يا غوثاه لأمة محمد
لم يعد خافيًا على كل ذي لب وعقل وضمير حي ما نزل بأهلنا وإخواتنا في الشام من بلاءٍ شديدٍ وقتل وتدمير وإبادة تعجز الكلمات عن تصويرها.. الأمر الذي يتطلب النجدة وحشد الطاقات لتلافي الآثار الخطيرة التي قد تنجم عن ذلك ...
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
لم يعد خافيًا على كل ذي لب وعقل وضمير حي ما نزل بأهلنا وإخواتنا في الشام من بلاءٍ شديدٍ وقتل وتدمير وإبادة تعجز الكلمات عن تصويرها.. الأمر الذي يتطلب النجدة وحشد الطاقات لتلافي الآثار الخطيرة التي قد تنجم عن ذلك وهاكم ما ذكره ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية: "أن عمر عس المدينة ذات ليلة في عام الرمادة فلم يجد أحدًا يضحك، ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة، ولم يجد سائلًا يسأل، فسأل عن سبب ذلك، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إن السُّؤَّال سألوا فلم يعطوا فقطعوا السؤال، والناس في هم وضيق، فهم لا يتحدثون ولا يضحكون، فكتب عمر إلى أبي موسى بالبصرة: أن يا غوثاه لأمة محمد، وكتب إلى عمرو بن العاص بمصر: أن يا غوثاه لأمة محمد، فبعث إليه كل واحد منهما بقافلة عظيمة تحمل البر وسائر الأطعمات".
وهذا الأثر جيد الإسناد مجاعة أصابت الناس أرقت نفس عمر الزكية فاستنفر الأقاليم المجاورة، فلم يقر له قرار حتى أزال آثار المجاعة، وطلب الغوث حتى أشبع الناس والقرآن الكريم بقصصه وعبره يشحذ العزائم، وينبه للخطر الداهم، ويستحث النفوس ويستنفرها لتلافي الخطوب المحدقة.. يقول الفقيه المحدث العابد الوزير العباسي الصالح ابن هبيرة الدوري في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ} تأملت ذكر أقصى المدينة، فإذا الرجلان جاءا من بُعد في الأمر بالمعروف، ولم يتقاعدا لبعد الطريق، وأقصى المدينة جاء في قصة موسى -عليه السلام- عندما تآمر عليه الملأ ليقتلوه، وفي خبر مؤمن آل ياسين عندما أجمع أصحاب القرية على رجم المرسلين أو إذاقتهم العذاب الأليم إن نفسا ترتضي الإسلام دينًا ثم ترضى بعده أن تستكينًا أو ترى الإسلام في أرض مهينًا ثم تهوى العيش نفس لن تكونا في عداد المسلمين العظماء.
لما تولى نور الدين زنكي الخلافة رئي متجهمًا، وأراد العلماء والفقهاء التخفيف عنه لما يعلمون من صلاحه وتقواه، حتى جعل المفتي في الجامع الأموي بدمشق خطبته عن التبسم بعد أسبوع من تجهمه وتوليه السلطنة، وظل نور الدين زنكي متجهمًا، فسأله العلماء بعد صلاة الجمعة وقد اجتمعوا به عن سبب تجهمه؟ فقال لهم: والله إنني لأستحيي من الله أن يراني مبتسمًا وفي ديار الإسلام قدم لكافر.. أتريدني أن أبتسم والقدس بيد النصارى؟ أتريدني أن أسرَّ والمسجد الأقصى بيد النصارى؟ لا والله!! هؤلاء هم الرجال العظام الذين كانوا لهم بصمات واضحة مؤثرة في حركة التاريخ، وهم الذين يستحقون رحمة الله.. {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71]. هم الذين يعين بعضهم بعضًا، ويوالي بعضهم بعضًا خصوصًا في أيام الشدائد والمحن.. روى البخاري.. (قال إبراهيم -عليه السلام-: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمر ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك) ؛ لا كالخليفة العباسي الناصر لدين الله الذي ورد ذكره في كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لما دخلت التتار البلاد وملكوا من ما وراء النهر إلى العراق، وقتلوا تلك المقتلة من المسلمين، التي ما نكب المسلمون بأعظم منها، دخل الوزير على الخليفة الناصر لدين الله فقال له: آه يا مولانا؛ إن التتار قد ملكت البلاد وقتلت المسلمين! فقال له الناصر لدين الله: دعني أنا في شيء أهم من ذلك! طيرتي البلقاء لي ثلاثة أيام ما رأيتها، لا بأس عند هذا الخليفة بليد الإحساس والشعور أن تباد الأمة، وتزول الخلافة، وتصبح الأمة رهينة بيد أعدائها، من أجل شهوة باردة
أين أحفاد خالدٍ وصلاحٍ *** أين أتباع سادة العبقرية؟
أمةَ العرب هبي واستعيدي *** ذروةَ الخير والحياةَ الرضية
لا يرد الحقوق إلا رجال *** وكتاب يعزز البندقية
ومن أجل خدمة الأمة نوَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم طرق الخير المعينة على إعانة كل ضعيف ليقوم كل فرد بما يستطيع من جهد.. روى الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلاَلِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ». (قال الترمذي: حسن غريب وقال الأرنؤوط والألباني: صحيح) واستلهم الشيخ الشعراوي -رحمه الله- من قبس النبوة ففاض فؤاده وبيانه بهذه الأبيات الشعرية المعبرة عن إحساس المؤمن، فقال أبياتًا يستنهض العزمات لنجدة البوسنة، واستنقاذها من مخالب الصرب:
مِن صاحب الرأي الحكيم مشورةٌ *** ومن الشجاع حمية تتقدم
ومن الغني سماحُه ونواله *** ومن القؤول مقالة تتقدم
حتى الضعيف جهاده دمع جرى *** حزنا على أن لا يجد ما يُسهم
والحاكمون عليهم تعضيدُنا *** بحمية تثري الجهاد وتبرم
فيا أيتها الأمة الإسلامية..يا أصحاب النجدة والكرامة..يا أحرار العالم.. يا أصحاب الضمائر الحية.. يا غوثاه لأمة محمد في بلاد الشام المباركة.
عبد العظيم بدر الدين عرنوس
المختار الإسلامي