الحج وذو القعدة
لقد أظلنا شهر ذي القعدة؛ وهو من الأشهر الحرم فاتقوا الله ولا تظلموا فيه أنفسكم فالمعصية فيه أعظم والحسنة فيه أفضل.."
إنَّ الله تعالى قال مخبراً عن موسى عليه السلام: ﴿ ّ {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84]، قال الشافعي: فعُلم أن تعجيلَ العبادة سببُ الرضوان.
ومن ذلك المبادرة إلى الحجِّ بعد توفُّر شروطه؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «تعجَّلوا إلى الحج - يعني: الفريضة - فإنَّ أحدكم لا يدري ما يَعرِض له»؛ (رواه أحمد، وحسَّنه الألباني) .
فالحج أحد أركان الإسلام، فلا يجوز التهاون فيه وقد ذكر العلماء رحمهم الله شروطَ وجوب الحج، والتي إذا توفرت في شخص وجب عليه الحج، ولا يجب الحج بدونها، وهي خمسة: الإسلام، العقل، البلوغ، الحرية، الاستطاعة. وتزيد المرأة وجود المحرم.
قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]. وهذا يشمل الاستطاعة البدنية والاستطاعة المالية.
أما الاستطاعة البدنية فمعناها أن يكون صحيح البدن ويتحمل مشقة السفر إلى بيت الله الحرام.
وأما الاستطاعة المالية فمعناها أن يملك النفقة التي توصله إلى بيت الله الحرام ذهاباً، وإياباً.
عباد الله يلاحظ على بعض الناس التساهل في ترك الحج ويتعذر بأعذار واهية وغالبها عدم القدرة المالية ومن جانب آخر تجده يصرف أموالاً كثيرة على السفر للنزهة أو غيرها فإذا جاء الحج تعذر بعدم القدرة المالية وهذا تساهل مؤاخذ عليه أمام الله.
قال الشيخُ ابنُ بازٍ رحمه الله: من قَدَرَ على الحجِّ ولم يحُجَّ الفريضةَ وأخَّرها لغير عذر فقد أتى مُنكراً عظيماً ومعصيةً كبيرةً والواجبُ عليه التوبةُ والبِدارُ بالحجِّ اهـ.
ولو نظرنا إلى السلف الصالح وحرصهم على الحج لوجدنا المبادرة والتعجل لأداء الركن الخامس فهذه أسماء بنت عميس رضي الله عنها خرجت إلى الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم وهي على أبواب الولادة وولدت بذي الحليفة على بعد بضعة أميال من المدينة فأرسلت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - كيف أصنع؟ فأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم وسافرت وأكملت الحج.
وقد صحَّ عن عمر رضي الله عنه أنه قال: مَن أطاق الحجَّ فلم يحجَّ، فسواء عليه مات يهوديًّا أو نصرانيًّا.
فالبدار البدار الى أداء هذا الركن العظيم لتفوز برضا الله والجنة فإن الحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» . (متفق عليه) .
قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36].
وقَالَ -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: «إن الزَّمَان قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» (رواه البخاري ومسلم).
عباد الله: لقد أظلنا شهر ذي القعدة؛ وهو من الأشهر الحرم فاتقوا الله ولا تظلموا فيه أنفسكم فالمعصية فيه أعظم والحسنة فيه أفضل قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: اختص الله أربعة أشهر جعلهن حرمًا، وعظَّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، وجعل العمل الصالح والأجر أعظم.
ومن خصائص هذا الشهر فضيلة العمرة فيه فعُمَر النبي -صلى الله عليه وسلم- الأربع كنّ في شهر ذي القعدة، قَالَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي القَعْدَةِ (متفق عليه) .
وصلُّوا - رعاكم الله - على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا».
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
_______________________________________________________
الكاتب: رافع العنزي
- التصنيف: