أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم
محمود الدوسري
لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ؛ كَانُوا لَا يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ رِجَالٌ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ}
- التصنيفات: ملفات شهر رمضان - أحكام النساء -
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْوَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الْبَقَرَةِ: 187].
ذَكَرَ رَبُّنَا - الرَّؤُوفُ بِعِبَادِهِ، الْعَلِيمُ بِحَالِهِمْ – رُخْصَةً لِلْمُسْلِمِينَ حَالَ صِيَامِهِمْ؛ فَرَفَعَ عَنْهُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُهُمْ إِنَّمَا يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ إِلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ، أَوْ يَنَامُ قَبْلَ ذَلِكَ. فَمَنْ نَامَ قَبْلَ الْإِفْطَارِ أَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ: حَرُمَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالْجِمَاعُ إِلَى اللَّيْلَةِ الَّتِي تَلِيهَا، فَوَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّةً كَبِيرَةً؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّخْصَةَ وَالتَّخْفِيفَ.
وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: مَا حَصَلَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمَشَقَّةِ الْعَظِيمَةِ؛ بِعَدَمِ الْأَكْلِ فِي اللَّيْلِ لِأَجْلِ نَوْمِهِمْ، وَمَا حَصَلَ لِبَعْضِهِمْ مِنْ مَعْصِيَةِ إِتْيَانِ الزَّوْجَةِ فِي اللَّيْلِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَمْنُوعًا عَلَيْهِمْ – إِذَا صَلَّوُا الْعِشَاءَ، أَوْ نَامُوا قَبْلَ الْإِفْطَارِ.
عَنِ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ؛ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ، وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهَا: "أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟" قَالَتْ: "لَا، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ"، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: "خَيْبَةً لَكَ!" فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَنَزَلَتْ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَعَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ؛ كَانُوا لَا يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ رِجَالٌ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). أَيْ: تَخُونُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتَظْلِمُونَهَا بِالْجِمَاعِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ، وَأَنْتُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْهُ، وَتَنْقُصُونَ أُجُورَكُمْ بِمَا يَحْصُلُ مِنْكُمْ.
{فَتَابَ عَلَيْكُمْ} بِأَنْ وَسَّعَ لَكُمْ أَمْرًا كَانَ مُوجِبًا لِلْإِثْمِ – لَوْلَا تَوْسِعَتُهُ، وَكَانَ النَّسْخُ رَحْمَةً لَكُمْ؛ لِأَنَّهُ - لَوْلَا النَّسْخُ، لَوَقَعَ الْكَثِيرُونَ فِي فِعْلِ الْمَحْظُورِ. {وَعَفَا عَنْكُمْ} أَيْ: مَحَا ذُنُوبَكُمْ، وَتَجَاوَزَ عَمَّا وَقَعَ مِنْكُمْ، وَلَمْ يُعَاقِبْكُمْ.
{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} فَهَذَا الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ بَعْدَ تَحْرِيمٍ، وَالْمُرَادُ بِـ "الْمُبَاشَرَةِ": الْجِمَاعُ؛ لِمَا يَحْصُلُ فِيهِ مِنَ الْتِقَاءِ بَشَرَةِ الرَّجُلِ بِبَشَرَةِ الْمَرْأَةِ. {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} أَيِ: اطْلُبُوا – بِالْجِمَاعِ - مَا قَدَّرَ اللَّهُ لَكُمْ، وَقَسَمَ مِنَ الْوَلَدِ، وَابْتَغُوا أَيْضًا الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ؛ بِالْحِرْصِ عَلَى الْعِبَادَةِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ. وَمِنْ فَوَائِدِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ:
1- رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ؛ بِإِبَاحَةِ الْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَيَالِيَ الصِّيَامِ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَهَذَا نَسْخٌ مِنَ الْأَثْقَلِ إِلَى الْأَخَفِّ.
2- جَوَازُ الْكَلَامِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي أُمُورِ الْجِمَاعِ، بِمَا يُسْتَحْيَا مِنْ ذِكْرِهِ عِنْدَ النَّاسِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} وَيَدْخُلُ فِي الرَّفَثِ: الْكَلَامُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْجِمَاعِ وَالشَّهْوَةِ.
3- إِثْبَاتُ الْعِلَّةِ وَالْحِكْمَةِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، فَأَحَلَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ جِمَاعَ الزَّوْجَاتِ لَيَالِيَ الصِّيَامِ؛ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ.
4- كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ لِبَاسٌ، وَسِتْرٌ لِلْآخَرِ، يُحَصِّنُهُ وَيُعِفُّهُ؛ {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، وَيَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الزَّوَاجِ، وَنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ بِمَشْرُوعِيَّتِهِ.
5- الْمَعْصِيَةُ خِيَانَةٌ لِلنَّفْسِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ}.
6- مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ}. وَالْأَصْلُ بَقَاءُ اللَّيْلِ، وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ.
7- مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}؛ فَالْأَصْلُ بَقَاءُ النَّهَارِ.
8- مَنْ جَامَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَطَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ، فَنَزَعَ مُبَاشَرَةً، وَدَخَلَ عَلَيْهِ يَوْمُ الصِّيَامِ – وَهُوَ جُنُبٌ؛ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ، وَجَنَابَتُهُ لَا تَضُرُّ صِيَامَهُ. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا، مِنْ جِمَاعٍ، غَيْرِ احْتِلَامٍ، ثُمَّ يَصُومُهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ، لَا مِنْ حُلُمٍ، ثُمَّ لَا يُفْطِرُ، وَلَا يَقْضِي» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
9- كَرَاهَةُ الْوِصَالِ أَوْ تَحْرِيمُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}. وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ؛ لِحَدِيثِ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
10- اسْتِحْبَابُ السُّحُورِ؛ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى الصِّيَامِ، وَفِيهِ بَرَكَةٌ، وَمُخَالَفَةٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَيُعِينُ عَلَى الْقِيَامِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَاللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ.
11- مَشْرُوعِيَّةُ الِاعْتِكَافِ، وَيَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي الْمَسَاجِدِ}. وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا: «لَا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ» (صَحِيحٌ – رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ) ؛ فَالْمَقْصُودُ بِهِ: الِاعْتِكَافُ الْكَامِلُ.
12- النَّهْيُ عَنِ الْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ حَالَ الِاعْتِكَافِ، وَأَنَّهُ مُبْطِلٌ لِلِاعْتِكَافِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}. فَلَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يُبَاشِرَ زَوْجَتَهُ بِشَهْوَةٍ؛ لَا فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا فِي غَيْرِهِ – كَمَا لَوْ ذَهَبَ إِلَى بَيْتِهِ لِحَاجَةٍ أَثْنَاءَ الِاعْتِكَافِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلِاعْتِكَافِ.
13- اسْتِحْبَابُ الصِّيَامِ – فِي غَيْرِ رَمَضَانَ - حَالَ الِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهُ فِي آيَاتِ الصِّيَامِ.
14- الْمُحَرَّمَاتُ: "لَا تَقْرَبُوهَا"، وَالْوَاجِبَاتُ: "لَا تَعْتَدُوهَا"، قَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} الْحُدُودُ: جَمْعُ "حَدٍّ"؛ وَهُوَ – فِي اللُّغَةِ: الْمَنْعُ. وَحُدُودُ اللَّهِ عَلَى نَوْعَيْنِ: حُدُودٌ تَمْنَعُ مَنْ كَانَ خَارِجَهَا مِنَ "الدُّخُولِ فِيهَا"؛ وَهِيَ "الْمُحَرَّمَاتُ"، وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ بِقَوْلِهِ: {فَلَا تَقْرَبُوهَا}. وَحُدُودٌ تَمْنَعُ مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ "الْخُرُوجِ مِنْهَا"؛ وَهِيَ "الْوَاجِبَاتُ"، وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ بِقَوْلِهِ: {فَلَا تَعْتَدُوهَا} [الْبَقَرَةِ: 229].
{فَلَا تَقْرَبُوهَا} أَيِ: الْمَمْنُوعَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ؛ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَالْجِمَاعِ فِي الصِّيَامِ، وَمُبَاشَرَةِ النِّسَاءِ أَثْنَاءَ الِاعْتِكَافِ. وَالنَّهْيُ عَنِ الِاقْتِرَابِ مِنَ الْحَرَامِ أَبْلَغُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْوُقُوعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: سَدُّ الطُّرُقِ وَالذَّرَائِعِ الْمُوصِلَةِ لِلْحَرَامِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَلَّا يَقَعَ فِي الْحَرَامِ، وَأَلَّا يَدْخُلَ فِيمَا يُؤَدِّي إِلَى الْحَرَامِ.
15- الْعِلْمُ سَبَبٌ لِلتَّقْوَى، وَبَيَانُ الْأَحْكَامِ لِلنَّاسِ مِنْ أَسْبَابِ إِيصَالِهِمْ إِلَى مَرْتَبَةِ التَّقْوَى؛ بَلِ الْغَايَةُ الْعُظْمَى مِنْ إِرْسَالِ الرُّسُلِ، وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ، وَبَيَانِ الْآيَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْكَوْنِيَّةِ هِيَ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى؛ {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.