العيد فرح وعبادة
يوم الفطر ويوم الأضحى وأيام التشريق فيحرم صومها على المسلمين، إلا أيام التشريق فإنه يجوز بالخصوص صيامها للحاج المتمتع والقارن الذي لم يجد دم الهدي
أَيُّهَا المؤمنون! إن خير أيام الله عَزَّ وَجَلَّ ستة أيام؛ يوم الفطر ويوم الأضحى ويوم عرفة، وثلاثة أيام التشريق.
فأما يوم الفطر ويوم الأضحى وأيام التشريق فيحرم صومها على المسلمين، إلا أيام التشريق فإنه يجوز بالخصوص صيامها للحاج المتمتع والقارن الذي لم يجد دم الهدي، وأما يوم عرفة فصيامه لعموم المسلمين من أفضل الأعمال كما دلَّ عليه حديث أبي قتادة الأنصاري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رجلًا سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صيام يوم عرفة قال: «أحتسبُ على الله أن يكفِّر السنتين الماضية والباقية»[1]، ولكن يُكره صيام يوم عرفة لمن كان حاجًا، لأن نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي ندب أمته لصوم يوم عرفة لم يصمه في حجته؛ حجة الوداع.
إذا علمنا هذا يا عباد الله فثمة عند الناس اعتقاداتٌ خاطئة منشؤها إما من الجهل، أو من تقليد بعضهم بعضًا؛ من ذلك اعتقادهم أن أيام الفطر ثلاثة أيام، ويوم الفطر يومٌ واحد هو الأول من شوال، وأما اليوم الثاني وما بعده فليس لها أحكام الفطر، ولهذا بالإجماع يصح صيام اليوم الثاني من شوال، لأنه ليس من أيام العيد، ولو كان من أيام العيد لم يصح صومها كما سبق التنبيه إليه من نهيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صيام يوم الفطر ويوم الأضحى.
ومن ذلك -أي من اعتقادات الناس الباطلة- أنه في يوم الفطر يصح التوسع بكل أمرٍ محرم، ومن ذلك المعازف، ومن ذلك آلات اللهو، وهذا خطأٌ بيّنٌ بالغ، وإنما يصح في يوم الفطر فقط الضرب بالدف، سواءٌ كان ذلك للرجال أو للنساء، للصغار أو للكبار.
في الصحيحين[2] أن أبا بكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم الفطر؛ أي في يوم عيد الفطر، وعند عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها جاريتان من الأنصار تدفان بالدف تغنيان بما كان من يوم بُعاث، فقال أبو بكرٍ والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مضطجعٌ ملقي هؤلاء ظهره، قال: "أبمزمار الشيطان؟"، وفي رواية: "أبمزمور الشيطان في بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟"؛ يشير إلى الدف والضرب به، فالتفت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه مصححًا وموجهًا فقال: «يا ابن أبي قحافة إنه يومُ عيد»، فقد رخَّص عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام في يوم العيد في الضرب بالدف فقط، لا بالطبل، ولا بالزير، ولا بالتوسع بآلات المعازف والملاهي.
اعلموا ذلك -عباد الله- لتعلموا أن في ديننا فسحة، وأن يوم النحر يوم فرحٍ وسرور، لا يوم تقطيبٍ ولا يوم تجهم، ولكن لا يُتوسع في الفرح والسرور إلى الوقوع في معاصي الله.
ثم اعلموا -عباد الله- أن يوم العيد يوم الجوائز، من لم يكن فائزًا بجائزة الرحمن فإنه الخاسر ولو ادَّعى بذلك فرحًا يدَّعيه ويستجلبه بمعاصي الله، ولا يُستجلب الفرح بمعصية الله عَزَّ وَجَلَّ.
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارا.
إن أيام العيد أيام فرح، وأيام أنس، وأيام تواصل، فيهنئ المسلمون بعضهم بعضًا بهذا العيد، ويتواصل أولو الأرحام بعضهم مع بعض وذلك بحدود الشرع، وبحدود ما يسنه ولي الأمر من أنظمة تسوس الناس في صلاح دينهم ودنياهم.
واعلموا -عباد الله- أنه ليس من شكر هذه النعمة؛ نعمة العيد بعد نعمة الصيام في أداء الفرض، ليس من شكرها تضييع الفرائض، فكم نرى من مخالفات الناس العامة، وها هو اليوم يوم الجمعة لم يمتلئ المسجد؛ لأن من الناس من اعتاد على سهر الليالي وعلى نوم النهار، فربما جمع الظهر مع العصر، ولا شك أن هذه مخالفةٌ عظيمة، ووقوعٌ في نهيٍ كبير، حيث لم يهتم بأعظم فرائض الدين بعد توحيد رب العالمين؛ ألا وهو إقامة الصلاة في وقتها. نعم يا عباد الله؛ الدنيا تُطوع لأجل فرائض الله، ولا تُطوع فرائض الله لأجل ملهياتنا ومشتهياتنا، هذا الواجب على المؤمنين شكرًا لله على نعمه، وحمدًا له على إفضاله، وأداءً له جَلَّ وَعَلا بحقه وواجبه.
ثُمَّ اعلموا عباد الله! أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَىٰ الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
[1] أخرجه مسلم (1162) بنحوه.
[2] أخرجه البخاري (949)، ومسلم (892) بنحوه.
- التصنيف: