الديمقراطية .. وما أدراك ما الديمقراطية!

منذ 2024-04-03

والواقع أن حال دعاة الديمقراطية والمخدوعين بها وحال المصلحين المحاربين لها يشبه حال مؤمن آل فرعون وقومه

(لكل زمان دولة ورجال) هذه من المقولات المشهورة المأثورة وعلى نفس المنوال يمكن القول:(لكل زمان معبودات وأوثان) ولعل وثن زماننا صاحب نصيب الأسد هو الديمقراطية، نعم .. لقد أصبحت الديمقراطية وثن يُعبد من دون الله الواحد القهار، فبها نُحِّيَ واستُبْعد شرع الله، وبها أُخضِعَت أوامرُ الله للاستفتاء والتصويت أو الاحتكام للصندوق كما يزعمون، وبها قيل أنَّ الحُكم للشعب! وليس لله خالق الأرض ومن فيها من وطن وشعب، وبها رُفع شعار لا صوت يعلو فوق صوت الشعب ولو كان وحيًا من خالق الشعب ورازق الشعب ومالك الشعب، وأصبح أعظم الذنوب كالشرك وسبّ الأنبياء حرية تعبير بشرط حصولها على توقيع من أغلب المصوتين سواء كانوا ناخبين أو أعضاء برلمان، وأصبحت المناهج والإعلام الرسمي وغير الرسمي مشحونة بالتطبيل للديمقراطية وكهَنتها وأذنابها، وأصبح وثن الديمقراطية المقدس يشِبُّ عليه الصغير ويهرم عليه الكبير، والله المستعان.

ولأن الديمقراطية من عند غير الله فلا بد أن يكون فيها (اخْتِلَافًا كَثِيرًا) لقوله تعالى:(وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) فالاختلاف فيها يشمل كل شيء، فهناك اختلافات في التعريف والتوصيف، أما التطبيق فأنت أمام أنواع متشعبة ومختلفة من الديمقراطيات، فحسب الموسوعة السياسية (لا يوجــد تعريــف معاصــر جامــع مانــع لمعنــى الديمقراطية، وقــد قدمت التقاليــد الغربية المعاصرة العديــد مــن المفاهيم عــن الديمقراطيــة ... فهناك الديمقراطية الليبرالية، والديمقراطية الاشتراكية، والديمقراطية المســيحية، والديمقراطية الملكيــة، والديمقراطيــة الجمهوريــة والديمقراطيــة النيابية، وديمقراطية الحزب الواحد ...)[1] ولكنْ من المتفق عليه بين مؤيدي ومناوئي الديمقراطية أن حق التشريع فيها ليس لله الواحد العزيز الحكيم، وهذا يكفي كل من في قلبه ذرة من إيمان أن ينبذ الديمقراطية ويحاربها، وبهذا يتضح أيضًا فساد الزاعمين الذين قالوا(إذا أردنا أن نطبق الشريعة فأي مذهب نطبق هناك اختلافات بين الفقهاء) ويا سبحان الله! هل الديمقراطية نوع أم أنواع؟ فإذا كانت بيوتكم من زجاج لا ترمِ الآخرين من حجارة.

        ومن مساوئ الديمقراطية وما أكثرها إفلاسها من المعيار الموضوعي المبني على الحجة والبرهان للصواب والخطأ، والعدل والظلم، والأخلاقي والاأخلاقي؛ فكل شيء مباح أو ممنوع بشرط أن يحصل على توقيع الشعب أو في الأصح أغلبية الشعب أو بالمعنى الدقيق أغلية الناخبين أو أغلبية أعضاء البرلمان، ونتيجة لذلك لا يمكن الحكم على شيءٍ ما بصواب أو خطأ، وإنما كل قانون يمرّ في نفق الديمقراطية المظلم القذر يفرض بالحديد والنار على كل الشعب شاءوا أم أَبوْ، يفرض عليهم قسرًا كلهم الذين وافقوا والذي عارضوا، الذين صوتوا والذين امتنعوا عن التصويت، بل حتى الذين مُنِعوا من التصويت، قارن هذا بالإسلام الذي مرجعيته (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ).

        ولا ننسَ إن نسينا أن من أسباب رواج الديمقراطية بين الناس والشباب على وجه الخصوص الزعم بأن الحكم فيها للشعب، وهذا شعار لا وجود له على أرض الواقع، فلو أنّ دولة سكانها عشرة ملايين فهل كل العشرة ملايين يحكمون؟ ثم يحكمون مَن؟ ومن ينفذ حكمهم؟ هل العشرة ملايين؟ ثم إننا إن فحصنا هذا الشعار وشددنا عليهم قليلًا بدئوا يتملصون منه، فيقولون إن الحكم لممَثلي الشعب، وهم نسبة ضئيلة من مجموع الشعب، وهؤلاء الممثلون يسيطر عليهم أعضاء الحزب الحاكم، الذي يشكل الحكومة، ويستطيع إلغاء أي مشروع قانون لأنه يملك الأغلبية داخل المجلس التشريعي، وهكذا الشعار أن الشعب يحكم، والواقع أن هناك فئة ضئيلة جدًا هي التي تتحكم بالقرار، وبمقدرات الشعب وبتعليم الشعب ووسائل إعلامهم.

        ومن حِيَل مروجي الديمقراطية التي استعملوها ويستعملونها لخداع عوام المسلمين وربما حكَّامهم الزعم بأنَّ كل تقدم صناعي واقتصادي وفي مجال العلوم التجريبية هو من ثمار الديمقراطية وأن مجتمعات المسلمين إذا أرادت التقدم والازدهار ونفض غبار الفقر والجهل والتخلص من البطالة عليها بالمنهج الديمقراطي الذي يستلزم تعطيل العمل بقول الله(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) وقوله (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) والجواب عن هذ الشبهة التافهة البالية هو أن التقدم في أي مجال له أسباب مَن أخذ بها نجح في هذا المجال؛ فالصناعة مثلا لها أسباب وأي دولة تأخذ بها تصبح دولة صناعية؛ فالصين مثلا دولة دكتاتورية ظالمة مجرمة من الطراز الأول وهي في مصاف الدول الصناعة المتقدمة وعلى هذا قس بقية المجالات الدنيوية، بالمقابل هناك دول أخذت بالديمقراطية ولا تكاد تستقر من الانقلابات والحروب الأهلية وربما تفشت فيها المجاعات، وتقبع في ذيل الدول من ناحية التقدم الصناعي والزراعي والعلمي والتكنولوجي.

        وهناك طائفة انتقائية فكل شيء أعجبهم في الدول الغربية نسبوا الفضل فيه للديمقراطية، وكل ظلم وفساد ورذيلة موجود في تلك الدول غضُّوا عنه الطرف وربما تعجبوا كيف يكون هذا في دولة ديمقراطية، والحقيقة أن وجود الديمقراطية لا يستلزم منه وجود العدل والقوانين الأخلاقية؛ فالديمقراطية كما ذُكِر آنفًا مفْلسة من المعيار الموضوعي للصواب والخطأ؛ وبالتالي فكل فساد وظلم ورذيلة نتيجة لقوانين تلك الدول فهو عمل ديمقراطي بامتياز (ثم لماذا ننسى أن قرارات الدول الغربية بغزو شعوب العالم الضعيفة، واحتلال أراضيها، واستغلال خيراتها، كانت كلها قراراً ديمقراطياً؟ وأن خطف أمريكا للأبرياء من الأفارقة واسترقاقهم ومعاملتهم بأسوأ مما تعامل به الحيوانات كان قراراً ديمقراطياً؟ وأن قرار تحريرهم لم يكن قراراً ديمقراطياً، وإنما جاء نتيجة حرب بين من رأوا أنه يتعارض مع المبادئ الإنسانية، وبين الذين كانوا يرون الالتزام برأي الأغلبية مهما كان. كما أن قرار استحلال الزنا بين المتراضين أيا كان جنسهما هو قرار ديمقراطي؟ وأن قرار فرنسا بمنع الحجاب كان قراراً ديمقراطياً؟ وأن غزو أفغانستان ثم العراق كان قراراً ديمقراطياً .... إذن فالفرق بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي أن فساد النظام الديمقراطي راجع كثير منه إلى النظرية الديمقراطية ...)[2] وبنظرة إلى غزة فقد بلغ(ضحايا الحرب في غزة إلى أكثر من 32 ألفاً قتيلاً، و 74 ألف جريحًا) وهو عمل ديمقراطي وفي دولة ديمقراطية بشهادة الجميع بل إنهم يزعمون أنها نموذج لدول الشرق الأوسط للاحتذاء به،  أضف إلى ذلك محادة الله ورسوله ونشر الشرك والرذيلة والدعوة وربما فرض فاحشة اللواط، وأيضًا سبُّ الأنبياء كل ذلك موجود في تلك الدول وبتوقيع ديمقراطي.

        أما من يقول الشعب فقط يريد أن يختار من يحكمه، ونحكم بالشريعة الإسلامية فهذا الديمقراطية خيالية ولا وجود لها نظريًا فضلًا عن تحققها على أرض الواقع، والحاصل أن كل الديمقراطيات بدون استثناء حق التشريع فيها ليس لله سبحانه، أي أنهم لا يطبقون معنى(الله أكبر)، ولا يخضعون لله (الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).

        ولنعلم علم اليقين أنَّ (الديمقراطية نظام مخالف للإسلام؛ حيث يجعل سلطة التشريع للشعب، أو من ينوب عنهم (كأعضاء البرلمان)، وعليه: فيكون الحكم فيه لغير الله تعالى، بل للشعب، ونوابه، والعبرة ليست بإجماعهم، بل بالأكثرية، ويصبح اتفاق الأغلبية قوانين ملزمة للأمة، ولو كانت مخالفة للفطرة، والدين، والعقل، ففي هذه النظم تم تشريع الإجهاض، وزواج المثليين، والفوائد الربوية، وإلغاء الأحكام الشرعية، وإباحة الزنا وشرب الخمر، بل بهذا النظام يحارب الإسلام ويحارب المتمسكين به.

وقد أخبر الله تعالى فيه كتابه أن الحكم له وحده، وأنه أحكم الحاكمين، ونهى أن يُشرك به أحد في حكمه، وأخبر أن لا أحد أحسن منه حكماً.

قال الله تعالى: ( فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) غافر/12 ، وقال تعالى: {( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )} [يوسف/40] ، وقال تعالى: {(أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)} [التين/8 ] ، وقال تعالى : {( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً )} [الكهف/26] ، وقال تعالى: {( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) } [ المائدة/50] [3]

(ولا شك في أن النظم الديمقراطية أحد صور الشرك الحديثة، في الطاعة، والانقياد، أو في التشريع، حيث تُلغى سيادة الخالق سبحانه وتعالى، وحقه في التشريع المطلق، وتجعلها من حقوق المخلوقين)[4]

        إن معضلات الديمقراطية كثيرة ولكن يمكن إجمالها في ثلاث نقاط رئيسية: أما الأولى فهو تقديم المخلوق على الخالق، والثانية غياب المرجعية المبنية على الحجة والبرهان، والثالثة أن الديمقراطية تستلزم الدكتاتورية أي أن ما يقرره أغلبية المصوتين يفرض وبشكل قسري على كل الشعب بما فيهم المعارضين والممتنعين عن التصويت، والممنوعين من التصويت انتهاء بمد وجِدَ بعد التصويت كالذيم لم يولدوا بعد.

والواقع أن حال دعاة الديمقراطية والمخدوعين بها وحال المصلحين المحاربين لها يشبه حال مؤمن آل فرعون وقومه فقد قال الله حاكيًا عن مؤمن آل فرعون: {(وَيَاقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ *  تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) } [​​​​​​​غافر 42]

اللهم طهر بلاد المسلمين من ظلمات وضلالات وقذرات وخرافات العلمانية والليبرالية والديمقراطية والنسوية وأذنابهم.

[email protected]

 

 

[1] موقع الموسوعة السياسية على الرابط (https://political-encyclopedia.org/dictionary/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A9)

[2] مقال: الديمقراطية إله الغرب- د.خالد سعد النجار.

[3] موقع الإسلام سؤال وجواب رقم السؤال (98134)

[4] موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة  ( 2 /1066-1067)

  • 3
  • 1
  • 655

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً