فريضة الزكاة وفضيلتها لغزة
ولعل من أهم مصارف الزكاة اليوم - عباد الله - هي إغاثة شعب فلسطين وأهل غزة لِما يواجهونه من عَدَاءٍ مستحكم، وحرب إبادة من عدوٍّ، جَمَعَ أخبث صفات البشر من الجبن والبغي
- التصنيفات: فقه الزكاة - قضايا إسلامية معاصرة -
الزكاة ركن من أركان الملة، وفرض من فرائض الدين؛ قال الله عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].
فهي الركن الثالث من أركان هذا الدين؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام من استطاع إليه سبيلًا».
والزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدَّ الله عز وجل من أدَّاها راجيًا ثوابها بالخير الكثير، والخلف العاجل والبركة؛ قال الله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39].
أما الذين بخِلوا على أنفسهم، ولم يؤدوا ما أوجب الله عليهم من الزكاة فيما آتاهم من مال، إنما يُعرِّضون أنفسهم لعذاب الله جل وعلا؛ قال الله عز وجل: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: 180].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة، لا يؤدي فيها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صُفِحَت له صفائح من نار، فأُحْمِيَ عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بَرَدت أُعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد»؛ (رواه مسلم).
معاشر المؤمنين:
لقد جاءت النصوص في وجوب الزكاة في الذهب والفضة، إذا بلغت نصابًا، وحال عليها الحول، واليوم أصبح للأوراق النقدية حكمها، فأوجب العلماء فيها الزكاة إذا بلغت نصابًا، وحال عليها الحول، ومن ذلك الودائع والأسهم الْمُعَدَّة للاستثمار، كما تجب الزكاة في عروض التجارة، من بضائع وأسهم معدة للمضاربة وغيرها، فإذا حال عليها الحول، قُوِّمت ثم أُخرجت زكاتها ربع عشر قيمتها ما يعادل 2.5 بالمائة من قيمتها، وينبغي أن يحدد المسلم لزكاته يومًا محددًا يُحسب فيه زكاته، ويخرجها، وذلك في كل عام هجري.
كما تجب الزكاة - عباد الله - في الزروع والثمار إذا كانت قوتًا مدخرًا، فإذا بلغت نصابًا عند حصادها، فقد وجب فيها الزكاة؛ قال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، وقال صلى الله عليه وسلم: «فيما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سقي بالساقية نصف العشر»؛ (رواه مسلم).
معاشر المؤمنين:
اعلموا - أثابكم الله - أن ذمة المسلم لا تبرأ حتى يخرج زكاته على الوجه المشروع، وحتى تُوضَع في الموضع الذي وضعها الله فيه، وهم الأصناف الثمانية التي ذكرها الله في كتابه؛ في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].
ولعل من أهم مصارف الزكاة اليوم - عباد الله - هي إغاثة شعب فلسطين وأهل غزة لِما يواجهونه من عَدَاءٍ مستحكم، وحرب إبادة من عدوٍّ، جَمَعَ أخبث صفات البشر من الجبن والبغي، والكذب والظلم، يعجز عن مواجهة المجاهدين الأبطال الذين نكَّلوا بجنوده وقادته وآلياته، فيصب بطشه على الأبرياء العزَّل، كما رأينا بالأمس تلك المذبحة التي قلَّ نظيرها في التاريخ، مدنيين عزَّلًا يتجمعون حول شاحنات الإغاثة لتخفيف سطوة الجوع عنهم وذَرَاريهم، في حرب التجويع والحصار التي يشنها هؤلاء الصهاينة والصليبيون معهم، في ظل عجز عربي وإسلامي، فتنهال عليهم نيران الحقد والإجرام، ليرتقي منهم عشرات الشهداء، ويسقط المئات من الجرحى، ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل.
فدَفْعُ الزكاة لهم - عباد الله - هو من أفضل مصارفها اليوم؛ فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من جهَّز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلَّف غازيًا في أهله بخير فقد غزا»؛ (متفق عليه).
فأدوا - عباد الله - حقَّ الله جل وعلا في هذا المال، ونفوسكم طيبة بها؛ رغبةً فيما عند الله عز وجل - يُخلِف لكم خيرًا، ويبارك لكم فيما آتاكم.