العشر والنحر
لا زالت مواسم الخيرات على عباد الله تترى، ينقضي موسم ثم يعود آخر مرةً بعد أخرى، فضلًا من الله عَزَّ وَجَلَّ، ومنةً علينا، ومسارعةً إلى طاعته، وتلطفًا منه إلى عباده وأوليائه.
لا زالت مواسم الخيرات على عباد الله تترى، ينقضي موسم ثم يعود آخر مرةً بعد أخرى، فضلًا من الله عَزَّ وَجَلَّ، ومنةً علينا، ومسارعةً إلى طاعته، وتلطفًا منه إلى عباده وأوليائه.
• أقبلت عليكم هذه العشر المباركات التي هي خير أيام العام على الإطلاق؛ ففي صحيح الإمام البخاري[1] من حديث ابن عباسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أفضل»، وفي رواية: «ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى الله من هذه العشر» ، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله، يا رسول الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا من جاد بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء»، فدلَّ الحديث على فضل الجهاد بالمال والنفس جميعًا وأنه لا يعدله ثوابٌ ولو عملٌ في هذه العشر، فأما إن رجع بنفسه أو رجع ماله ولم ترجع نفسه، فالعمل في هذه العشر يا عباد الله أفضل.
قال عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام: «فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير»[2]، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، وهذا التكبير مطلقٌ يا عباد الله من دخول هذا الشهر إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، ويكون أيضًا مقيدًا مع المطلق بدءً من يوم عرفة لغير الحجاج، في صلاة الصبح في يوم عرفة إلى صلاة العصر في آخر أيام التشريق. وأما الحجاج فيبدأ تكبيرهم المطلق مع المقيد؛ يبدأ المقيد إضافةً إلى المطلق من رمي الجمار ومن صلاة الظهر في يوم العيد.
عباد الله! إن أفضل الأعمال في هذه العشر أولها المحافظة على فرائض الله، وأعظمها توحيد الله، ثم هذه الصلاة التي كثُر مضيعوها، فمنهم من لا يعرفها إلا في يوم الجمعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والزكاة من فرائض الله، وكذلك الصوم، وقضاء الصوم الواجب يبادر إليه المؤمن أولى من صيام نافلة العشر، فيصوم ما عليه من الأيام بنية القضاء ولو وافقت هذه الأيام إلى يوم عرفة، وحج بيت الله الحرام لمن كان من أهل وجوبه من أفضل الأعمال والفرائض في هذه الأيام أيام العشر، وهذه وفود الحجيج قد يممت تجاه بيت الله الحرام.
ثم يلي ذلك يا عباد الله النوافل التي من جنس هذه الفرائض، وكذلك النوافل المطلقة.
القسم الثالث من العمل الصالح في هذه العشر الانتهاء عن المحرمات وما نهى الله عنه، وما نهى عنه رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن اجتناب النواهي متأكدٌ في كل أوان، عظيمٌ ثوابه وأجره في هذه العشر (عشر ذي الحجة).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [سورة الفجر: 1- 2].
أما بعد:
عباد الله! اتقوا الله جَلَّ وَعَلا، وسابقوا إلى مرضاته، وسابقوا إلى العمل الصالح، ألا ولا تلهينكم الدنيا، ولا تشغلنكم أنفسكم ولا أولادكم، ولا يصرفنكم شياطينكم عن استغلال هذه المواسم الطيبة؛ فأنتم في ثاني أيام العشر، وما أسرع ما تنقضي.
من العمل الصالح في هذه العشر يا عباد الله الأضحية؛ وهي أفضل ما قُدم من الأعمال في يوم العيد من النوافل، قال نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما تُقرِّب إلى الله في يوم العيد بشيءٍ أفضل من إهراق دم وإن الدم ليبلغ عند الله بمكان قبل أن تبلغ قطرته الأرض».[3]
واعلموا -عباد الله- أن الأضحية في نفسها سنةٌ مؤكدة، لكنها تجب لمن نذرها، وتجب لمن كانت عنده وصايا من آبائه وأجداده وعنده غلةٌ لها، فيجب عليه إنفاذ هذه الوصية، {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181].
واعلم -أيها المضحي- أنه يلزمك إذا أردتَ الأضحية أن تمسك عن شعرك، فلا تأخذ منه شيئًا، وكذا ظفرك، وكذا بشرتك، من دخول العشر إلى أن تذبح أضحيتك، وهذا الحكم خاصٌ بالمضحي بنفسه، لا بوكيله الذي يذبح عنه، ولا بأهله الذي يضحي عنهم؛ ففي صحيح مسلم [4] من حديث أم سلمة رَضِيَ اللهُ عَنْها قالت: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا دخل العشرُ وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته شيئًا».
ثم اعلموا -عباد الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار، ولا يأكل الذئب إلا من الغنم القاصية.
[1] أخرجه البخاري (969) بنحوه.
[2] أخرجه أحمد (5446).
[3] أخرجه ابن ماجه (3126)، والترمذي (1493) بنحوه.
[4] (1977).
- التصنيف: