الله يحب المحسنين
الحياة فتنٌ والثبات عزيز، الثبات لا يكون بكثرة الاستماع للمواعظ، إنما يكون بفعل المواعظ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا}
الحمدُ لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحاتُ، وبفضله وكرمه تَزداد الحسناتُ وتُغفر الزلاتُ، أحمَده - سبحانه - على ما أَولى وهدى، وأشكُره على ما وهَب وأعطى، لا إله إلا هو العلي الأعلى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى ذو الخلق الأسمى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أُولي النهى والتقى والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فاتقوا الله ربكم واشكروا له: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5].
فأوصيكم أيُّها الصائمون ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتَّقوا الله، واجعَلوا مراقبتَكم لمن لا تَغيبون عن ناظرِه، واصرِفوا شكرَكم لمن لا تنقطِع عنكم نعمُه، واعمَلوا بطاعةِ من لا تَستغنون عنه، وليكُن خضوعُكم لمن لا تخرجُون عن مُلكِه وسلطانه، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 235].
ما أروعَ القلوب إذا تعلَّقت بخالقها، ما أجملَ الأجساد إذا انتصَبت لبارئها، ما أحلى العيون إذا مُتِّعت بكلام ربِّها! ما أعذب اللسان إذا كان يسبِّح بجلال الله وعظمته!
رمضان يعيشنا خشية المتهجدين وأسمعنا أنات الخائفين، رمضان يعيد لنا الأملَ والثقة، وأننا أمةُ خيرٍ وإحسان، أمة تسبيح وقرآن، أمة بيوتها المساجد، وأنسها خدمة المسلمين، رمضان علَّمنا أننا أقوياءُ أمام الشهوات والمغريات، لا جبناء نذِل ونتَّبع نَعيقَ التافهين من شياطين الإنس والجن، رمضان أعطى درسًا لكل منافق وناعقٍ ممن يريدون أن يذهب حياءُ النساء، وتموت غيرةُ الرجال، وتُمَيَّع رجولة الشباب، إن رجالها ونساءها موقنون بموعود الله عز وجل لهم.
تلمَس بيوتَ الله هذه الليالي، فتراها تكتظُّ بالرجال والنساء شُيبًا وشبابًا، تراهم ركعًا سجدًا يبتغون فضلًا الله ورضوانًا، يقطعون الليل تسبيحًا وقرآنًا، تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربَّهم خوفًا وطمعًا، مشاهد تُثلج الصدر وتبعث الأمل وتغيظ العِدا، عما يبحث هؤلاء؟ وماذا تبتغي هذه الجموع المزدحمة على عتبات الجامع إلا محبة لله وسماع كلام الله، والشوق إلى جنة الفردوس؟ فمن قال: هلَك الناس فهو أهلكهم، بل فيهم عُبَّاد أتقياء ومحسنون منفقون، وأشداءُ في خدمة المسلمين، ورجال أخيار أغيار ينهون عن السوء، والله لا يُضيع أجر من أحسن عملًا، أترون أن الكريم الرحيم يُذهب دموعَ الخاشعين سدًى، أو تظنون باللطيف الخبير يُخيب أمل المحسنين، أو يُضيع تعبَ العابدين، إن ربنا لغفور شكور؛ فأحسِنوا الظنَّ بربكم، فقد قال ربنا تبارك وتعالى: ( {أنا عند ظن عبدي بي، فليَظنَّ عبدي ما شاء} )، نظن بربنا خيرًا، ورحمتُه وسِعت كلَّ شيء، ومن ضاقت عنه رحمة الله فقد خسِر خسرانًا مبينًا.
أبواب الخير كثيرة وسبل الإحسان متعدية، نفقة ودعاء، إحسان وصلة أرحام، أمر بمعروف ونهي عن منكر، صلاة وقراءة قرآن، بِر وذكر، دعوة وتعليم، فالتَمِس حاجتك في وجوه الخير وأعمال البر، وضَع بصمتك في هذه الحياة، فلا تدري ما العمل الذي ينجيك، والباب الذي تدخل منه الجنة.
فيا أيها المؤمنون بالله واليوم الآخر، سَلوا الله الثبات ودوام الاستقامة، وابتعدوا عن متشابه القول والفعل، ومَن يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه؛ قال ربُّنا: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} [النحل: 94]، ولم يقُل بعد تذبذبها وتخليطها.
الحياة فتنٌ والثبات عزيز، الثبات لا يكون بكثرة الاستماع للمواعظ، إنما يكون بفعل المواعظ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 66، 67].
وفي خِتام الشهر وعند إكمال العدة، شَرع الله لعبادِه عباداتٍ يتقربون بها، ليوفِّيهم أجورهم ويزيدَهم من فضله. {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} يشرع التكبير من غروب شمس ليلة العيد إلى الصلاة العيد، ومن ذلك زكاة الفطر، وهي صدقة واجبة عن الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين، صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من أقطٍ، أو صاعًا من زبيب، يخرجها الرجل عن نفسه وعمن تلزمه نفقتُهم، تُدفع للفقراء والمساكين خاصة، وليست لسائر أصناف أهل الزكاة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «طُهرةٌ للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين»، وأفضل وقتها أن تؤدى قبل خروج الناس لصلاة العيد، ويجوز أن تؤدَّى قبل العيد بيومٍ أو يومين، ولا يَجوز تأخيرها عن صلاة العيد، ويجوز أن تعطى زكاة الواحد لعددٍ من الفقراء، كما يجوز أن تعطى زكاة الجماعة لفقير واحدٍ.
ويُشْرَعُ للمسلمين أَن يَخرجوا لصلاة العيد، رجالًا ونساءً، قالت أُمُّ عَطِيةَ رضي الله عنها: أَمَرَنا رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُخْرِجَهُنَّ في الفِطْرِ وَالأضْحَى، العَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فأمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ، وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ)؛ (متفق عليه).
كما يُسَنُّ للمسلمِ أَنْ يَأَكُلَ تَمراتٍ قَبْلَ أَنْ يخرجَ إلى صَلاةِ العِيْدِ، قال أَنسٌ رضي الله عنه: كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَغْدُو يَومَ الفِطْرِ حتَّى يَأْكُلَ تَمَراتٍ)؛ (رواه البخاري).
والواجب على المرأةِ ألا تخرج متبرجةً ولا متعطرةً ولا متزينةً بزينة يراها الرجال، وعلى وليِّها أن يفقهها في ذلك.
ثم صلُّوا وسلِّموا على نبيكم محمد صاحب الحوض والشفاعة، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين..
عبد العزيز بن حمود التويجري
دكتوراه في الفقه المقارن من المعهد العالي للقضاء ١٤١٢هـ. عضو هيئة التدريس بقسم العلوم الإسلامية بكلية الملك عبدالعزيز الحربية.
- التصنيف: