رمضان فرصتك لترك الحسد

منذ 2024-04-05

ففرصتك في رمضان التوبة إلى الله، فرصتك في رمضان أن تغيِّرَ من نفسك نحو الأفضل، كلنا ينشد التغيير، فهيا بنا نُغيِّر هذه العادة الذميمة، وهذا المرض الذميم من أمراض القلوب؛ ألَا وهو الحسد.

شهر رمضان يعني أن تغسل قلبك أفضل من أن تحسد الناس على ما هم فيه.

 

ويكفي من الأنانية وحب الذات، والنظر للآخر على أنه عدو لدود فقط لأنه ناجح، هل تريد أن يكون فاشلًا كي يعجبك، أم تريد أن يكون مدمَّرًا كي ترضى وتشعر بقيمتك؟

 

كم تشتعل القلوب بنار الحسد والحقد والغَيرة! عندما تحسُد فتأكَّد أنك فاشل.

 

هي أقدار وأرزاق مقدَّرة من عند الله تعالى، قد تكون لديك صحة وغيرك يعاني، وأنت تظنه سعيدًا، وهو يناضل من أجل أن يحقق ذاته، وأنت تنظر إليه ولا تفعل شيئًا كي تتقدم.

 

قد تكون تلك الفتاة التي تحسدينها على زوجها الثريِّ، تعاني وراء بابها المغلق سوء معاملته لها[1].

 

قد تحسده لأنه ناجح، لكن نجاحه قد سرق منه راحة البال، فهو يناضل ويتألم كل يوم، وأنت لا تعلم، فقط تكتفي بالحقد عليه عوضًا أن تشجعه.

 

ثم نتساءل: لماذا زاد الفشل وقلَّ النجاح؟ لأننا لم نتعلم أن ندعم الناجح، بل ندمره حتى يصبح فاشلًا.

 

الناجح قد كرَّس وقته وجهده وطاقته لكي يصِلَ وتعثر، ثم تعثر، ثم تعثر، ثم نجح، الناجح هو من كرَّس وقته على حساب صحته وراحة باله وليست ضربة حظٍّ.

 

الحظُّ لا يعترف بالكسالى، الحظ يعترف بالمناضلين، فيقدم لهم الفرص؛ لأنهم قد سعَوا للحصول والوصول.

 

لماذا نحسد؟ لماذا لا نحب الخير للغير؟ هل الدنيا ملك لنا كي نغار عليها، ونلهث وراءها مثل ضعفاء النفوس؟

 

الله يعلم لكل شخص ما هو الأفضل له، فيفضل بعضهم على بعض لِحِكْمَةٍ يعلمها سبحانه.

 

الناس لا ينظرون لكل هذا، ولا ينظرون إلا للنتيجة دون أن ينظروا للمراحل التي سبقت، ودون أن يفعلوا شيئًا، ينتظرون أن تمطر عليهم السماء ذهبًا وفضة، لكنها لن تمطر لهم؛ لأن واجبنا في الأرض أن نسعى، وأن نغسل قلوبنا جيدًا، وأن نرضى ونقتنع بما نحن عليه، وأن نحارب أنفسنا لنتقدم، وليس أن نحارب الآخرين وندمرهم.

 

وطالما أننا ننشد التغيير؛ ونتلوا هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، إذا أردنا أن يُغيِّرَ الله تعالى أحوالنا، فعلينا أن نغيِّرَ ما بأنفسنا؛ امتثالًا لأمر الله تعالى.

 

فنحتاج إلى تغيير ما في النفوس من بغضاء، وشحناء، وغضب، وكِبْرٍ، وحبٍّ للرئاسة وحب للظهور، هذه هي قاسمة الظهور؛ أن يتنافس الناس في أمر الدنيا فيقع التحاسد فيما بينهم، والحسد من أمراض القلوب.

 

ما هو الحسد إذًا؟

الحسد: هو أن يتمنى الإنسان زوال النعمة عن شخص ما، فلا يرتاح إلا إذا زالت النعمة عن جاره، أو عن صديقه، أو عن أخيه، أو عن زميله في العمل، أو أن المرأة تتمنى لجارتها أن تزول النعمة عنها، أو أن يزول نعمة الأبناء عنها، أو نعمة النجاح والتوفيق لأبنائها، فلا تفرح إلا إذا نزلت مصيبة بجارتها، هذا هو الحسد: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} [التوبة: 50].

 

لذا القرآن الكريم ذكر الحسد في قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5]، والله تعالى يقول: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54].

 

والقرآن الكريم ذكر أن هؤلاء المشركين كانوا يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيقول الله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم: 51].

 

فإذا كان الأمر كذلك، فإن الحسد على أنواع:

من الناس من يتمنى ما عندك من نعمة دون زوالها عنك؛ فهذه هي الغِبطة، أي: أن يتمنى نفس ما لك من النعم، فهذا إنسان مؤمن، يتمنى نفس ما عندك.

 

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا حسدَ إلا في اثنتين: رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل أتاه الله مالًا، فسلَّطه على هَلَكَتِهِ في الحق»[2].

 

وحديث أبي كبشة الأنماري: ((لو أن لي مثل علم فلان؛ لَعملت فيه بعمل فلان، فهو نيته في الأجر سواء، ورجل قال: لو أن لي مالًا مثل مال فلان؛ لعملت فيه بعمل فلان؛ فهو نيته في الأجر سواء))[3].

 

حديث: «لا حسد إلا في اثنتين»، هذه الغبطة أن تتمنى ما عند الغير دون زوال النعمة عنهم.

 

أما أن تصل إلى درجة أن تتمنى زوال النعمة عن الغير، فهذا هو الحسد بعينه.

 

ولذلك يجب على الحاسد أن يتعلم كيف أن هذا الحسد يضر المسلم، ولو أن شيئًا يُدخِل الإنسان القبرَ لكانت العين، والعين حق، وإن العين تُدخِل الإنسان القبر.

 

ولا شكَّ أن العين حق، وأنها تصيب الإنسان فتؤذيه في نفسه وأهله وماله.

 

ودليل ذلك:

ما ثبت عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العين حق، ولو كان شيءٌ سابقَ القَدَرِ، سبقته العين»[4].

 

فهذا الحديث جرى مجرى المبالغة في إثبات تأثير العين، وأنها حق، وليست أمرًا متوهمًا، أو مجرد وساوس وخطرات.

 

وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن العين لَتُدخل ‌الرجلَ ‌القبرَ، وتُدخل الجملَ القِدْرَ»[5].

 

من أجل هذا لا بد أن يعلم الإنسان أن الحسد يضر؛ والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار».

 

والنبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من الحسد؛ فقال: «لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا - عباد الله – إخوانًا»[6].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذُله، ولا يُسْلِمه، ولا يحقِره».

 

وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا».

 

فمن هنا، وجب على الحاسد أن يبارك لأخيه؛ فيقول: بارك الله لك في مالك، بارك الله لك في عيالك، بارك الله لك في عمرك.

 

فهذا حق المسلم على المسلم؛ أن يدعو له، وأن يكون قلبك - أيها المؤمن - ممتلئًا بالرضا عن الله.

 

فالله حين ينعم على عبدٍ بنعمة، فأول من يغضب لهذه النعمة هو الحاسد؛ ولذا لا يجتمع في قلب مؤمن الإيمان والحسد.

 

ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»[7].

 

فإذا كنت تحب للناس ما تحب لنفسك، فأنت مؤمن، أما إن كنت تكره أن ترى نِعَمَ الله على الناس، فهذه مصيبة من المصائب، ومرض من أمراض القلوب.

 

فلا بد أن تعالج نفسك بأن تعرِض قلبك على القرآن، وعلى سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وتجالس الصالحين، وأن تسأل الله أن يغيِّر من قلبك، سَلِ الله أن يُغيِّرَ من نفسك.

 

ورمضان شهر التغيير، فرصتك لترك الحسد في رمضان، نحن صائمون، ونحن ذاكرون لله تعالى، ونصلي التراويح، ونقرأ القرآن، ونختم القرآن، ونعتكف العشر الأواخر، ونُخرِج زكاة الفطر، لا ينبغي أبدًا أن يخرج رمضان، وأن نودع رمضان قبل أن نودع هذه العادة الذميمة المحرمة؛ وهي عادة الحسد.

 

إذا رأيت جارك في نعمة فادعُ له، و((ارضَ بما قسم الله لك؛ تَكُنْ أغنى الناس))، ادعُ لجارك، وكن راضيًا عن الله، وأحسن الظن بالله، وثِقْ أن الله تعالى سيعطيك أفضل مما أعطى جارك.

 

ولذا قال بعضهم:

اصبر على ‌كيد ‌الحسود   ***   فإن صبرك قاتلُـــــهْ 

فالنار تأكل بعضهـــــــــا   ***   إن لم تجد ما تأكلُهْ 

 

أيها الحاسد، تُبْ إلى الله؛ فإن الحسد معصية لله تعالى، وأول ما وقع الحسد في الأرض وقع من إبليس حين أمره الله تعالى أن يسجد لآدم؛ فقال: أأسجد لبشر خلقته من طين وأنا خلقتني من نار؟! {قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 33].

 

فما كان من إبليس لعنه الله، إلا أن تكبَّر على أمر الله تعالى؛ قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50].

 

وقال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} [طه: 116].

 

وقال تعالى أيضًا: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف: 11].

 

الملائكة سجدوا إلا إبليس.

 

وقال تعالى أيضًا: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12]؛ حسدًا وكبرًا.

 

ومن هنا، مَن كان فيه خَصلة من خِصال الغَيرة والأنانية وحب الذات، تصل به إلى أن يكره أن يرى جاره أو زميله في نعمة؛ فهذه من مصائب الدهر.

 

ففرصتك في رمضان التوبة إلى الله، فرصتك في رمضان أن تغيِّرَ من نفسك نحو الأفضل، كلنا ينشد التغيير، فهيا بنا نُغيِّر هذه العادة الذميمة، وهذا المرض الذميم من أمراض القلوب؛ ألَا وهو الحسد.

 

وعليك بالدعاء، ادعُ الله تعالى، وقل: اللهم إني أسألك أن تغيرني، أسألك يا ألله أن ترضيني بقضائك، أسألك يا ألله أن تجعل في قلبي حب إخواني المسلمين، وأن أحب لهم الخير.

 

هذه فرصتك في رمضان حتى تغير من نفسك، فاستعن بالله ولا تعجز.

 

أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يبارك لنا ولكم جميعًا فيما آتانا، وأن يحفظنا وإياكم من شياطين الإنس والجن، وأن يتقبل منا ومنكم، وأن يُعيننا في رمضان على الصيام والقيام.

 

 


[1] أن تغسل قلبك أفضل من أن تحسد، الكاتب فرهان طايع، مدونات الجزيرة.

[2] متفق عليه: أخرجه البخاري باب اغتباط صاحب القرآن برقم (5026)، وأخرجه مسلم في باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه برقم (268).

[3] سنن الترمذي كتاب الزهد برقم (2325)؛ قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

[4] رواه مسلم (2188).

[5] أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (4144).

[6] أخرجه البخاري خلق أفعال العباد برقم (1/ 119)، ومسلم في باب النهي عن التحاسد والتباغض برقم (2559).

[7] أخرجه البخاري في باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه برقم (13).

______________________________________________________
الكاتب: أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف حجاب

  • 2
  • 0
  • 688

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً