المكانة والمرأة
"المرأة لها مكانة لا مثيل لها، ولا يمكن أن يحققها غيرها مهما بلغ من سعي وحرص..."
الإنسان المعاصر بخاصة دائم البحث عن تحقيق الألقاب والدرجات العلمية التي تجعل له مزيد احترام وتقدير من المجتمع.
يفضل عمل عن عمل ووظيفة عن وظيفة، يقضي غالبية أفراد المجتمع ما يزيد على ثمانية عشر عامًا في الدراسة، وهذا كله من أجل تحقيق مكانة بين المجتمع بالرغم من علمه في أثناء طلبه أن النسبة تزيد على سبعين في المئة لكي يجد عملًا له علاقة بشهادته تلك!
لا يغيب عن معاصر حالة اللهث خلف الألقاب والدرجات وكذا... بحثًا عن المكانة الاجتماعية، بل خرج علينا من يقول إن المرأة يجب أن يكون لها عمل خاص بها، وحياة خاصة، ويجب أن نرخي لها حبل الشدة حتى تحقق ذاتها، وأن يكون لها حياتها الخاصة، وأن تتفتَّح أمامها أبواب الوظائف. وفي الحقيقة، وبالرغم من معرفتي التامة بأن هذا الحديث سيفهم خلاف ما أراده كاتبه، ولكن لا بد مما لا بد منه. أرى أن المرأة بخاصة المرأة في المجتمع الإسلامي لا حاجة لها في تحقيق ألقاب ونيل درجات عملية حتى تحقق ذاتها، أو لكي تثبت مكانتها في المجتمع.
الحق أن الإنسان منا دائم البحث عن وظيفة وعمل يضعه في مكانة اجتماعية ينظر له بنظرة الإجلال، وأن الإنسان من وراء بحثه وعلمه وعمله واختياراته يرمي بأن يكون له من بعد ذلك هُوِيَّة يعرف بها نفسه، ويفتخر بها أمام أقربائه وأحِبَّائه، بالإضافة إلى من يبغي أن يترك من بعده أثرًا يدوم ويمد في سيرته، فالإنسان كما يقولون يموت مرتين: مرة عند دخوله القبر، ومرة أخرى عند موت آخر رجل يعرفه.
وبالرغم من ذلك كله أجد عند القراءة في التراث الإسلامي ما يعطي المرأة مكانة لا مثيل لها، ولا يمكن أن يحققها غيرها مهما بلغ من سعي وحرص، ألمس ذلك جليًّا عند قراءة مثل هذه الأحاديث: عن معاوية بن جاهمة السُّلمي: أن جاهمة رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرُك، فقال: «هل لك من أُمٍّ» ؟ قال: نعم، قال: «فالزمها، فإن الجنة تحت رجليها»؛ (رواه النسائي)، وقال العلامة الألباني: (حسن صحيح) .
وما الجنة؟ هي الهدف الأسمى الذي يرنو إليه مشارب كل مسلم، في سبيلها يتخلى الفرد عن مباهج الدنيا، في سبيلها يمتنع الفرد عما يمكن أن يحقق له اللذة والمتعة، في سبيلها تتفطَّر أقدام العابدين، في سبيلها تسيل دماء الشهداء.
يكفي للمرأة المسلمة أنها حية - موجودة - من ثم هي تتربَّع على عرش أسفله الجنة! وما الأثر الذي من الممكن أن تدركه؟ أن تكون سببًا في دخول أفراد غيرها الجنة! وإلى أي شيء قد يطمح الطامح غير ذلك! أي والله، إن الأم المؤمنة تلك لا مثيل لها، وأن هذا الحديث ليس ضربًا من ضروب الرومانتيكية أو الطوباوية، وليست هذه مشاعر أفلاطونية، هي ذات مكانة نتيجة لعناء ومشقة ينظر لها الآن نظرات دنو وتحقير. اقرأ معي، قال الله تعالى:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]، وعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يُبايعه على الهجرة، وترك أبوَيه يبكيان، فقال: «ارجع إليهما، وأضحكهما كما أبكيتهما»؛ (رواه أبو داود).
يقولون: إن الدين الإسلامي فضل الرجل على المرأة - يتركون الحكم على إطلاقه هكذا- فماذا إذًا عن حديث المِقدام بن مَعدي كَرب - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يوصيكم بأمهاتكم-ثلاثًا- إن الله يوصيكم بآبائكم، إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب»؛ (والحديث رواه ابن ماجه وصحَّحه الألباني).
الآن في عصر العولمة في ظل غلبة حضارة السوبر ماركت أصبح هناك انتقاص ممَّا تعانيه الأم في سبيل الإنجاب: آلام الحمل وتعب الولادة وسهر الرضاعة وصبر التربية، كل ذلك مشمول بطيب الخاطر، ومغلف بالحنان والمحبة! لا نقول هذه هي وظيفة الأم، وأن المرأة تُعرف داخل إطارها هذا، بل نقول إنها المهمة الأسمى والتكليف الرباني الذي خصَّها الله بها لحكمة يعلمها وعلة يدركها.
لم يكن على الله ببعيد أن يكلف الرجل بمثل هذه المهمة ولكن اختار الله عز وجل الأم واختبر بها، كما اختار الإنسان ليحمل الرسالة وكلَّفه بحمل الأمانة التي أشفقت منها الجبال بل والسموات والأرض. وغير غائب عنك أن التكليف من رب العزة تشريف.
تلخصيًا: إذا كان الشيء يكتسب قيمته من أدائه لوظيفته، والإنسان شيء، فالإنسان يستمد قيمته من أداء وظيفته، وتلك الوظيفة هي: عبادة الله عز وجل، وعمارة الأرض. العبادة يشترك فيها كل مسلم، ولكل مجتهد نصيب. وعمارة الأرض بالنسبة للمرأة، في عمارة أجيال تشيدها وتنميها؛ لذلك فيما أعتقد إن المرأة ليست بحاجة إلى حيرة البحث عن دورها في الحياة والهدف الذي تكرس في سبيله حياتها. وفي نفس الوقت إذا كان الأمر كذلك، فالمرأة هي الأعلى قيمة؛ حيث إنه تعرف ما الذي يجب أن تفعله بالإضافة إلى أنها فُطرت على فطرة تساعدها.
_____________________________________________________
الكاتب: شهاب أحمد بن قرضي
- التصنيف:
- المصدر: