شرح النووي على مسلم لحديث: ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا
والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك ) الفج الطريق الواسع ، ويطلق أيضا على المكان المنخرق بين الجبلين
الحديث:
2397 «حدثنا منصور بن أبي مزاحم حدثنا إبراهيم يعني ابن سعد ح وحدثنا حسن الحلواني وعبد بن حميد قال عبد أخبرني وقال حسن حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد أن محمد بن سعد بن أبي وقاص أخبره أن أباه سعدا قال استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب قال عمر فأنت يا رسول الله أحق أن يهبن ثم قال عمر أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلن نعم أنت أغلظ وأفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك حدثنا هارون بن معروف حدثنا به عبد العزيز بن محمد أخبرني سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة قد رفعن أصواتهن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استأذن عمر ابتدرن الحجاب فذكر نحو حديث الزهري»
الشرح:
قوله : ( عن صالح عن ابن شهاب قال : أخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد أن محمد بن سعد بن أبي وقاص أخبره أن أباه سعدا قال : استأذن عمر ) هذا الحديث اجتمع فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض ، وهم صالح ، وابن شهاب ، وعبد الحميد ، ومحمد . وقد رأى عبد الحميد ابن عباس .
قوله : ( وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن ) قال العلماء : معنى ( يستكثرنه ) يطلبن كثيرا من كلامه وجوابه بحوائجهن وفتاويهن . وقوله : ( عالية أصواتهن ) قال القاضي : يحتمل أن هذا قبل النهي عن رفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن علو أصواتهن إنما كان باجتماعها لا أن كلام كل واحدة بانفرادها أعلى من صوته صلى الله عليه وسلم .
قوله : ( قلن : أغلظ وأفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) الفظ الغليظ بمعنى ، وهو عبارة عن شدة الخلق وخشونة الجانب . قال العلماء : وليست لفظة أفعل هنا للمفاضلة ، بل هي بمعنى فظ غليظ . قال القاضي : وقد يصح حملها على المفاضلة ، وأن القدر الذي منها في النبي صلى الله عليه وسلم هو ما كان من إغلاظه على الكافرين والمنافقين كما قال تعالى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم وكان يغضب ويغلظ عند انتهاك حرمات الله تعالى . والله أعلم .
وفي هذا الحديث فضل لين الجانب والحلم والرفق ما لم يفوت مقصودا شرعيا . قال الله تعالى : {واخفض جناحك للمؤمنين } وقال تعالى : {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} وقال تعالى { بالمؤمنين رءوف رحيم} .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك ) الفج الطريق الواسع ، ويطلق أيضا على المكان المنخرق بين الجبلين ، وهذا الحديث محمول على ظاهره أن الشيطان متى رأى عمر سالكا فجا هرب هيبة من عمر ، وفارق ذلك الفج ، وذهب في فج آخر لشدة خوفه من بأس عمر أن يفعل فيه شيئا .
قال القاضي : ويحتمل أنه ضرب مثلا لبعد الشيطان وإغوائه منه ، وأن عمر في جميع أموره سالك طريق السداد خلاف ما يأمر به الشيطان ، والصحيح الأول .
- التصنيف: