ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟

منذ 2024-04-27

وإذا كنا في يومنا هذا نتحدث مكارم الأخلاق وآثارها وبركاتها على أصحابها وعلى الناس فسوف يقتصر الحديث عن صاحب الخلق العظيم رسولنا وحبيبنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم..


أيها الإخوة الكرام : عندما جاء الإسلام إلى أرض العرب ، جاء فوجد فيها بين الناس الخير والشر  ، وجد الإسلام العرب يعملون من الفواحش والمنكرات أعمالاً ، ويعملون من الصالحات والمكرمات أعمالاً ..
أما الشر الذي كانوا عليه من قطيعة الأرحام وسوء الجوار والخصومات والعداوات فالإسلام سعى حتى خلصهم وطهرهم منه قال الله تعالى { ﴿ وَٱعْتَصِمُوا۟ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ ۚ وَٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾}
وأما الخير الذي كان الناس عليه في أرض العرب من الشهامة والمروءة والنخوة والوفاء بالعهد فقد امتدحه الإسلام فيهم ، ورغبهم في المزيد منه قال الله تعالى { ﴿ هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ ﴾}
وإذا كنا في يومنا هذا نتحدث مكارم الأخلاق وآثارها وبركاتها على أصحابها وعلى الناس فسوف يقتصر الحديث عن صاحب الخلق العظيم رسولنا وحبيبنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم..
بعث صلى الله عليه وسلم والناس يأكل بعضهم بعضاً ، ويظلم بعضهم بعضاً ، ويقهر بعضهم بعضاً ، 
بعث صلى الله عليه وسلم وقد ساءت الأخلاق ، بين الناس بصورة مخيفة لدرجة أن الرجل كان يخشى ولا يأمن من أخيه ابن أمه وأبيه ..
فسعى صلى الله عليه وسلم داعياً ومعلمًا ومربيًا على مكارم الأخلاق ، بفعله وقوله صلى الله عليه وسلم..
فما عرفت الدنيا أحسن أخلاقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم..
مع زوجه ، مع ولده ، مع صحبه، مع خدمه ، مع جيرانه لن تجد أحداً أبسط ولا أحسن مجالسة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
دَخَلَ نَفَرٌ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، فَقَالُوا لَهُ: حَدِّثْنَا أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَاذَا أُحَدِّثُكُمْ؟ كُنْتُ جَارَهُ «فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ بَعَثَ إِلَيَّ فَكَتَبْتُهُ لَهُ ، فَكُنَّا إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا ذَكَرَهَا مَعَنَا ، وَإِذَا ذَكَرْنَا الْآخِرَةَ ذَكَرَهَا مَعَنَا ، وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ مَعَنَا ، فَكُلُّ هَذَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ».
فما عرفت الدنيا أحسن أخلاقا ، ولا أوسع صدراً ولا أحلم ولا أرحم ولا أوصل ولا أبر  ولا أحسن تعليما من رسول الله صلى الله عليه وسلم..
عن معاوية بن الحكم السلمي قال «(بينا نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت وا ثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي قال فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتوني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه والله ما كهرني ولا شتمني ولا ضربني قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس هذا إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن )»
ما عرفت الدنيا أكرم نفسا ، ولا  أطول يداً في الخير ، من رسول الله صلى الله عليه وسلم 
عَنْ عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ:
«أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا عِنْدِي شَيْءٌ وَلَكِنِ ابْتَعْ عَلَيَّ ، فَإِذَا جَاءَنِي شَيْءٌ قَضَيْتُهُ» فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ أَعْطَيْتُهُ فَمَّا كَلَّفَكَ اللَّهُ مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ ﷺ قَوْلَ عُمَرَ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْفِقْ وَلَا تَخَفْ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعَرَفَ فِي وَجْهِهِ الْبِشْرَ لِقَوْلِ الْأَنْصَارِيِّ ، ثُمَّ قَالَ: «بِهَذَا أُمِرْتُ»» .
يوم تكلم القرآن الكريم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم عن أخلاقه الكريمة ، تكلم عن رحمته العظيمة ، تكلم عن رأفته عليه الصلاة والسلام..
{﴿ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾}
جعل الله تعالى من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الحال من مكارم الأخلاق حتى نتعلم منه ونقتدي به ، فهو مثال لنا ، ننظر إليه ونهتدي بنوره ، ونتلمس خطاه ، طاعة لله تعالى ، وإيماناً به ، ومحبة له صلى الله عليه وسلم ..
أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقا ، أحب الناس إلى الله تعالى أحسنهم أخلاقاً ، أقرب الناس مجلساً في الجنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنهم أخلاقاً..

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل نصيبنا من مكارم الأخلاق النصيب الأوفر إنه ولي ذلك والقادر عليه...

الخطبة الثانية 
بقى لنا في ختام الحديث عن مكارم الأخلاق وبركتها على أصحابها وعلى الناس  ..
بقى لنا أن نقول ماذا لو خسر الناس أخلاقهم ؟ ماذا لو ضاعت الأخلاق ؟
إذا ضاعت الأخلاق ، فانتشر الكذب ، وأعلنت الفواحش ، وغاب الحياء ، وانعدمت غيرة الإنسان على محارمه ، وظهر النفاق ، وحضرت الخيانة ، وسوء الظن ، فالدنيا على حافة الهاوية..
عن أم المؤمنين زينب « أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ اسْتَيْقَظَ مِن نَوْمِهِ وَهو يقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليومَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هذِه. وحلَّقَ بِإصبعِه الإبهامِ والَّتي تَلِيها ... قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قالَ: نَعَمْ، إذَا كَثُرَ الخَبَثُ"»
ومعنى كثر الخبث :أي  كثر الفُسوقُ والفجورُ والمعاصي، مِن نَحوِ الزِّنا، والخُمورِ، وغَيرِها، وإذا كَثُرَ المُجترِئونَ على مَعاصي اللهِ دونَ رادعٍ ولا وازعٍ؛ عَمَّ الهلاكُ الصالح والطالح، ثُمَّ يُبعَثُ كلٌّ يوم القيامة على نيَّتِه.
قال عبد الله بن عمر أقبل علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال يا معشرَ المهاجرين خمسُ خِصالٍ إذا ابتليتم بهنَّ وأعوذُ باللهِ أن تدركوهنَّ لم تظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعلِنوا بها إلَّا فشا فيهم الطَّاعون والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضت في أسلافِهم الَّذين مضَوْا ولم ينقُصوا المكيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذوا بالسِّنين وشدَّةِ المؤنةِ وجوْرِ السُّلطانِ عليهم ولم يمنَعوا زكاةَ أموالِهم إلَّا مُنِعوا القطْرَ من السَّماءِ ولولا البهائمُ لم يُمطَروا ولم يَنقُضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلَّا سلَّط اللهُ عليهم عدوًّا من غيرِهم فأخذوا بعضَ ما في أيديهم وما لم تحكُمْ أئمَّتُهم بكتابِ اللهِ تعالَى ويتخيَّروا فيما أنزل اللهُ إلَّا جعل اللهُ بأسَهم بينهم
إذا ضاعت الأخلاق وفسدت الذمم وانعدمت الضمائر ، وانتهك الناس محارم الله تعالى , وتجاوزوا حدوده باتت الساعة أقرب من لمح البصر ..
قال النبي عليه الصلاة والسلام  «سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصَدق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل وما الرويبضة يارسول الله؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة» 
أكبر وأوضح علامة على أننا أصبحنا في آخر الزمان ، وأن الساعة قريب هو أن ترى الولد يعق والديه ، وترى الرجل يقطع رحمه ، وترى الحياء وقد نزع من قلوب الناس ، وقد أصبحت الأمانة عملة نادرة ، وأن يوسد الأمر إلى غير أهله .. عند ذلك فاعلم يقينا أنك قاب قوسين أو أدنى من زوال الدنيا وقيام الساعة ..
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعصمنا من الزلل وأن ينجينا برحمته من سوء العمل..

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.

  • 1
  • 1
  • 441

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً