لفظ (الناس) في القرآن الكريم
الشبكة الإسلامية
وحاصل ما تقدم أن لفظ (الناس) أكثر توارده في القرآن الكريم بمعنى عموم الناس وجنس الإنسان، وورد بدرجة تالية بمعنى مشركي العرب عموماً، وبمعنى المؤمنين الذين آمنوا برسول الله ﷺ إبَّان دعوته...
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
أصل مادة (الناس) (نوس) وهو أصل -كما في معجم مقاييس اللغة- يدل على اضطراب وتذبذب. وناس الشيء: تذبذب، ينوس. وقيل -كما ذكر الأصفهاني في مفردات القرآن- أن أصله (أُنَاس) فحذف فاؤه لما أُدخل عليه الألف واللام. وقيل غير ذلك. و(الناس) اسم للحيوان الآدمي. و(الناس) جمع لا واحد له من لفظه، ومفرده إنسان على المعنى. والجمع: ناس، وأناسي. والأناس لغة في الناس.
قال ابن عباس رضى الله عنهما: نسي آدم عهد الله، فسُمِّيَ إنساناً، قال تعالى: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي}[طه:115].
قال الأصفهاني: "الناس قد يُذكر ويراد به الفضلاء، دون من يتناوله اسم الناس تجوّزاً، وذلك إذا اعتبر معنى الإنسانيّة، وهو وجود العقل، والذِّكر، وسائر الأخلاق الحميدة، والمعاني المختصة به، فإن كل شيء عُدِمَ فعله المختص به لا يكاد يستحق اسمه كـ (اليد) فإنها إذا عُدمت فعلها الخاص بها فإطلاق (اليد) عليها كإطلاقها على يد السرير ورجله، فقوله: {آمنوا كما آمن الناس}[البقرة:13] أي: كما يفعل من وُجِد فيه معنى الإنسانية، ولم يقصد بالإنسان عيناً واحداً، بل قصد المعنى، وكذا قوله: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله}[النساء:54] أي: من وُجِدَ فيه معنى الإنسانية، أيّ إنسان كان، وربما قُصد به النوع كما هو، وعلى هذا قوله: {أم يحسدون الناس}.
ولفظ (الناس) ورد في القرآن في أربعين ومائتي موضع (240)، جاء في جميع مواضعه بهذا اللفظ فحسب، ولم يرد له في القرآن أي اشتقاق آخر.
ولفظ (الناس) توارد في القرآن الكريم على عدة معان، نجملها وَفْق التالي:
* (الناس) بمعنى جنس الإنسان وسائر الناس، ولفظ (الناس) أكثر ما جاء في القرآن وفق هذا المعنى، من ذلك قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم}[البقرة:21] وقوله سبحانه: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة}[النساء:1] وفول عز وجل: {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض}[فاطر:3] ومثله كثير.
* (الناس) بمعنى مشركي العرب، جاء على ذلك قوله تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجة}[البقرة:150] قال مجاهد: هم مشركو العرب. قال ابن عاشور: "وقد شاع في القرآن تغليب اسم (الناس) عليهم" يريد مشركي العرب.
* (الناس) بمعنى المؤمنين الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونبوته، جاء على ذلك قوله عز وجل: {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء}[البقرة:13] قال ابن عباس رضي الله عنهما: وإذا قيل لهم: صدقوا كما صدق أصحاب محمد، قولوا: إنه نبي ورسول، وإن ما أنزل عليه حق، وصدقوا بالآخرة، وأنكم مبعوثون من بعد الموت، قالوا ما ذكرته الآية.
* (الناس) بمعنى النبي صلى الله عليه وسلم، جاء على ذلك قوله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله}[النساء:54] جاء في التفسير أن المراد النبي عليه الصلاة السلام.
* (الناس) بمعنى قوم بعينهم، جاء على ذلك قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} فـ {الناس} الأُول هم قوم كان أبو سفيان سألهم أن يثبطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين خرجوا في طلبه بعد منصرفه عن أُحد إلى حمراء الأسد. و{الناس} الثاني، هم أبو سفيان وأصحابه من قريش، الذين كانوا معه بأُحد. فقوله: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} لفظ عام، والمعنى مخصوص؛ لأن الناس كلهم لم يخبروهم، ولم يجمعوا لهم أنصاراً.
* (الناس) بمعنى بني إسرائيل خاصة، جاء على ذلك قوله عز وجل: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} [المائدة:116] يعني بني إسرائيل خاصة.
* (الناس) بمعنى أهل مكة، جاء على ذلك قوله عز وجل: {وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس}[الإسراء:60] قال ابن عباس: (الناس) هنا أهل مكة، وإحاطته بهم إهلاكه إياهم، أي: إن الله سيهلكهم. ومثله قوله سبحانه في الآية نفسها: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} يعني أهل مكة.
* (الناس) بمعنى أهل الكفر والشرك، جاء على ذلك قوله تعالى: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون}[النمل:82] قال القرطبي: يعني الكفار.
أما قوله تعالى فيما قصَّه علينا من قصة يوسف عليه السلام: {لعلي أرجع إلى الناس}[يوسف:46] أي: إلى الملك وأصحابه. ويحتمل أن يراد بـ {الناس} هنا الملك وحده؛ تعظيماً له.
وحاصل ما تقدم أن لفظ (الناس) أكثر توارده في القرآن الكريم بمعنى عموم الناس وجنس الإنسان، وورد بدرجة تالية بمعنى مشركي العرب عموماً، وبمعنى المؤمنين الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إبَّان دعوته، وورد أيضاً بمعنى عموم الكفار، وبمعنى النبي صلى الله عليه وسلم، وبمعنى أهل مكة، وبمعنى بني إسرائيل خاصة، وليس ما يمنع أن يكون هذا اللفظ قد ورد على معانٍ أُخر لم نحط بها علماً.