أزمة المسلمين الحضارية: جذورها وأبعادها وحلولها

منذ 2024-04-29

ويمكننا حصر هذه الأزمة المُعقدة وتداعياتها في الآتي: جذر الأزمة: (عدم فهم المنهج الإسلامي وفاعلية تطبيقه)

 

     تُلقي أزمة المسلمين الحضارية بظلالها على مختلف جوانب حياة الأمة الإسلامية، ممثلةً حالة من التخلف والتراجع الحضاري على مختلف الأصعدة مقارنةً بماضيها المشرق، وتعود جذور هذه الأزمة إلى تراكمات تاريخية وتفاعلات معقدة، تتطلب تحليلًا دقيقًا وفهمًا عميقًا لعواملها المؤثرة، ويمكننا حصر هذه الأزمة المُعقدة وتداعياتها في الآتي:

جذر الأزمة: (عدم فهم المنهج الإسلامي وفاعلية تطبيقه)

     تتشابك جوانب الحياة وتتداخل فيما بينها، ولكي تحقق أي أمة نهضة فعلية لا بد من اتباعها منهجا متكاملا يراعي جميع جوانب الحياة فيها، فيعمل على تجديد وتطوير مختلف الجوانب في نفس السياق، وبقدر تكامل المنهج وتوازنه بقدر سرعة واستدامة النهضة.

     والأمة الإسلامية لا تعاني من غياب المنهج، فهي الأمة الوحيدة التي تملك المنهج السماوي الوحيد الخالي من التحريف أو التبديل، لكنها من جراء تعاقب الأجيال وبعد الشقة انحرفت في فهمها للمنهج الصحيح، وعدم القدرة على تطبيقه بشكل سليم في مختلف مجالات الحياة؛ لأن فهم المنهج الإسلامي وتطبيقه الصحيح هو حجر الزاوية لأي نهضة حضارية، وحلقة الوصل بين الماضي والمستقبل.

تشابك الأزمات وتداخل التأثيرات:

     لا شك في أن هناك مجموعة من الأزمات الرئيسة المتشابكة قد أدت بالأمة إلى أزمة عدم فهم المنهج وعدم القدرة على توظيفه بعد تجديده، وما يميز هذه الأزمات أن بعضها يؤدي إلى بعض وهي:

١- أزمة تأخر المجددين وضعف المصلحين:

     هؤلاء هم خلفاء الرسل، فإذا كان الرسل يقومون بتجديد المنهج حسب ظروف الزمان والمكان بوحي من الله، فإن الوحي الخالد موجود بيننا، لكنه يحتاج إلى مجددين يجمعون بين فهم النص وفهم الواقع، ومن ثم إنزاله وتوظيفه، ويُعدّ وجود المصلحين ضروريًا لتنقية الإسلام من الشوائب، وتجديد الفكر الإسلامي، ومواكبة التطورات العصرية. فغياب القيادات الفكرية المُلهمة التي تُجدّد في الفهم وتُواكب العصر، أدّى إلى جمودٍ فكريٍّ وركودٍ حضاريٍّ، والمصلحون دورهم محوري تعريف المعروف وإنكار المنكر، ولا شك أن وجودهم ضمانة لعدم تعريف المنكر وإنكار المعروف، وخلو المجتمع منهم إيذان بهلاكه، كما قال تعالى: {{ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ }} .

٢- أزمة التعليم عموما والدعوة والإعلام خصوصا: 

     التعليم هو صانع المجددين ومفجر همم المصلحين، جنبا إلى جنب مع الدعوة والإعلام، ويُعاني التعليم الإسلامي من ضعف في جودته، وتوجيهه لغير وجهته، ونقص في المؤسسات التعليمية المتخصصة. كما تُواجه الدعوة الإسلامية تحديات كبيرة، تتمثل في ضعف الدعاة أنفسهم، فضلا عن انتشار الأفكار الضالة والبدعية، وضعف التأثير على المجتمع، بفعل الغزو الفكري للغرب، والدور الخبيث للإعلام.

٣- غياب الوعي العام للأمة:

     لقد أثرت أزمة التعليم والدعوة على الوعي العام لأفراد الأمة، فجعلته مشغولا بالتفاهات والسخافات والبدع والملذات (فتن الشهوات والشبهات) فأخمدت عقولهم وهيجت عواطفهم، وعندما تثار العواطف ترى مصارع العقلاء، فلا يكترثون لتخلفهم وتراجعهم الحضاري بقدر ما يكترثون لخسارة فريق كرة قدم أو أغنية أو فيلم هابط.

٤- أزمة التفرق السياسي والاستبداد فيه:

     يُعدّ التفرق السياسي بين وحدة الأمة والاستبداد السياسي أحد العوامل الرئيسة التي تُعيق نهضة الأمة الإسلامية، وتُحَول دون تحقيق التقدم الحضاري.

     وقد تسببت أزمة غياب الوعي العام للأمة إلى تفرقها إلى أنظمة سياسية أصغر وإلى الاستبداد السياسي داخل هذه الأنظمة، فإن الله تعالى قد قرر في كتابه سنة كونية باقية تقتضي أن يكون النظام السياسي للأمم انعكاس لحالة الشعوب فيها: {﴿ وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾} . وقد حكى القرآن الكريم عن سبب استبداد فرعون وتسلطه فقال: { ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾} . ومن ثم فإن التغيير السياسي مرهون بالتغيير النفسي والاجتماعي، بعيدا عن الثورات والصدامات التي لا تخلف إلا الخراب والدمار، واستبدلها الإسلام بالطاعة في المعروف.

     وتبدو أهمية الوحدة السياسية للأمة في ترابطها وتكاملها مما يعزز من هيبتها وقوتها فلا يتسلط عليها أعدائها، أما الاستبداد فهو مناهض للشورى التي تقتضي تنقيح العقول وقدح زنادها للوصول إلى أصوب وأنفع القرارات، كما أنه مناهض للعدل الذي يعزز الانتماء والولاء ويحقق الأمان، وهو أيضا مناهض للحرية التي تقتضي الإبداع والابتكار.

العلاقة بين الأزمات:

     أهم ما يميز هذه الأزمات هو الترابط العضوي بينها في حلقات متداخلة ودورة مُغلقة، حيث ترتبط هذه الأزمات ببعضها البعض ارتباطًا وثيقًا، فضعف فهم المنهج وتطبيقه نتج عن نقص المصلحين والمجددين، والذي بدوره نتج عن ضعف التعليم والدعوة، والذي بدوره أدى إلى غياب الوعي الاجتماعي كما أدى غياب الوعي الاجتماعي إلى عدم الاهتمام بالتعليم، ومن ثم أدى ذلك إلى الاستبداد السياسي الذي يُعيق جهود الإصلاح والتجديد، ويُساهم في انتشار الجهل والبدع.

الحلول المقترحة:

     تبدأ وتنتهي بالتعليم عموما والدعوة والإعلام خصوصا؛ لأن التعليم هو الذي يصنع المجددين ويؤهل المصلحين، الذين يجددون المنهج ويشكلون الوعي الإسلامي الوسطي الصحيح بين الناس، بعيدا عن العنف والصدام مع الأنظمة السياسية، فإن السياسيين هم من مخرجات الأنظمة التعليمية للمجتمع، وجزء من المجتمع، وإذا تقدم التعليم تقدمت معه جميع جوانب الحياة في المجتمع.

     ويترتب على مواجهة أزمة التعليم ضرورة تطوير المناهج التعليمية الإسلامية، وتحديث أساليب الدعوة، وتعزيز دور المؤسسات الإسلامية في نشر الوعي وتثقيف المجتمع، ومواجة الإعلام الخبيث بالإعلام الهادف.

خاتمة:

     إن أزمة المسلمين الحضارية ليست أزمة مستعصية أو قدرًا مُحتومًا، بل هي تحد يمكن التغلب عليه من خلال العمل الجاد، والإيمان الراسخ، وتضافر الجهود من قبل جميع أفراد الأمة.

محمد سلامة الغنيمي

باحث بالأزهر الشريف

  • 2
  • 0
  • 494

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً