علو منزلة الشهيد
إن طغاة الصهاينة لن يوقف آلة دمارهم إلا رفع راية الجهاد من رجال يحملون أرواحهم على أكفهم غايتهم قتال لإعلاء كلمة الله {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ}
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
قلوب المؤمنين وأبصارهم متوجهة إلى غزة يتابعون أخبارهم ضد الكيان الصهيوني الظالم الذي فعل بالمسلمين ما لم يفعله أحد ولا من سبقه من الظلمة المستبدين.
وإن قلوب المؤمنين تعتصر ألما وأسى من شدة المأساة مئات الآلاف من المشردين وألوف من الجرحى وألوف الشهداء وألوف من الأيتام والأرامل ومازالت أرض غزةالمباركة تسقى بدماء الشهداء الزكية.
وما من يوم يمر إلا وأعداد الشهداء يتجاوز المئة وما دماء الشهداء إلا وقود وما هي إلا سلم لتحقيق النصر.
إن طغاة الصهاينة لن يوقف آلة دمارهم إلا رفع راية الجهاد من رجال يحملون أرواحهم على أكفهم غايتهم قتال لإعلاء كلمة الله {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14].
عباد الله: يتألم المسلم لما يرى من كثرة القتلى والشهداء في غزة ورفح. نعم! وحُق للمسلم أن يحزن لكن مما يسلي المسلم أن يتذكر ما أعده الله للشهداء في سبيله من منازل عالية وحياة كريمة كاملة فالموت في الجهاد حياة أبدية قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169].
بعد معركة بدر كان الناس يقولون لمن يقتل في سبيل الله فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها فأنزل الله: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154] قال الحسن: إن الشهداء أحياء عند الله تعالى، تعرض أرزاقهم على أرواحهم، فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على آل فرعون غدوة وعشية فيصل إليهم الوجع.
استمعوا رعاكم الله إلى أمنية رسول الله روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل».
إنه الشوق للجنة. ذلك الذي جعل الصحابي خيثمة وابنه سعد رضي الله عنهما يتنافسان على الخروج إلى الجهاد في غزوة بدر قال خيثمة لابنه سعد إنه لابد لأحدنا أن يقيم فآثرني بالخروج واقم مع نسائك فأبى سعد وقال: لو كان غير الجنة آثرتك به، إني لأرجو الشهادة في وجهي هذا فاستهما فخرج سهم سعد فخرج فقتل ببدر.
يا للشهيد كأنه ملك دنياه شامخة وأخراه
لله در أبيه من بطل كالكوكب الدري تلقاه
مسك الجنان يفوح من دمه والبدر يسطع من محياه
في الأرض ندفنه وفي قمم الفردوس عند الله محياه
ليلاه حوراء الجنان إذا كل امرئ شغفته ليلاه
هذا الشهيد ألست تعرفه ألعز بين يديه والجاه
العز في كنف العزيز ومن عبد العبيد أذله الله
إخوة الإيمان:
أرواح الشهداء في جوف طير خضر لها قناديل معلقة تحت العرش تسرح في الجنة حيث شاءت، والشهادة صفقة رابحة مع ربٍّ كريم {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] الله أكبر ما أعظمه وأجله من تبايع الله المشتري والثمن جنات النعيم. وقد ربح هذه البيعة الصحابي الجليل حارثة بن سراقة رضي الله عنه وكان قتل يوم بدر أتت أمه إلى رسول الله وقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء؟ قال: «يا أم حارثة إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى...» (رواه البخاري).
في الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله مابين الدرجتين كما بين السماء والأرض ومن راح روحة في سبيل الله كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسكا يوم القيامة وقال صلى الله عليه وسلم: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان» (رواه مسلم)
عباد الله: عندما تتعلق قلوبنا بالدنيا ومتاعها وعندما نركن للدنيا حبا في الحياة وكراهية للموت فإن الدنيا لا تساوي شيئا أمام الجهاد في سبيل الله والاستشهاد في سبيله قال صلى الله عليه وسلم: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها» (رواه البخاري).
الشهيد استعلى على محبوباته وتغلَّب على شهواته واسترخص الحياة في نيل شرف الشهادة في سبيل الله.
الشوق للشهادة دعا الصحابي ابن أم مكتوم رضي الله عنه وهو ضرير أعمى لا يبصر أن يقول: أي رب!! أنزل عذري فأنزلت ((غير أولي الضرر)) فله عذر بعدم الجهاد لكن هل جلس بعد ذلك في بيته أو ركن إلى الدنيا ومتاعها، كلا بل كان يغزو ويقول: ادفعوا إلي اللواء فإني أعمى لا أستطيع أن أفر، وأقيموني بين الصفين.
يا مسلمون:
المسلم لا يحزن عندما يرى كثرة أعداد الشهداء فقد اختارهم الله واصطفاهم للشهادة.. لكن المحزن أن يقف العالم متفرجا على مشاهد القتل والتدمير.. المحزن أن الغرب أخزاهم الله يصرحون بدعمهم بالرجال والمال ولازالت دول مسلمة كثيرة مترددة أو صامته.. المحزن انشغال شباب أهل السنة والجماعة بترهات وتفاهات لا تستحق عليها أمة الإسلام النصر..
عندما تنقل لنا وسائل الإعلام صور جثامين الشهداء فإن مما يصبر المؤمن أن يتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن الفزع الأكبر ويحلى حلية الإيمان ويُزوَّج من الحور العين ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه». (رواه ابن ماجه والترمذي وأحمد وصححه الألباني).
«إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام ندوالها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين»
من ذا الذي يدخل الجنة ثم يحب أن يرجع إلى الدنيا؟ هل يمكن أن تقع هذه الأمنية؟ ومن ذا الذي يتمنى أن يرجع لدار نعيمها منغص؟ الجواب يرويه لنا الإمامان البخاري ومسلم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة».
أيها المؤمنون:
من فاته الجهاد ونيل شرف الشهادة فليعن المجاهدين في سبيل الله ويمد يد العون والإغاثة لأهل المجاهدين وأسرهم جاء في الحديث المتفق عليه: «من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا» )) أي بقضاء حوائج أهل المجاهد ومساعدتهم والإنفاق عليهم.
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله فقال عليه الصلاة والسلام: «لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة مخطومة» (رواه مسلم).
عباد الله وقد ذكر جمهور العلماء أنه في وقت الحاجة والمسغبة يجوز تعجيل وتقديم إخراج الزكاة فيتقدم إخراجها لعام أو عامين وإخراج الزكاة وقت الحاجة أفضل من إخراجها في رمضان.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 10، 11].
___________________________________________________
الكاتب: الشيخ سليمان السلامة