنحافظْ على ذلك.
الصلاة نجاة للعبد في قَبْره ومَحْشره، فمَن حافظَ عليها نَجَا؛ عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه ذَكَر الصلاة يومًا فقال: «مَن حافظ عليها، كانتْ له نورًا وبرهانًا ونَجاةً من النار يوم القيامة، ومَن لم يحافظْ عليها، لم تكنْ له نورًا ولا نجاةً ولا برهانًا، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون، وهامان وأُبَيّ بن خَلَف»؛ (رواه الإمام أحمد (6540))، وغيره بإسناد حسن.
لنحذر من التفريط في الصلوات المفروضة، فالمفرِّط من أهْل الوعيد؛ فعن عُبَادة بن الصامت قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خَمْس صلوات افترضهنَّ الله على عباده، من أحسن وضوءَهنَّ وصلاتهن لوقتهنَّ، فأتمَّ ركوعهنَّ وسجودهنَّ وخشوعهنَّ، كان له عند الله عهْدٌ أن يغفرَ له، ومَن لم يفعلْ فليس له عند الله عهْدٌ؛ إنْ شاء غَفَر له، وإن شاء عذَّبه»؛ (رواه الإمام أحمد (21646)) بإسناد صحيح.
فلنحافظْ على الصلاة في وقْتها، لنحافظ على شروطها من طهارة وغيرها، لنحافظ على أركان الصلاة وواجباتها.
ترْكُ الصلاة بالكُليَّة كُفرٌ أكبر مُخْرِج من الملَّة على أصحِّ القولَيْن؛ لدَلالة الكتاب والسُّنة، وإجماع خيار الأمة؛ يقول ربُّنا - تبارك وتعالى -: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11].
فلا تثبت الأخوَّة الإيمانية بيننا وبين المشركين إلاَّ بالتوبة من الشِّرْك، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والمعلَّق بشرْطٍ ينعدم عند عَدَمه، فمَن لم يُصَلِّ، فليس بمؤمنٍ، وليس بأخٍ لنا في الدِّين.
وعن جابر بن عبدالله قال: سمعتُ رسول صلى الله عليه وسلم يقول: «بين الرجل وبين الشِّرْك والكفر تَرْكُ الصلاة»؛ (رواه مسلم (82)).
فالصلاة حدٌّ فاصل بين الإسلام والكفر والشِّرْك، فمن تَرَكها خرَجَ من الإسلام، ودخلَ في عِداد المشركين الكافرين.
وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على كُفر تارِك الصلاة؛ فعن مُجاهد بن جَبْر عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: قلتُ له: ما كان فرْقٌ بين الكفر وبين الإيمان عندكم من الأعمال على عهْد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: "الصلاة"؛ (رواه الخلاَّل في كتاب "السُّنة" (1379)، بإسناد حسن).
وعن عبدالله بن شقيق العُقَيْلي قال: "كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال ترْكُه كُفرٌ غير الصلاة"؛ (رواه ابن أبي شَيْبة في "المصنف" (11/ 49)، وغيره إسناد صحيح).
فلم يُحْفَظْ عن الصحابة خلافٌ في كُفْر تارك الصلاة، إنَّما الخلاف أتى بعدهم، والعلماء الراسخون في هذه البلاد المباركة وغيرها يفتون بكُفْر تارِك الصلاة، وممن يُفتي بكُفر تارك الصلاة من علمائنا ابن إبراهيم، والشنقيطي، وابن باز، وابن عثيمين.
معاشر الإخوة، ترْكُ الصلاة ليس بالأمر السهل، فلنهْتَمّ بالمحافظة على الصلاة في خاصتنا، ولنهتَم بصلاة مَن تحت أيدينا؛ من الأبناء، والبنات، والزوجات؛ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].
لنهتَمّ بأمر الخطاب، فلا نزوِّج إلاَّ من عَلِمْناه مُحافظًا على الصلوات.
معاشر الأخوات، عليكن بالمحافَظة على الصلاة في أنفسكن، وأْمُرْنَ مَن تحت أيديكن؛ من أبناء وبنات، ابْذُلْنَ قُصارى جُهدكن مع أزواجكن المقصِّرين في الصلاة.
أختي، كيف يهنأ لكِ بالٌ؟ وكيف يلذُّ لك طعامٌ وشراب وأنت تَرَيْنَ زوجَك تاركًا للصلاة، هاجرًا للجُمَع والجَمَاعات؟!
اعلمي - أختي - أنَّ تَرْكَ الصلاة أعظم من الزِّنا، ومِن شُرب الخمر، ومن إدمان المخدرات، أعظم من السفر في الإجازات طلبًا للمُتَع المحرَّمة، فهذه الأعمال من كبائر الذنوب، ويبقى صاحبها في دائرة الإسلام، أمَّا مَن ترَكَ الصلاة، فهو كافر كما تقدَّم، وقد صحَّ عن عمر بن الخطاب أنَّه قال: "لا حظَّ في الإسلام لمن ترَكَ الصلاة"؛ (رواه عبدالرزاق (579)، وابن أبي شَيبة في الإيمان (103)، بإسناد صحيح).
وثبَتَ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنَّه قال: "مَن لم يصلِّ، فهو كافر"؛ روا ابن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (933)، بإسناد حسن - إن شاء الله.
فعلامَ أختي يضيق صدرُك حينما تعلمين أن زوجَك وقَعَ في علاقة مُحرَّمة مع امرأة أو سافَر للخارج طلبًا للمُتعة المحرَّمة، ويحصل بينك وبينه المفاصلة أو الهَجْر؟! أمَّا الصلاة، فالأمر رُبَّما يكون عندك أخف، والواجب العكس، فلتكنْ غَيرتك لله أعظم من غَيرتك لنفسك؛ فابذلي وسْعَك معه، مع اللين والإلحاح على الله بهدايته؛ إن الله لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء.
__________________________________________________________
الكاتب: الشيخ أحمد الزومان