الجنة لمن أحصى أسماء الله الحسنى
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إن لله تسعةً وتسعين اسمًا مائةً إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة»؛ (صحيح البخاري: 2736، مسلم: 267).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعةً وتسعين اسمًا مائةً إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة»؛ (صحيح البخاري: 2736، مسلم: 267).
الشرح:
قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]، وقد علَّمها لنا النبي صلى الله عليه وسلم، وحرَص على إيضاحها.
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن لله تعالى تسعةً وتسعين اسمًا، وأن من أحصاها فحفظها في صدره وعرَفها، دخل الجنة؛ جزاءً على هذا الحفظ والإحصاء، أو المراد بإحصائها وحفظها الإحاطة بها لفظًا ومعنًى، أو دعاء الله بها؛ لقوله تعالى: {فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]؛ وذلك بأن تجعلها وسيلةً لك عند الدعاء، فتقول: يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، وما أشبه ذلك، وقيل: أن تتعبَّد لله بمقتضاها، فإذا علِمَتَ أنه رحيم تتعرض لرحمته، وإذا علمت أنه غفور تتعرض لمغفرته، وإذا علمت أنه سميع اتَّقيتَ القول الذي يغضبه، وإذا علمت أنه بصير اجتنبت الفعل الذي لا يرضاه.
فهذا الحديث مخرَّج في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام، وله لفظان؛ أحدهما: (من أحصاها)، واللفظ الثاني: (من حفظها، دخل الجنة)، معنى أحصاها: يعني: حفظها، وأتقنها دخل الجنة، وإحصاؤها يكون بحفظها، ويكون بالعمل بمقتضاها، أما لو أحصاها وهو لا يعمل بمقتضاها، ولا يؤمن بها، فإنها لا تنفعه، فالإحصاء يدخل فيه حفظها، ويدخل فيه العمل بمعناها، فالواجب على من وفَّقه الله لإحصائها وحِفْظِها أن يعمل بمقتضاها، فيكون رحيمًا، ويكون أيضًا عامًلا بمقتضى بقية الأسماء، يؤمن بأن الله عزيز حكيم، رؤوف رحيم، قدير، عالم بكل شيء، ويؤمن بذلك، ثم يراقب الله، ويخاف الله، فلا يصر على المعاصي التي يعلمها ربه، بل يحذر المعاصي ويبتعد عنها، وعن الكفر بالله كله بأنواعه، إلى غير ذلك.
فهو يجتهد في حفظها مع العمل بمقتضاها؛ من الإيمان بالله، ورسوله، وإثبات الصفات، والأسماء لله، على الوجه اللائق بالله، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، يعلم أنها حق، وأنها صفات لله، وأسماء لله، وأنه سبحانه الكامل في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، لا شبيه له، ولا مِثْلَ له؛ كما قال عز وجل في كتابه العظيم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1 - 4].
يؤمن بهذا، وأنه صمد، لا شبيه له، تصمُد إليه الخلائق، وتحتاج إليه، وهو الكامل في كل شيء، وأنه لم يلد ولم يولد، وأنه لا كُفُؤَ له، لا في صفاته، ولا في أفعاله، ليس له كفؤ ولا مثيل، ولا سَمِيَّ؛ قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، وقال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]، فهو سبحانه لا سَمِيَّ له، ولا شبه له، ولا كفؤ له، ولا ندَّ له، هو الكامل في كل شيء، في علمه، وفي ذاته، وفي حكمته، وفي رحمته، وفي عزته، وفي قدرته، وفي جميع صفاته عز وجل.
فمن أحصاها علمًا وعملًا، وحفِظها علمًا وعملًا، أدخله الله الجنة، أما إذا أحصاها، وحفظها، لكن قد أقام على المعاصي والسيئات، فهو تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذَّبه بمعاصيه، ثم بعد تطهيره من المعاصي يخرجه الله من النار إلى الجنة، إذا كان مات على التوحيد والإسلام؛ كما قال الله سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31]، فهذا خطاب لأهل الإسلام، بل لجميع الناس: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31]، والكبائر تشمل الشرك، وأنواع الكفر، وتشمل المعاصي التي حرم الله، وجاء فيها اللعن، والغضب، والوعيد من الكبائر.
فعلى العباد من الرجال والنساء أن يجتنبوها؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ - يعني: الصغائر - وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفَّارات لِما بينهن إذا اجتنب الكبائر»، وفي لفظ: «ما لم تُغْشَ الكبائر»؛ كالزنا، والسرقة، والعقوق للوالدين، أو أحدهما، وقطيعة الرحم، وأكل الربا، والغِيبة، والنميمة، والتولي يوم الزحف، والسحر، إلى غير هذا مما حرَّمه الله من الكبائر.
والمقصود: أن إحصاء الأسماء الحسنى وحفظها من أسباب السعادة، ومن أسباب دخول الجنة لمن أدى حقها، واستقام على طاعة الله ورسوله، ولم يُصِرَّ على الكبائر.
الخلاصة:
هذا الحديث فيه بيان أن أسماء الله الحسنى منها تسعة وتسعين اسمًا، مَن حفِظها وآمن بها، وعمل بمدلولها فيما لا يختص به سبحانه، فله الجنة، ويجوز القسم بأي واحد منها، وانعقاده بها، فاليمين التي تجب بها الكفارة إذا حنث فيها هي اليمين بالله تعالى، والرحمن الرحيم، أو بصفة من صفاته تعالى، كوجه الله تعالى وعظمته وجلاله وعزته.
معاني الكلمات:
من أحصاها: المراد بإحصائها هو حفظها، والإيمان بها، وبمقتضاها، والعمل بمدلولاتها فيما لا يختص به سبحانه.
الجنة: هي الدار التي أعدَّ الله فيها من النعيم ما لا يخطر على بال لمن أطاعه.
من فوائد الحديث:
اليمين بالله تعالى منعقدة بأسماء الله الحسنى؛ كالرحمن والرحيم والحي، وغيرها باتفاق.
الحديث ليس فيه حصر لأسمائه تعالى بالاتفاق، وإنما المقصود منه أن هذه التسعة والتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة.
فيه عظمة الله تعالى؛ لأن تعدد الأسماء يدل على عظمة المسمَّى.
فيه التشجيع على الاجتهاد في طلب الأسماء الحسنى؛ لأنها أبهمت.
من إحصاء الأسماء الحسنى الدعاء بها.
______________________________________________________
الكاتب: الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
- التصنيف: