أربع عشرة طريقة لاستغلال أوقات الانتظار
الاستفادة من أوقات الانتظار لها أثر كبير في بناء شخصيَّة الإنسان وتنميتها.."
قد يقول بعضُكم:
هل نحن استفدنا من كلِّ دقيقةٍ من وقتنا، ولَم يبقَ إلاَّ أوقات الانتظار التي هي ضائعة، وتريد منَّا أن نَملأها بالأعمال؟
هكذا قد يتعجَّب البعض من ذلك، ويُظهِر دهشته لهذا العنوان، ولكن إذا علم المرءُ قيمةَ وقته وأهميَّتَه، لم يفرِّقْ في الاستفادة منه في حال دون حال.
أهمية الاستفادة من أوقات الانتظار:
أ - الاستفادة من أوقات الانتظار لها أثر كبير في بناء شخصيَّة الإنسان وتنميتها:
سواء كان ذلك في الجانب الإيماني؛ مثل: الذِّكر والتفكُّر في خلق الله، أو في الجانب العِلمي؛ مثل: القراءة، أو في الجانب الاجتماعيِّ؛ كالاتِّصال بأحد الأقارب عن طريق الهاتف.
ب - لأنَّ أوقات الانتظار أصبحَتْ كثيرةً:
خاصَّة في هذا الزَّمان الذي ازدحَمَت فيه كثيرٌ من المدن والقُرى، ويُعقَّد فيه قضاء الحوائج في بعض الدَّوائر الحكوميَّة، فيجد الإنسانُ أنَّ أوقاتًا كثيرة تذهب ضائعةً في أوقات الانتظار، دون فائدة.
ج - يستطيع الشخص منا أن يحقق عددًا من الأهداف التي يسعى إليها على المدى البعيد:
عن طريق الاستفادة من أوقات الانتظار؛ كتطوير أسلوبك في الكتابة بواسطة قراءة كتب المنفلوطيِّ والرَّافعي، أحمد أمين، والطنطاوي، لا تنظر إلى أنَّ أوقات الانتظار قليلة، لكن انظر إلى تَكْرارها؛ فإنَّما السَّيل اجتماع النُّقط.
وهذه بعض الطُّرق التي تعينك على الاستفادة من أوقات الانتظار:
1 - القراءة:
فالقراءة نعمةٌ عظيمة تنقل للإنسان علومًا ومعارِفَ نافعة، وتجارِبَ مفيدة، فيستطيع المسلمُ أن يقرأ في المجالات التَّالية:
أ - قراءة القرآن: يمرُّ على الكثير من الناس أيامٌ عديدة دون أن يفتح المصحف لأجل القراءة فيه؛ فلماذا لا تفتحه في هذا الوقت لتقرأ شيئًا من كلام ربِّك، وفي ذلك زيادةٌ في حسناتك، وترقيةٌ لإيمانك، واستغلالٌ لفراغك.
ب - القراءة في الموضوعات: التي لا تحتاج إلى تركيزٍ شديد: كالقصص النافعة، كسلسلة الزَّمن القادم لـ"عبدالملك القاسم"، وكتاب "مباحث وفكر" للطنطاوي، وكتاب "صيد الخاطر" لابن الجوزي، وهذا الكتاب فِقْراتُه في الغالب قصيرة، تشبه اليوميَّات التي كان الصحفيُّون يكتبونها في الصحف الصباحيَّة.
ج - القراءة في الحديث النبوي: ككتاب "الأربعين النوويَّة"، و"رياض الصالحين"، و"المتجر الرابح"، و"مختصر صحيح مسلم".
2 - كتابة الخواطر:
احرص على أن يكونَ معك مذكِّرةٌ صغيرة، تكتب فيها خواطِرَك؛ فالخواطر النافعة كَنْز نافعٌ يستفيد منها الأجيالُ اللاَّحقة، وانظر إلى كتاب: "هكذا علَّمتْني الحياة" للسباعي؛ فهو مجرَّد خواطر، لكنه رائع.
3 - الذِّكْر:
وهو من العبادات السَّهلة، العظيمة في الأجر، والأذكار تنقسم إلى قسمين: أذكار مُطْلقة؛ كالتَّسبيح، والتكبير، والتحميد، والتهليل، وهي سائغةٌ في كلِّ وقت، وأذكار مقيَّدة: كأذكار الصَّباح والمساء، والتي بعد الصلوات، فيستطيع المرءُ أن يأتي بها إنْ صادفَ وقْتُها وقتَ انتظار.
4 - كتابة رسالة قصيرة (SMS):
وإرسالها عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني إلى أحد الأصدقاء، ولهذه الرَّسائل أثرٌ كبير في النفوس إنْ أحسنَّا الاستفادةَ منها.
5 - إجراء مكالمة هاتفيَّة مع أحد الأقارب:
تسأله عن أخباره، وتطمئنُّ فيها على حاله، وتُدخل السُّرور على فؤاده، وفي هذا صلةٌ للرَّحِم، وترسيخٌ لعلاقاتك معه، ويكفي في فضل الصِّلة قولُ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "صحيح البخاري" من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: «مَن سَرَّهُ أنْ يُبسَط له في رزقِه، أو يُنْسَأَ له في أثَرِه، فلْيَصِلْ رَحِمَه».
6 - الحفظ:
وهو نعمةٌ كبيرة تساعد الدَّاعية على الإفادة في كلِّ الأوقات، وتسعفه في أصعب الأحوال التي يصعب فيها التحضير والاستعداد، ومن مجالات الحفظ:
أ - حفظ آياتٍ من كتاب الله: فلقد يسَّرَ الله كتابَه للحفظ والتدبُّر، يقول تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}؛ أيْ: سَهَّلناه للحِفْظ، وهيَّأناه للتَّذَكُّر، {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17]؛ أيْ: مُتَّعِظ به، وحافِظ له؟ والاستِفْهام بِمعنى الأمر؛ أَي: احْفَظوه، واتَّعِظوا به، وليس يُحْفَظ مِن كتُب الله عن ظهرِ القلب غيرُه[1]، فيستطيع المسلمُ أن يحفظ الكثيرَ من الآيات؛ إنْ داومَ على استغلال أوقات الانتظار في ذلك، خاصَّة مع تَكْرار ذلك في أوقات الانتظار كلَّ يوم.
ب - حفظ المتون العلميَّة: مثل مَتْن "ألفيَّة ابن مالك" في النحو، أو "التحفة الجزريَّة" في التجويد، أو "ألفية السُّيوطي" في الحديث، ابدأ فقط ببيتٍ واحد كلَّ يوم في أوقات الانتظار، ستجد نفسك بعد فترة زمنيَّة قد حفظت عددًا منها، مع الإتقان الجيد؛ لأنَّ حفظ القليل يساعد على إتقان المَحفوظ.
ج - حفظ الأشعار: الكثير من النَّاس يرغب في السَّماع إلى الأشعار ذات الكلمات السَّهلة والواضحةِ في معانيها، فما أحوجَ الدُّعاةَ إلى استخدام الشِّعر في نُصرة قضايا الأمَّة، وتأييدِ ما يطرحونه بها! فيستطيع القارئ كتابةَ ما يمرُّ عليه من أشعار طيِّبة المعاني، ويحفظها في أوقات الانتظار، وهي تساعده في إلقاء درسٍ أو موعظة، أو كتابةِ مقال أو خاطرة.
7 - الاستماع إلى المُحاضرات والدُّروس:
عن طريق الهاتف المَحمول، أو الحاسوبِ الشَّخصي، ومن نعمة الله علينا تنوُّع أساليب الدُّعاة في الإلقاء، فيستطيع المرء أن يستمع إلى مَن يروق له من الدُّعاة، ولا أظنُّ أن ذلك يعدُّ عيبًا.
8 - الدعوة إلى الله:
عن طريق تقديم نصيحةٍ، أو تذكيرٍ لشخص صادفَ لقاءك، ويحسن الاختيار الجيِّد لبداية الحوار، وهذا يقتضي الحكمة لمعرفة حال المدعوِّ، وما النُّقطة التي نبدأ منها؟ وهذا يحتاج إلى تأمُّل وفِراسة.
9 - مُحاسبة النَّفس:
في ظلِّ الغفلة التي يعيش فيها الكثير، يحتاج المرء إلى إعادة حساباته، والوقوف مع النَّفس وقفةً، ليعرف أين وصل؟ وهل أنا قدَّمت ما يستحقُّ التقديم، وأخَّرتُ ما استحقَّ التأخير؟ وكيف حالي مع الله، ومع سُنَّة رسول الله؟ وماذا قدَّمتُ لديني ودعوتي، وأمَّتي، وكيف علاقاتي مع والدي وزوجتي وأولادي؟ فما أعظمَها من وقفة طيِّبة! لو وقفَها المرءُ مع نفسه في أوقات الانتظار، لكان لها الأثَرُ الكبير في إصلاح النَّفس، وتقوية الإيمان.
10 - التَّوبة:
قد يَعْجب البعض من هذا الاقتراح، ولكن سرعان ما يزول هذا العَجب إن عرفَ أنَّ التوبة هي وظيفةُ العمر؛ يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "ومَنْزل التَّوبة أوَّل المنازل، وأوسَطُها، وآخِرُها، فلا يفارقه العبد السَّالك، ولا يزال فيه إلى الممات، وإن ارتحل إلى منزلٍ آخَر ارتحل به، واستصحَبَه معه ونزل به؛ فالتَّوبة هي بداية العبد ونهايته، وحاجته إليها في النِّهاية ضروريَّةٌ، كما أنَّ حاجته إليها في البداية كذلك، وقد قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]"[2]، فالمرءُ قلَّ أن يخلو من مَعاصٍ، فيحتاج إلى تجديد التَّوبة.
11 - سماع الإذاعات النافعة؛ مثل إذاعة القرآن:
التي تبثُّ من مصر والسعوديَّة، وغيرها، وقد توفَّرَت هذه الخاصية في الكثير من أجهزة الهاتف، لكن لا بدَّ من مُراعاة عدم إزعاج الآخَرين.
12 - كتابة فكرةٍ من الأفكار النافعة:
التي قد تكون عنوانَ كتاب، أو موضوعًا لِمُحاضرة، أو شبهةً طرأَتْ فيعرضها على أحد العلماء، أو وسيلة دعويَّة، أو طريقةً لتطوير عمله الدُّنيوي، والفكرة كالصَّيد؛ إن لم تُقيَّد بكتابة، فستذهب سُدًى - إلاَّ أن يشاء الله.
13 - التفكير في موضوعٍ نافع:
مثل اتِّخاذ قرارٍ تتردَّد في القيام به، أو موضوعٍ عزَمْتَ على القيام به، فتُفكِّر في إيجابيَّات هذا الموضوع وسلبيَّاته، ثم تقرِّر، وإن كنتَ قد اتَّخذتَ القرار، ففكِّر في أفضل الطُّرق الموصلة إليه.
14 - النِّية الصالحة: فكِّر في عملٍ نافع، واعقِد النيَّة على القيام به:
واستحضِرْ هذه النيَّة الصالحة؛ فالنِّية الصالحة لها أجرٌ عظيم عند الله، قال بعض السَّلف: رُبَّ عملٍ صغير تعظِّمه النية، ورُبَّ عمل كبير تصغره النية، وقال يحيى بن كثير: تعلَّموا النية؛ فإنَّها أبلَغُ من العمل[3].
هذه بعض الأفكار النَّافعة، لم يبق أمامك إلاَّ أن تختار أحدها لتبدأ به؛ لعلَّ ذلك ينفعك، فإن كان ذلك، فلا تنسَ أخاك "أحمدَ" بدعوةٍ صالحة.
[1] "تفسير الجلالين"، ص 706، طبعة 1، دار الحديث بالقاهرة، بتصرف يسير جدًّا.
[2] "مَدارج السالكين" ج 1 ص196، ط3 لدار الكتاب العربي بيروت، 1416هـ، 1996م.
[3] "البحر الرائق في الزُّهد والرقائق" للشيخ أحمد فريد، ص 21، ط الدار السلفية بمصر، 1428هـ 2007م.
____________________________________________
الكاتب: أحمد نصيب علي حسين
- التصنيف: