الإسلاميون وأعباء الوصول للحكم

منذ 2011-12-17



الإسلاميون بالمغرب في وقت تعم فيه الفرحة أنصار التيار الإسلامي احتفالاً بالانتصارات المتوالية في الانتخابات بأكثر من بلد عربي واقترابهم من تولي الحكم بعد عقود طويلة من الإقصاء والاضطهاد, تنتاب العديد من أبناء التيار الإسلامي مخاوف شديدة تجاه الأعباء والمسؤوليات الضخمة الملقاة على عاتقهم بعد هذه الثقة العظيمة التي حصلوا عليها من شعوبهم في وقت تنتظر فيه هذه الشعوب من ينتشلها من ظلمات الفقر والمرض والجهل التي أغرقتها فيه الأنظمة المستبدة التي كانت تزعم محاربتها للإسلاميين لكي يعيش الشعب "حياة رغدة"!! ثم اتضح أن الحياة الرغدة كانت من نصيبهم هم وأولادهم وأقربائهم وحاشيتهم بعد أن استولوا على خيرات الشعوب وهربوها للخارج، وها هي الشعوب تعود للإسلاميين طالبة منهم إصلاح ما أفسده الظالمون وأتباعهم!! المسؤولية ضخمة والأعباء لن تقتصر على الأحوال المتردية الناتجة عن استمرار حكم الفاسدين لعشرات السنوات دون إصلاح أو تطوير حقيقي وتراجع جميع معدلات النمو، ووصول هذه البلدان إلى حافة الإفلاس، ولكن أيضاً لأن إزالة هذه الأنظمة أدى إلى عدم الاستقرار وهو ما ساهم في مزيد من تدهور الأوضاع، خصوصاً مع ضبابية المشهد اللاحق لسقوط هذه الأنظمة، وتدخل العديد من الأطراف لإعاقة انتقال السلطة بشكل سلس, ولكن الخطورة الحقيقية ستأتي من هؤلاء الذين لا يريدون للتيار الإسلامي أن ينجح في مهمته مهما كان الثمن!! لأن في ذلك نهاية لحلمهم السلطوي والفكري, هؤلاء أخطر بكثير من جميع الأوضاع السيئة التي تركتها الأنظمة البائدة!!

سيسعى هؤلاء بكل ما أوتو من قوة للتثبيط واصطياد الأخطاء وتحريض الشعب على عدم الصبر والمطالبة الفورية بكل حقوق، وتلمس الهفوات من هنا وهناك لتشويه الصورة, هؤلاء الطابور الخامس سيناضلون من أجل إثبات صحة ادعاءاتهم بأن التيار الإسلامي ليس عنده من البرامج التي تؤهله لينهض بالأمة! وأنه سيتفرغ لضرب المتبرجات في الطرق وقطع أيدي الفقراء الذين يسرقون رغيف الخبز!! وسيستعدون الخارج لفرض رقابة وحظر على هذه الأنظمة الإرهابية التي تعادي حقوق الإنسان!! لاحظ أن من حقوق الإنسان عندهم إباحة الشذوذ والزنا والخمر والعري في الفن وعلى الشواطئ! وطبعاً سيجد في الخارج ألف مجيب ومجيب على مطالبه وادعاءاته؛ فلا يغتر أحد بالتصريحات الوردية التي يدلي بها السياسيون الغربيون بشان اعترافهم بنتائج الانتخابات مهما كان الفائز فيها والتعاون مع أي حكومة يريدها الشعب؛ فهذه تصريحات من أجل الاستهلاك الإعلامي ولإخفاء الوجه القبيح للغرب, ولكن انتظر حتى تعارض الحكومات الإسلامية القادمة مصالح الغرب التي تأتي غالباً على حساب الشعوب الفقيرة، وعندئذ تنطلق حملة الاتهامات والأكاذيب، وسيجدون من يفرش لهم الورود في الداخل من الذين يقيمون سرادقات العزاء الآن على قنواتهم بعد فوز الإسلاميين, ومن أصحاب دكاكين حقوق الإنسان الذين اغتنوا من المال الغربي الذي تدفق عليهم بغزارة بعد الثورات لتوجيه المجتمع بعيداً عن هويته.

المسؤولية كبيرة، والإسلاميون أهل لها، ولكن ليس بالنوايا الطيبة وحدها تنجز الأعمال! فالأمر يحتاج إلى شحذ الجهود ووضع خطط واضحة وإطلاع الشعب على حقيقة الأمور وخطوات الخروج من المأزق حتى يكون معه في خندق واحد خلال معركة التنمية, مع الاستعانة بجميع الخبرات المتاحة في المجتمع بشرط صدق نواياها في الإصلاح.

الصراحة والتعامل مع المشاكل بموضوعية وترتيب الأولويات من الأمور التي ستساعد كثيراً في الإنجاز، وهي الأمور التي كانت دائماً غائبة عن أنظمة الحكم السابقة, كما أن القرب من جميع الطبقات والشعور بمشاكلها سيؤدي إلى تضافر الجميع للوصول بالمركب إلى بر الأمان.

من أكثر الأمور التي يتخوف البعض ممن أدلى للإسلاميين بصوته منها هي أن يتقاتل الإسلاميون فيما بينهم عند الوصول للحكم كما كان يفعل العلمانيون! وأن يتحزبوا لجماعاتهم وكياناتهم ويقدموا مصالحها على مصلحة الوطن، وهو تخوف مشروع نتج عن رؤية بعض الممارسات السلبية في العملية الانتخابية وقبلها في مجال الدعوة، وعلى الإسلاميين أن يبرهنوا على نضجهم وتجاوز جميع الحدود الضيقة والعصبيات التي يمكن أن تعيقهم في الوصول لما تصبوا إليه شعوبهم وتخسف بتجرتهم وهي في مراحلها الأولى, وليتخذوا من حزب العدالة والتنمية التركي أسوة لهم في قضية الإصلاح الاقتصادي، والتي تمكن من خلالها من تحييد المعادين له في المؤسسة العسكرية والقضائية، واكتساب شعبية جديدة في الشارع مما جعله يبقى في السلطة لثلاث دورات متتالية لأول مرة في تاريخ تركيا الحديث.

المصدر: خالد مصطفى
  • 1
  • 0
  • 1,339

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً