200 يوم من الحرب.. كشف حساب لحماس وإسرائيل
فبعد أكثر من 200 يوم على اندلاع الحرب لم تحقق إسرائيل أهدافها في أي ساحة من ساحات القتال ولا حتى في الجانب السياسي، ولا يزال الأسرى الإسرائيليين في قبضة المقاومة، وهذا ما يعترف به الإعلام الإسرائيلي نفسه.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
بعد أن دخلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يومها الـ200، كثرت التساؤلات عن الرابح والخاسر في هذه الحرب، وازدادت التساؤلات الموجهة لحكومة نتنياهو حول تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها منذ دخولها هذه الحرب لتحرير الرهائن وللقضاء على حركة حماس، خاصة أن العدوان المتواصل تسبب بخسائر قياسية وأضرار لإسرائيل على كافة المستويات العسكرية واللوجستية والاقتصادية.
ولذلك سوف نسرد معًا خلال الأسطر القادمة أبرز الوقائع والإحصائيات الميدانية التي سوف تبين لنا بشكل لا يقبل الشك، حجم الربح والخسارة لكل من طرفي الصراع في هذه الحرب، مع الأخذ في الاعتبار وجود جيش مجهز بكافة الإمكانيات ومدعوم من معظم دول العالم سياسيًا وعسكريًا، وفي الجهة الأخرى فصائل مقاومة تصنع سلاحها بإمكانياتها المتاحة وتُحارَب ليل نهار عبر تصريحات وعقوبات سياسية من معظم الدول الغربية.
نتنياهو في ورطة يبدو واضحًا اليوم أنه من الصعب أن تجد أحدًا من المسؤولين الإسرائيليين يتحدث عن تحقيق مكاسب لهذه الحرب سوى رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتنياهو" الذي يردد شعار "النصر الحاسم الساحق"، فبعد أكثر من 200 يوم على اندلاع الحرب لم تحقق إسرائيل أهدافها في أي ساحة من ساحات القتال ولا حتى في الجانب السياسي، ولا يزال الأسرى الإسرائيليين في قبضة المقاومة، وهذا ما يعترف به الإعلام الإسرائيلي نفسه.
وفي هذا السياق أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي لم يحقق أهدافه في أي ساحة من ساحات القتال، لافتةً إلى أن معظم قوات الجيش انسحبت من أراضي قطاع غزة في الأسابيع الأخيرة، في حين لم يتم القضاء على مسؤولي حماس، في الوقت الذي لا يزال فيه 133 إسرائيليًا في الأسر.
لذلك يبدو أن نتنياهو الذي كان قد حدد عند انطلاق العملية العسكرية أهدافًا أساسية، تتمثل في القضاء على "حماس"، واستعادة المحتجزين لدى فصائل المقاومة، وإنهاء أي تهديدات من قطاع غزة، قد غرق اليوم في وحل غزة وأغرق معه منظوماته الأمنية والعسكرية والسياسية، وأوصل الاحتلال إلى عزلة دولية لم تكن بالحسبان.
200 يوم من العدوان الهمجي وحرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، كشفت أن هناك ثورة كبيرة بالوعي العالمي بعد الحرب على غزة، وأن انتقاد إسرائيل لم يعد خطًا أحمر، خاصة وسط قطاعات كبيرة من الشباب وقال المختص في الشؤون الإسرائيلية عمر جعارة: "إن الجدير بقائد أي معركة أن يقدم (جرد حساب) أو على الأقل خطة مكتوبة أو حتى شفوية لما ينوي ويخطط للقيام به من جهة، ولسير العمل والتنفيذ من جهة أخرى، غير أن نتنياهو يعمل دون تقديم أي دليل للداخل أو للعالم على اقترابه من تحقيق ما حدده من أهداف للحرب التي يشنها في قطاع غزة، كما لم يقدم استراتيجية تقود لتحقيق هذه الأهداف وإنهاء الحرب".
الواضح بشكل ساطع أن هذا الفشل المتراكم لنتنياهو أحدث زلزالًا داخل (مجلس الحرب الإسرائيلي)، جعل من أعضائه يتقاذفون الاتهامات ويحمّلون بعضهم المسؤولية عنه، كما أنه قوّى شوكة المعارضة التي باتت تتهم نتنياهو بالمسؤولية الكاملة عن كل ما لحق بالكيان من خسائر جسدية ومادية ومعنوية، وزعزع من علاقاتها مع الكثير من دول العالم.
تداعيات الحرب تتحدث زادت تداعيات الحرب المستمرة من حدة الخسائر على الاقتصاد والموازنة العامة التي تعاني عجزًا غير مسبوق عمقته تكلفة جنود الاحتياط والمساعدات المالية للإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من مستوطنات "غلاف غزة" ومن الجنوب ومن الحدود الشمالية مع لبنان. يُضاف إلى ذلك القتلى والجرحى في صفوف العسكريين والمدنيين، والمحتجزون لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، وذلك إلى جانب الخسائر والأضرار غير المباشرة على مختلف الفروع والقطاعات الاقتصادية والتجارية وسوق العمل الإسرائيلي والأضرار التي تكبدتها الجبهة الداخلية والبنى التحتية.
استنزاف الجيش وصل عدد قتلى جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى 606 قتلى وأكثر من 3294 مصابًا وأكثر من 2000 جندي معاق، ليطرح انقضاء 200 يوم من الحرب سؤالًا جوهرًيا عن إمكانية إدارة حرب لا يعرف أحد وسيلة فعالة لتحقيق أهدافها، في حين يقترب نتنياهو من استنزاف غضب جزء كبير من المؤيدين له.
نحن أمام 200 يومًا من الحرب ولكن غلاف مستوطنات غزة مازال تحت القصف، بل امتد القصف لعكا والشمال وإيلات، وبات باليستيًا وعبر مسيّرات، وأيضًا الناطق الرسمي باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" ما زال يخرج صوتًا وصورة، والمقاومة توثق عملياتها ما يعني أن القيادة والتحكم مستمران.
ويظهر لنا من المشاهد التي تابعنا تفاصيلها عبر الشاشات على مدار 200 يومًا أن شروط المقاومة لا تغيير عليها بل الإصرار يزداد، ما يدلل على قوة لم تتأثر، في حين يفشل جيش الاحتلال في السيطرة على بيت حانون شمالًا ويتجهز لمحاولة الانقضاض على رفح في محاولة منه للتغطية على حجم فشله الكبير، رغم أن الردع الإسرائيلي يزداد ضعفًا مع مرور الوقت. فبعد 200 يوم من القصف والقتل، يحاول الاحتلال التمركز في المنطقة الشرقية للقطاع لفصلها عن الوسط والجنوب ومنع النازحين من العودة وإقامة منطقة عازلة بعمق 500 متر من السياج الفاصل داخل القطاع، لكن هذا التمركز سيجعل القوات صيدًا سهلًا للمقاومة التي تواصل تنفيذ ضربات في مناطق لم يتوقع الاحتلال أن يُؤتى منها بعد ما ألحقه بها من دمار.
فشل مركب أشارت مجلة "إيكونوميست" البريطانية في تحليل موسع لها إلى أن هناك ثلاثة أوجه للفشل لدى جيش الاحتلال، أولها الفشل الاستراتيجي، حيث يقع اللوم في المقام الأول على السياسيين الإسرائيليين - وتحديدًا نتنياهو - الذين رفضوا قبول أي قوة فلسطينية بديلة تسيطر على غزة، كما تقع المسؤولية أيضًا على عاتق الجنرالات وفهمهم لكيفية قياس النجاح هناك. أما الفشل الثاني فيتمثل في الطريقة التي خاض بها جيش الاحتلال هذه الحرب، وتحديدًا المستويات العالية من الدمار وقتل المدنيين. أما الفشل الثالث فهو دور جيش الاحتلال في عرقلة جهود المساعدات لسكان غزة، رغم أن الضباط ألقوا باللوم في ذلك على السياسيين بشكل أساسي. وتختم إيكونوميست تحليلها بالتأكيد على أن "الوضع لا يبشر بالخير، فالحرب في غزة لم تنتهِ بعد، كما أن الخطوة التالية لإسرائيل غير واضحة".
حماس لم تنته أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في تقريرها الذي رصد حصاد الـ 200 يوم من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، أن عددًا كبيرًا من قيادات حماس العليا في غزة ما زالوا في أماكنهم، متخفين في شبكة واسعة من الأنفاق ومراكز العمليات تحت الأرض ويتخذون القرار بكل أريحية في مفاوضات الرهائن. وذكرت الصحيفة الأمريكية أنه في تقييم استخباراتي سنوي صدر في شهر مارس الماضي، أعربت وكالات التجسس الأمريكية عن شكوكها بشأن قدرة إسرائيل على تدمير حماس فعليًا، وأنه من المحتمل أن تواجه إسرائيل مقاومة مسلحة مستمرة من حماس لسنوات قادمة.
انتقاد إسرائيل لم يعد خطًا أحمر 200 يوم من العدوان الهمجي وحرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، كشفت أن هناك ثورة كبيرة بالوعي العالمي بعد الحرب على غزة، وأن انتقاد إسرائيل لم يعد خطًا أحمر، خاصة وسط قطاعات كبيرة من الشباب ممن ليسوا من أصول عربية أو إسلامية، بل وجزء منهم من اليهود الليبراليين، ممن لم يعودوا قادرين على الدفاع عن المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة.
بطبيعة الحال هناك تغير كبير من حيث توجيه الاتهامات أو انتقاد إسرائيل، فقد أصبح الأمر اليوم صريحًا أكثر من ذي قبل، فبعد أن كان انتقاد إسرائيل يعنى انتقاد اليهودية أو ما يسمى بـ"معاداة السامية"، أصبح هناك انتقاد ساخن وحاد لدولة الاحتلال، وأكبر دليل على ذلك، تلك المظاهرات الشعبية التي تطوف عواصم ومدن أوروبية، وفي القلب منها الاحتجاجات الطلابية والاعتصامات المستمرة بالجامعات الأمريكية داخل الولايات المتحدة، والتي تنتقد بصوتٍ عالٍ الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة وتطالب بسحب استثمارات الجامعات التي تذهب لصالح إسرائيل.
__________________________________________________________
الكاتب: أحمد درويش