رسالة إلى نساء أهل السودان (الحرب في السودان)

منذ 2024-02-23

فصبرًا يا نساء السودان المؤمنات بالقضاء والقدر خيره وشره، أعلم أن المصاب جَلَل، فقد تعدَّدت المصائب، فهناك من كان مصابهم في المال، وهنالك من كان في النفس، وهنالك من كان في الديار، وهنالك من كان في كل شيء؛ لكن يجب أن نتفكَّر في أن من أركان الإيمان الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره.

الحمد لله رب العالمين، خالق الخلق مدبر الكون، مدبر الأمر من السماء إلى الأرض، الذي يرى كلامنا، ويسمع نجوانا، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، لا تشغله مسألة عن مسألة، هو قوتنا وعزتنا، فحسبنا الله جل في علاه.

 

قديم النعم الذي هدانا للإسلام، وأنار الطريق بالإسلام، ونهى عن وأْدِ البنات، فكَرَّم المرأة، وجعل لها الحقوق، فهي أُمٌّ بِرُّها يُدخِل الجنة، وبنت حسن تربيتها يدخل الجنة، وزوجة حسن تبعُّلها لزوجها يدخلها الجنة.

 

والصلاة والسلام على النبي الكريم، الصابر المحتسب ذي الخلق العظيم، النبي القوي الأمين الذي علَّمنا التفاؤل، علمنا أن مع العسر يسرًا، وبشَّرَنا بأن من صبر واحتسب يرحمه الله ويهديه، فصلوات ربي وسلامه عليه.

 

فالمرأة المسلمة المؤمنة هي وعاء الأمة الصالح التي تنشر الأمل والصلاح والرحمة والعقيدة الصحيحة والوعي، فهي واعية حكيمة ذات قلب جميل.

 

قال الله الرحيم الحكيم المُنعِم الرحمن الودود اللطيف جل في علاه في القرآن الكريم المعجز: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].

 

فصبرًا يا نساء السودان المؤمنات بالقضاء والقدر خيره وشره، أعلم أن المصاب جَلَل، فقد تعدَّدت المصائب، فهناك من كان مصابهم في المال، وهنالك من كان في النفس، وهنالك من كان في الديار، وهنالك من كان في كل شيء؛ لكن يجب أن نتفكَّر في أن من أركان الإيمان الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره.

 

ونحتسب ونتذكَّر بشرى الله لنا حين قال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].

 

حين يبشركِ أحد من الناس وأنتِ تحسنين الظن به يَسعد قلبك؛ لأنك تعلمين أن هذا الإنسان يحمل لك كل خير وبشرى صادقة جميلة، ولله المثل الأعلى، فكيف بالله جل في علاه الذي خلقك وكثيرًا ما دبر أمرك في السراء والضراء؟! أتراه يتركك؟!

 

فكيف ببشراه تكون جل في علاه؟! أرحم الراحمين الذي أخرج يونس من بطن الحوت، وشفى أيوب، وأخرج من في الغار، ونصر رسول الله محمدًا حين أخرجه قومه من مكة، فعاد إليها منتصرًا فرحًا بنصر الله، وقد ثبَّته الله ونصره وأيَّده بنصرٍ من عنده.

 

تذكَّري حين كنتِ في أشد الكربات، حين يمرض طفلك مَن يشفيه؟! وحين كنتِ أحيانًا لا تجدين طعامًا وفجأة يرزقك الله من حيث لم تحتسبي، فمَن رزقك حينها؟! وحين يأتي وقت الامتحانات وكنت تدعين الله لينجح أبناءك، فمن ينجحهم حينها؟! وحين تُذنبين فتخافين وتستغفرين، إلى من تدعين وتحسنين الظن بأنه سيغفر لك؟! وحين تستيقظين من النوم وأنت في صحة وعافية من تشكرين؟! وحين وحين {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18].

 

أتراه يتركك الآن وهو المنعم عليك قديمًا، ولا زال ينعم ويتفضَّل عليك.

 

احمدي الله أن المصاب ليس في الدين؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من المصيبة في الدين، فيقول: (( «اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا» )).

 

أدري أن الكثيرات منكن قد انتقلن إلى مدن أخرى عندما جاءت الحرب ومنكن من انتقلت إلى خارج السودان.

 

أدري أن هنالك من انتقلن إلى مدن غير مدنهن باحثات مع أسرهن عن الأماكن الأكثر أمانًا، ولعل منكن من وجدت بيئة غير بيئتها، وربما همز ولمز، وربما معاناة وظلم، لكن قد تماشيتن جبرًا مع هذا الوضع المحزن وأنتن تتذكرن دياركن وأحياءكن ووضعكن الذي كنتن فيه؛ لكن أقول: نعم، إنه أمر محزن ومؤلم، وستحزنين تارةً، وتتماشين تارةً، وربما تنهمر دموعك تارة؛ لكن هذا قضاء الله وتذكري {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6].

 

ربما الكثير منَّا قد أنساه الشيطان الاحتساب وتذكُّر نعم الله السابقة، وأنكن قد خرجتن أحياء من هذه الحرب، ففضل الله علينا كبير جدًّا، ولتتذكرن يا غاليات أن الله لطيف ودود، والله إنه يسمع نجواكن، ويرى دموعكن؛ لكنه ابتلاء، ولعله لنعود أكثر ثباتًا في الدين.

 

فكري بإيجابية، قولي هذا ابتلاء، ساعدني يا ربي لأصبر صبرًا تحبه وترضاه، وتجازيني به خيرًا، فخيرك ليس كغيرك، أنت ملك الملوك، مالك الكون، الملك ملكك، والأمر أمرك، والرزق منك، والخير منك، ورحمتك سبقت غضبك.

 

لا تستسلمي لهذه الحرب، علِّمي أبناءك وأهلك أن هذا ابتلاء وسيزول، استغفري وعودي إلى الله أكثر.

 

كوني إيجابيةً واعيةً متفائلةً، طوِّري نفسَك، كل يعلم مقدرته، كوني أنتِ الطاقة الإيجابية.

 

ألا تتذكرين قصة أُمِّنا أُمِّ سلمة رضي الله عنها زوجةِ رسول الله حين أشارت على النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، فكان رأيُها حكيمًا واعيًا.

 

استخدمت الطاقه الإيجابية المشورة الحسنة، لم تيأس، لم تحزن؛ بل استخدمت عقلها ووفَّقها الله في ذلك عندما رأى الله صدقها، فكانت نعم المشورة الصادقة من المرأة الصالحة أُمِّنا أم سلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

فلعل كلمة طيبة منكِ صادقة لإحداهن تكون بلسمًا وتغييرًا إيجابيًّا في ظل هذه الحرب، فيكتبها الله لك في ميزان حسناتك.

 

فيا أيتها المؤمنة، اصبري ولا تستسلمي، انشغلي بالطاعات وأشرقي، فحربُ السودان ليست نهاية العالم بل ابتلاء في دولة من دُول العالم.

 

أنتِ الشُّجاعة المؤمنة الصبورة التي كثيرًا ما قد ثبَّتِّ غيرَك قديمًا في شتى المواقف.

 

أنتِ الأم، أنتِ الأخت، أنتِ الخالة، أنتِ كل الطيبة والحنان.

 

أرجوكِ اثبتِ إذا كانت الشوكة التي تصيبك فتحتسبين يُكفر الله بها خطاياك، ويرفع درجتك، فكيف بالحرب؟! وقد سُرقت فيها الديار، وتشتَّت الناس؛ بل حتى لعل أفراد أسرتك الواحدة قد تشتَّتُوا في شتى بقاع الأرض، تخيَّلي وأنتِ تحتسبين كل ذلك وكل الألم والحزن الذي أصابك كم هو أجرك عند الله! لن تتخيليه؛ لأن الله الرحيم قال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].

 

فكوني قوية أينما أنتِ سواء قدر الله وكنتِ في إحدى مدن السودان أو خارج السودان، ثقي بالله واثبتِ، وقوِّي صلتك بالله، وتذكري ليس لها من دون الله كاشفة.

 

واعتصمي بالله وأشرقي أينما أنتِ، فأنت درع هذه الأمة؛ بل قلبها ووعاؤها الصالح، فكوني صالحةً مصلحةً وجدِّدي التوبة دومًا.

 

وابتعدي عن مجالس الغيبة والنميمة؛ فليس فيها غير الذنوب والهم والغم.

 

أشرقي ولتَخرجي من حرب السودان مؤمنةً صابرةً محتسبةً متفائلةً، منجزةً ثابتةً، فحسبُنا الله ونعم الوكيل.

 

ارجعي إلى وردك إلى المصحف الذي انشغلتِ عنه بهَمِّ الحرب، اعتني بنفسك، اعتني بقلبك؛ لكي يكون سليمًا.

 

ارجعي إلى الدعاء الذي ربما تركتِه تارةً بعد أن أحبطك الشيطان، وتذكَّري قول الذي لا يعجزه شيء الله مالِك الملك في كتابه العظيم {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53].

 

ارجعي إلى التحصين بأذكار الصباح والمساء، وتذكَّري إن انقطعت كل شبكات الاتصال ليس في السودان فقط؛ بل في العالم، فإن لنا ربًّا رحمته وسعت كل شيء فتمسَّكي بالله.

 

وتذكَّري حين انقطاع الكهرباء في السودان في أي مدينة كنتِ تذكري ظلمة يونس في بطن الحوت وهو يذكر الله ويقول: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]، فاذكري الله {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] وتذكَّري كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" فلا معبود بحق إلا الله.

 

لا ناصر إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا حول ولا قوة لنا إلا بالله.

_____________________________________________________
الكاتب: أمل محمد

  • 6
  • 0
  • 387

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً