في بيان الأيام التي يكره أو يحرم صيامها
ويُكره تقدُّم رمضان بصوم يوم أو يومين؛ لقوله ﷺ -:«لا تقدِّموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه»؛ (متفق عليه).
يُكره إفراد رجب بالصوم، والجمعة، والسبت، أما رجب، فلما روى أحمد - رحمه الله - عن خرشة بن الحر، قال: رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام، ويقول: كلوا! فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية.
وبإسناده عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان إذا رأى الناس وما يعدونه لرجب، كَرِهه وقال: (صوموا منه وأفطروا).
وأما الجمعة، فِلمَا ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم»؛ (رواه مسلم).
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يصومنَّ أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده»؛ (متفق عليه).
وأما السبت، فلِما روي عن عبد الله بن بسر عن أخته - رضي الله عنهما - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة، أو عود شجرة، فليَمضغه»؛ (رواه الخمسة إلا النسائي).
ويُكره تقدُّم رمضان بصوم يوم أو يومين؛ لِما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقدِّموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه»؛ (متفق عليه).
ويُكره صوم الدهر؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا صام من صام الأبد»؛ (متفق عليه).
ولمسلم من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - بلفظ: «لا صام ولا أفطر»، ويكره صوم النيروز والمهرجان وكل عيد للكفار، أو يوم يفردونه بالتعظيم؛ لما فيه من موافقة الكفار في تعظيمها؛ قال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: من تأسى ببلاد الأعاجم نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت، حُشر معهم.
قال الشيخ وغيره: ما لم يوافق عادةً أو يصمه عن نذرٍ ونحوه، قال: وكذلك يوم الخميس الذي يكون في آخر صومهم كيوم (عيد المائدة)، ويوم الأحد الذي يسمونه (عيد الفصح)، و(عيد النور)، و(العيد الكبير)، ونحو ذلك ليس للمسلم أن يشابههم في أصله ولا في وصفه.
وقال: لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا في شيء مما يختص بأعيادهم؛ لا من طعام، ولا من لباس، ولا اغتسال، ولا إيقاد نيران، ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك، ولا تمكن الصبيان ونحوهم من اللعب التي في الأعياد، ولا إظهار زينة.
وبالجملة ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام، لا يخصه المسلمون بشيء من خصائصهم.
وتخصيصه بما تقدَّم لا نزاع فيه بين العلماء، بل قد ذهبت طائفة من العلماء إلى كفر من يفعل هذه الأمور، لما فيها من تعظيم شعائر الكفر؛ لأنهم أعداء الله والمسلمين، ولا يألون جهدًا فيما يضر المسلمين.
شعرًا:
توقَّ معادات الإله فإنها *** مكدرة للصفو في كل مشرب
آخر:
إذا وترت امْرَأً فاحذَر عداوته *** من يزرع الشوك لا يحصد به عنبَا
إن العدو وإن أبدى مسالمـــةً *** إذا رأى منك يومًا غرةً وَثَبَــــــــــا
آخر:
وما غربة الإنسان في شقة النوى *** ولكنها والله في بلد الكفر
وقد اشترط عمر والصحابة وسائر أئمة المسلمين ألا يظهروا أعيادهم في ديار المسلمين، فكيف إذا أظهرها المسلمون؟ حتى قال عمر بن الخطاب: لا تتعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم، وإذا كان كذلك، فكيف بمن يفعل ما يسخط الله به عليهم مما هو من شعائرهم؟ وقال عمر: ما تعلم رجل الفارسية إلا خب، ولا خب إلا نقضت مروءته.
وقد قال غيرُ واحد من السلف في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72]، قال: أعياد الكفار، فإذا كان هذا في شهودها من غير فعلٍ، فكيف بالأفعال التي هي من خصائصها؟!
وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسند والسنن أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم»، وفي لفظ: «ليس منا من تشبَّه بغيرنا»، وهو حديث جيد، فإذا كان هذا في التشبه - وإن كان من العادات، فكيف التشبه بهم فيما هو أبلغ من ذلك؟
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرًا قويًّا بينًا بحسب تلك اللغة، وقال في اقتضاء الصراط المستقيم: عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن يُحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالعجمة، فإنه يورث النفاق»، قال ابن القيم - رحمه الله - على حديث: «من تشبه بقوم فهو منهم»؛ أي: بالاندماج، وتلاشت شخصيته فيهم، فما يكون ذلك إلا عن تعظيم وإكبارٍ لهم، فهو لذلك يلغي شخصيته، ويتلاشى في شخصية الآخرين، فمن تشبه بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بإلغاء شخصية الجاهلية السفيهة، واندمج في معنوية الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه علمًا وعملًا واعتقادًا وأدبًا، فهو بلا شك منهم.
ومن تشبع بالإفرنج في لباسهم وأخلاقهم ونُظمهم ومعاملتهم، فهو بلا شك إفرنجي غير مسلم، وإن صلى وصام، وزعم أنه مسلم، فلهذا التشبه ونتائجه الدينية والدنيوية نرى المعظمين للنصارى والوثنيين الحريصين على التشبه بهم، والاندماج فيهم، يعاونونهم على الضرر بدينهم وبلادهم وأممهم عن قصد وعن غير قصد؛ اهـ.
ويُكره وصالٌ إلا من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لِما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال، فقال رجل من المسلمين: فإنك تواصل يا رسول الله، فقال: «وأيكم مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني»، فلما أَبَوْا أن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يومًا ثم يومًا، ثم رأوا الهلال، فقال: «لو تأخر الهلال لزدتكم». كالمنكِّل لهم، حين أبوا أن ينتهوا؛ متفق عليه.
ولا يجوز صوم العيدين عن فرض أو تطوُّع، وإن قصد صيامها كان عاصيًا، ولا يجزئ عن الفرض، ولا يجوز صيام أيام التشريق إلا عن دم متعة وقران؛ لما ورد عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم النحر؛ (متفق عليه).
وروى أبو عبيد مولى أزهر قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: (هذان يومان نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامهما، يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم)؛ (متفق عليه).
وأما أيام التشريق، فلما رُوي عن نبيشة الهذلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل»؛ (رواه مسلم).
وعن عائشة وابن عمر - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (نهى عن صوم خمسة أيام في السنة: يوم الفطر، ويوم النحر، وثلاثة أيام التشريق)؛ (رواه الدارقطني).
اللهم نَجِّنا برحمتك من النار، وعافينا من دار الخزي والبوار، وأدخلنا بفضلك الجنة دار القرار، وعامِلنا بكرمك وجودك يا كريم يا غفار، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالعزيز السلمان
- التصنيف: