مفاتيحُ الناس!
«مِن الناس مفاتيح؛ إذا رُءُوا ذُكِرَ اللهُ لِرُؤْيتِهم»
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
أسند الإمام الطبري في تفسيره إلى أبي الضُّحَى -رحمه الله تعالى-[1] في قوله تعالى: {أَلا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62] قال: «مِن الناس مفاتيح؛ إذا رُءُوا ذُكِرَ اللهُ لِرُؤْيتِهم»[2].
وقد ذكر هذا الأثر أيضًا: ابن كثير في تفسيره، ويُستدل له بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعًا: «الذين إذا رُءُوا ذُكِرَ الله»[3]؛ قال ابن عطية [ت: 542] عن هذا الوصف الوارد في الأثر ودليله: «وهذا وصفٌ لازم للمتقين؛ لأنهم يَخْشَعُونَ ويُخْشِعُونَ»[4].
وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: «مَن عادَى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب ... فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورِجْله التي يمشي بها...»[5].
والقلب عندما يمتلئ بعظمة الله تعالى، فإنه يَذْهل عن كل ما سواه؛ فيصير القلب خالصًا لله، لا يبقى للعبد شيء من نفسه ولا هواه، فلا ينطق إلا بذِكْر الله، ولا يتحرَّك إلا بأمر الله[6]؛ فلا بد من ظهور ما في القلب، يظهر على الظاهر في السمت والهيئة، فلا جَرَم حينئذٍ أن يكون هذا الإنسان مفتاحًا للخير، مُذكِّرًا بالخير بِسَمْته وهيئته وأفعاله وأخلاقه فهو داعية إلى الله، وإن كان صامتًا.
وقد شبَّه -رحمه الله- هؤلاء بالمفاتيح، وقد وجَد مرامه -رحمه الله- في هذا التشبيه، وحُقَّ لهؤلاء الناس أن يكونوا كذلك؛ فهم ضياء لغيرهم ومفاتيح لهم؛ بدلالتهم الناس على الله تعالى، وبحُسن سَمْتهم وكريم أخلاقهم وعلو تعاملاتهم، يفتح الله بهم مغاليق قلوب وأقفال أرواح، فهم أُسوة في الخير، منارة للمعروف والهدى.
وهذه الصفة العظيمة وردت في بعض تراجم العلماء، وتَمثَّلها السلف -رحمهم الله تعالى-؛ فقد جاء في ترجمة بشر بن منصور الزاهد [ت: 180] -رحمه الله تعالى- أنه كان من الذين إذا رُءوا ذُكِرَ الله، وإذا رأيتَ وجهه ذكرتَ الآخرة[7].
ومن هداية الأثر نفهم أثر لُقْيا الصالحين، والجلوس معهم، والاستفادة منهم، قال السخاوي [ت: 902]: «رؤية الصالحين -بلا شك- لها أثر عظيم»[8].
رزقنا الله وإياكم البركة والرشاد، والهداية والسداد.
[1] مسلم بن صُبيح القرشي مولاهم الكوفي، سمع ابن عباس وابن عمر والنعمان بن بشير –رضي الله عنهم-، وسمع من غيرهم، وحدَّث عنه: مغيرة ومنصور والأعمش وآخرون. وكان من أئمة الفقه والتفسير. مات نحو سنة مائة للهجرة. يُنظَر: الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم (8/186)، سير أعلام النبلاء، للذهبي (5/71).
[2] تفسير الطبري (12/209).
[3] أخرجه النسائي في السنن الكبرى، رقم الحديث (11171)، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/500).
[4] تفسير ابن عطية (3/128).
[5] أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم الحديث (6502).
[6] ينظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب (3/1088-1089).
[7] يُنظَر: حلية الأولياء، أبو نعيم (6/240).
[8] فتح المغيث، السخاوي (4/146).
_____________________________________________________
الكاتب: د. عبدالكريم بن عبدالله الوائلي