انتخابات الهند وواقع مسلميها

أمير سعيد

الوجوه التي كان يتوخاها أيّ نظام «استعماري» لا يريد أن يرى المسلمين شركاء في الحكم في دولةٍ يمثلون فيها أقلية، أو يزاحمهم فيه غيرهم بحصة أكبر من حجمهم.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -

الوجوه التي كان يتوخاها أيّ نظام «استعماري» لا يريد أن يرى المسلمين شركاء في الحكم في دولةٍ يمثلون فيها أقلية، أو يزاحمهم فيه غيرهم بحصة أكبر من حجمهم، إن كانوا يمثلون فيه أكثرية، وفي الوقت عينه يرغب في أن يظهر كنظام ديمقراطي، يختار فيها الشعب بمكوناته حكومته، وفق إرادة حرة؛ تكاد تتطابق في العالم، تدور حول جملة من الإجراءات، بعضها يُطبّق بحذافيره، وبعضها يُؤجَّل أو يُجمَّل، يُزاد فيه أو يُنقَص، لكنه يتشارك غالبًا في تلك الإجراءات:

 تعديل الدستور؛ بحيث يُهمّش الأقلية المسلمة، أو يمنح الأقلية الأخرى امتيازًا عاليًا.

• ضبط الدوائر الانتخابية؛ بحيث يتم تحريك الدوائر جغرافيًّا لتجزئة المكونات بطريقة تسمح بحظ أوفر لمن يُراد تكثيره، وبالعكس فيما يخص المسلمين.

• التذرع بقدسية «المواطنة»؛ لمنع أيّ إحصاء حقيقي يقوم على أُسُس دينية؛ لتجهيل حجم المسلمين الحقيقي، وحرمانهم من معرفة قوتهم الحقيقية وحصتهم الواقعية؛ تمهيدًا لتفتيتهم وتهميشهم.

• العمل على التشديد في مسألة عدم السماح بتأسيس الأحزاب على أُسُس دينية فيما يخص الأحزاب المسلمة، والتجاوز ضمنيًّا عن غيرها.

• تجريد الأكثرية أو الأقلية المسلمة من بعض أدوات دعايتها، عبر التضييق عليها في تراخيص وسائل الإعلام المناصرة لها، في مقابل تسهيل الأدوات المساندة لمناهضيها.

• عدم إفراد مساحات دعائية متكافئة بين المتنافسين؛ بحيث لا تمنح المسلمين حجمهم.

• ضمان تشكيل مفوضية الانتخابات والجهات القضائية المعنية بحيث تكبح ترشيحات شخصيات ذات كاريزما أو شعبية طاغية في الدوائر التي ينافس فيها المسلمون غيرهم من أقليات دينية أخرى. وكذا عرقلة الاعتراضات التي قد تنشأ عن مخالفات انتخابية تصبّ في صالح غير المسلمين.

• التدقيق في تمويل الدعايات الانتخابية للمسلمين، مع غضّ الطرف عن غيرهم.

هذا في الأصل، وتدور أجرام أخرى في هذا الفلك.

فما حظ الهند من كل هذا؟

الانتخابات الهندية التي أفرزت برلمانًا جديدًا للعام 2024م، جلَّت هذه الوجوه وتلك الإجراءات، وزادت بغيرها؛ حيث جسَّدت الانتخابات الإرادة الهندوسية، لا الهندية، وجاءت تعبيرًا عن إرادة الدولة العميقة، لا الدولة الحقيقية، والإرادة الشعبية المتنوعة بتنوع فسيفساء الهند بدياناتها وأعراقها وطبقاتها.

 

تاريخيًّا:

لم ينكشف الدور الكامل لبريطانيا في تقويض التفوق الإسلامي في الهند بعدُ، لكنَّ بعض الدراسات يمكنها أن تعطي تصورًا عن بعض ما قامت به بريطانيا لإزاحة مسلمي الهند عن صدارة حكمها، ولعل دراسة أجراها عالم الأنثروبولوجيا الاقتصادية جيسون هيكيل، في المجلّة الأكاديمية World Development، وكشفت عن أن بريطانيا قد تسبَّبت بمقتل ما يقارب من 165 مليون شخص في الهند من عام 1880 إلى عام 1920م، قد تفتح مجالًا للبحث عن دور بريطانيا في تغيير التركيبة السكانية للهند لغير صالح المسلمين. لا سيما أن الدراسة أشارت بوضوح إلى دور تآمري بريطاني في مقتل نحو 5 ملايين في مجاعة البنغال الشهيرة في العام 1943م، حين أغلقت بريطانيا الحدود من بلاد البنغال (المسلمة)، وحظرت تصدير الحبوب إليها. وبحسب الدراسة، فإنّ هذا الرقم لا يشمل عشرات الملايين من الهنود الذين ماتوا في مجاعات من صُنع الإنسان تسبّبت فيها الإمبراطورية البريطانية.

ثم تكشف دراسات عديدة عن دور خبيث للندن في تقسيم شبه القارة الهندية، مُشجِّعةً كلاً من المنظمات والهيئات والتكتلات التي دعت إلى انفصال باكستان بشقيها الشرقي (بنغلاديش) والغربي عن الهند، سواء من الجانب المسلم أو الهندوسي، واللذين كانا يتعايشان بشكل جيد (على نحو ما قرره مولانا أبو الكلام آزاد قائد الجهاد ضد «الاستعمار» البريطاني، ومفكرون مسلمون آخرون في العالم، مثل مالك بن نبي في الجزائر)، حيث ارتأى المفكرون والقادة الأقرب للمسلمين أن في انفصال باكستان إضعافًا للمسلمين، وإذهابًا لريحهم.

ثم إن ما قامت به بريطانيا في الماضي، استكملته النظم المتعاقبة التي ظلت وَفِيَّة لهذا النمط من التقزيم للمسلمين، إلى أن جاء حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم اليوم، فعمد إلى مزيد من التقزيم وتشتيت الأصوات الإسلامية في الانتخابات، عبر صياغة نظام دوائر يقلّل من فُرَص فوز مرشحين مسلمين.

دستوريًّا وقانونيًّا:

لقد وُضع نظام دستوري وقانوني يجعل من الانتخابات مفضية إلى عدم فوز المسلمين بما يكافئ نسبتهم من السكان، وأبسط مثال لذلك هو النظام الانتخابي الذي سمح لحزب بهاراتيا جاناتا بأن يمثل الأغلبية الحاكمة وفق نظام يمنح مَن يتجاوز ثلث الأصوات تشكيل الحكومة دون الحاجة إلى تحالفات أو إعادة الانتخابات، وهذا بدوره يرفع من تأثير الهندوتفا (الفاشية الهندوسية العنصرية)، فيما يقلل من تأثير المسلمين، والأقليات عمومًا في الانتخابات[1]. ثم تأتي القوانين اللاحقة كثيرة ومتعاقبة في تحجيم تأثير المسلمين، عبر التدثر دومًا بعلمانية الدولة لكبح الشعور الإسلامي في الممارسة السياسية، فيما تترك الأبواب مشرعة للترويج للهندوسية المتعصبة بلا حدود.
 

حكوميًّا:

تتنوع الإجراءات التي تقوم بها الشرطة، والمفوضية العامة للانتخابات في الحيلولة دون تصويت المسلمين بشكل طبيعي؛ فقد أظهرت مقاطع كثيرة في انتخابات 2024م تعنُّت الشرطة ضد المسلمين، بمنعهم من التصويت، أو بالتضييق عليهم بحجة أن بطاقاتهم مزيفة، خاصةً في منطقتي سامبهال وبادايون اللتين يوجد فيهما المسلمون بكثرة. وأظهرت مقاطع الفيديو آثار الضرب على أجساد مسلمين كانوا في طريقهم للمشاركة في الانتخابات التي وصلت إلى مرحلتها الثالثة؛ حيث مُنع العديد من الناخبين خاصة النساء من التصويت، بعدما طلبت منهم قوات الشرطة العودة إلى منازلهم، بعد أن وصفت الإدارة المحلية بطاقات الهوية الخاصة بهم بأنها مزيفة، على الرغم من تقديم النُّسخ الأصلية منها[2].

كما وضعت العراقيل أمام النساء المسلمات تحديدًا بعد أن طالبت وحدة دلهي لحزب بهاراتيا جاناتا بـ«التحقق المناسب» من الناخبات اللاتي يرتدين النقاب، ويقول رئيس مجلس اتحاد المسلمين لعموم الهند (AIMIM) أسد الدين عويسي: إن «حزب بهاراتيا جاناتا يريد استهداف النساء المسلمات، ويخلق عقبة أمامهن في الانتخابات. وفي تيلانجانا، قام مرشحهم بإهانة ومضايقة النساء المسلمات علنًا. وفي كل انتخابات، يجد حزب بهاراتيا جاناتا عذرًا أو آخر لمضايقة واستهداف النساء المسلمات[3].

وبالجملة؛ فإن الممارسات الحكومية ضد الناخبين المسلمين، وكذلك ضد المرشحين المسلمين، بل وحتى الاعتقالات التي طالت كوادر «مسلمة» داخل الحزب الحاكم نفسه؛ لمعارضتهم رئيس الوزراء مودي، قد حدت بكثير من المؤسسات الدولية إلى اعتبار الهند دولة استبدادية لا ديمقراطية، وتأخذ مؤسسة «فريدوم هاوس» لمراقبة الديمقراطية هذا التدهور في الحسبان حينما خفَّضت تصنيف الهند إلى بلد «حر جزئيًّا» في وقتٍ مبكر من العام الجاري. ورغم أن بعض المؤشرات الديمقراطية بدأت تُصنِّف الهند بوصفها «ديمقراطية معيبة»؛ فإن هناك مؤشرات أخرى لم تَعد تعتبر البلد ديمقراطيًّا بالمرة.

وليس التضييق وحده، بل حتى التزوير العلني في بعض المناطق التي يُخْشَى فيها من صعود المسلمين، أو فوز التكتل الذي يرمون فيه بثقلهم، وهو «كتلة الهند» بزعامة حزب الكونغرس (المؤتمر) المعارض.

وألوان الاضطهاد كثيرة، لكن ما تقدَّم هو لمجرد التمثيل عن أجواء الانتخابات نفسها، وإلا فالصور كثيرة، وسيتم بسط بعضها لاحقًا.
 

إعلاميًّا:

القول بأن دعاية حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم قائمة في معظمها على بث الكراهية تجاه المسلمين، وتخويف الهندوس منهم، صحيح بدرجة كبيرة؛ فالمنظمات العنصرية اليمينية الهندوسية التي تدعم الحزب تروّج لضرورة إبادة المسلمين، ومنعهم من بسط هيمنتهم على البلاد، وإقامة دولة الهندوس العظمى، أما الحزب نفسه؛ وعلى لسان رئيسه؛ فهو يحمل خطابًا في غاية التطرف، وفي الانتخابات المنصرمة تركزت دعاية مودي على أن حزب المؤتمر المعارض سيأخذ أموال الهندوس ليمنحها للمسلمين، الذين يتكاثرون بسرعة سعيًا لإقامة دولة إسلامية متطرفة، ويتّهم المسلمين علانيةً بالتطرف والإرهاب (ثم يتراجع مكتبه في حال تقدم الحزب المعارض بشكوى مثلما كان الحال مع الرسم الكاريكاتوري الذي أهان المسلمين ونشره الحزب الحاكم على نطاق واسع مؤخرًا).

ويروّج الحزب بكثافة لما يُسمَّى بـ«جهاد العشق»، الذي يعني أن المسلمين يجتهدون في الإنجاب بغية السيطرة على البلاد، وأن لا منقذ للهندوس من الوقوع في «براثنهم» إلا بالتترس خلف الحزب الحاكم ذي القبضة الحديدية.

 

ظلال الاضطهاد المتشعِّب ضد المسلمين:

هذا عن أجواء الانتخابات، لكن الانتخابات في الحقيقة لم تَجْرِ في ظل هذه المماحكات والإجراءات الأخيرة وحدها، فليت الأمر كان يقتصر على مجرد مضايقات انتخابية، والمنع من حقوق التصويت والترشح وحدها. فما سبق الانتخابات أعظم بكثير مما زامَنها، وإن بدا الأخير فاقعًا.

لقد استبقت الانتخابات بفترتي حكم لرئيس الوزراء الهندوسي المتطرف، ناريندرا مودي، كانت هي الأسوأ على الإطلاق بالنسبة للمسلمين من بعد ما سُمِّي بالاستقلال، وكان من أبرز ما اتسمت به تلك الفترتان: غياب الأمان الشخصي للمسلمين، والتهديدات للحياة والكرامة، وعمليات القتل والتهجير، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي، وخسارة الامتيازات والحريات، إلى جانب انتهاكات حقوقهم وحرياتهم المكفولة دستوريًّا، في حين اكتسب الهندوس الهيمنة عليهم في الساحة السياسية والمجتمعية.

وبين يدي الانتخابات، كانت نحو 25 ألف مؤسسة تعليمية إسلامية قد أُغلقت، وهُدمت آلاف المساجد، وأُقيمت معابد مكانها أو كادت، لا سيما تلك الأثرية والتاريخية والكبيرة، ومنع تراخيص التمويل الخيري عن 25 ألف مؤسسة، ونُفِّذت مذابح ضد المسلمين، وسُنَّت قوانين جائرة ضد المسلمين في ولايات عدة، منها قانون الجنسية، الصادر في العام 2019م، والذي وُضِعَ في حيّز التطبيق هذا العام، والذي يمنح الجنسية الهندية للهندوس والبارسيين والسيخ والبوذيين والجاينيين والمسيحيين الذين فروا إلى الهند ذات الأغلبية الهندوسية من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان -ذات الأغلبية المسلمة- قبل 31 ديسمبر 2014م. ويستثني المسلمين وحدهم من منح الجنسية، وقانون «تجريم الدعوة إلى تغيير الديانة»، والمقصود به تحديدًا المسلمين، بعد أن تكاثرت أعداد الداخلين في الإسلام، خصوصًا من طبقة الداليت[4] الهندوسية المضطهدة، ويجعل من حق ذوي المسلمين الجدد الحق في إعادتهم للهندوسية قسرًا بمعاونة الدولة، عبر التشكيك في إسلامهم، والأخذ بشهادتهم به، وبالتالي يعادون إلى الهندوسية قسرًا[5]، ويعاقب الدعاة على ذلك، وقد تم ذلك بالفعل، واقتيد كبار الدعاة المسلمين للسجون باسم هذا القانون الجائر.

واللافت أيضًا، أن الحكومة الهندية المتطرفة تسابق الزمن في كل ما يتعلق باضطهاد المسلمين، وهضم حقوقهم، وآخرها تحديد موعد أقصاه 30 سبتمبر القادم، لإجراء انتخابات في جامو وكشمير، بعد أن صادقت المحكمة العليا في الهند على إلغاء الحكم الذاتي لجامو وكشمير، الولاية الوحيدة التي يغلب فيها أعداد المسلمين الهندوس، وفقًا للمصادر الرسمية الهندية، والتي احتلتها الهند منذ «الاستقلال»، لكنها منحت قدرًا من الحكم الذاتي بعد 3 حروب خاضتها باكستان[6] مع الهند لتحريرها.

ولعل المقام لا يتسع هنا لإجمال معظم الفظاعات التي يقوم بها نظام مودي ضد المسلمين، والتي هيَّأت مناخًا مظلمًا للمسلمين قبل وأثناء الانتخابات.
 

مسلمو الهند:

من السهل إحالة كل الجرم والمسؤولية والعتب على الأطراف الأخرى، سواء أكان الحزب الحاكم الأشد تطرفًا، أم كتلة الهند المعارضة التي تضم حزبي العدالة والتنمية والمؤتمر (الكونغرس)، وتتخذ مواقف أقل تشددًا حيال المسلمين، وتَعِد بتحقيق قدر من العدالة للأقليات، ومراجعة تلك القوانين السالفة. غير أن المسلمين الذين يتردد على نطاق واسع أنهم يمثلون 14-15% من سكان الهند، ويمثلون أكبر أقلية مسلمة في العالم، وتحصيهم أقل دوائر الإحصاء تقديرًا بنحو 200 مليون، وأشهرها «إسلاميًّا» بنحو 240-260 مليونًا، وتكاد تحصل على لقب أكبر كتلة مسلمة في العالم متجاوزة إندونيسيا بعد عدة سنوات من الآن، مثلما تقرر بعض الدراسات، وتبالغ بعض المنظمات الهندوسية في تعدادهم لتتحدث -ترهيبًا منهم- أنهم قد جاوزوا الآن -أو يكادون بعد عقدين من الآن- نسبة الهندوس أنفسهم في الهند! هؤلاء المسلمون يعانون من سياسة داخلية فاشلة، ودعوة غير ناضجة، وإخفاقًا في التعرف على مكامن قوتهم... ودعونا نمثل لذلك.

• انخفض تمثيل المسلمين في البرلمان الهندي للنصف في نسخته الأخيرة (قبل انتخابات 2024م).

• لا تحرص أيّ من الأحزاب الكبرى في الهند على ترشيح مسلمين فيها؛ نظرًا لضعف قدرتهم الانتخابية، وعدم تمكّنهم من توظيف حجمهم على النحو الأمثل، هذا عدا بالطبع على ما يكنّه الهندوس في معظمهم ضدهم من كراهية، حتى في الأحزاب العلمانية كحزب المؤتمر.

• لم تعدهم الأحزاب الحكومية أو المعارضة بشيءٍ ذي بال، حتى حزب المؤتمر الذي وعد بمراجعة قوانين مجحفة ضدهم، نأى بنفسه عن إدانة فظائع حزب بهاراتيا جاناتا والمنظمات الدائرة في فلكه ضد المسلمين.

• تظهر أرقام أعلنتها دراسة هندية أكاديمية موثقة أن نسبة إقبال الهندوس والمسلمين في انتخابات 2009م قد بلغت 58% و59% على التوالي في الانتخابات العامة عام 2009م، وهي نسبة متساوية تقريبًا. ولكن بحلول عام 2014م، زادت نسبة إقبال الهندوس بمقدار 10% لتصل إلى 68%، بينما ظلت نسبة التصويت للمسلمين عند 59%. وكانت هذه الحصص على التوالي 70%، و60% في انتخابات 2019م، بفارق كبير قدره 10% بين الناخبين الهندوس والمسلمين. وهكذا، يمكن للمرء أن يرى بوضوح تأثير استقطاب الأصوات الهندوسية، بينما ظل سلوك تصويت المسلمين دون تغيير خلال الانتخابات العامة الثلاثة الأخيرة. ونتيجة لذلك فقد تم إضعاف المسلمين وتهميشهم أيضًا.

• بدلًا من أن يتخذ المسلمون من الطبقية الهندوسية سُلمًا لدعوتهم وفرصة لإدخال الهندوس المنبوذين في دين الله أفواجًا، فإن الطبقية تفشَّت في المسلمين أنفسهم، وظهرت طبقة الباسماندا (الأضعف اقتصادًا من الحرفيين والرعاة وغيرهم)، ويتعاظم شعورها الحزبي ضد الطبقة «العليا» من المسلمين، وبالتالي يسهل استقطابها طبقيًّا في الانتخابات بعيدًا عن المصلحة العامة للمسلمين. هذا علاوة على ما ينجم عن ذلك من تفرُّق وحدة المسلمين وتشتُّت جهودهم في كل مواجهة.

• استطاع الحزب الحاكم -رغم كل جرائمه- أن يضم آلافًا من المسلمين في صفه من المرتزقة، وأن يخدع بعض بسطاء المسلمين للتصويت له، رغم أن مجمل المسلمين (أكثر من ثلاثة أرباعهم لا يمنحونه أصواتهم).

• السياسة المضطربة التي اتخذها اتحاد مسلمي عموم الهند، وحالت دون أن يصبح المسلمون رقمًا فاعلًا في الانتخابات، وغيرها من أدوات القوة السياسية الداخلية.

إن المؤامرة على المسلمين الهنود كبيرة جدًّا، ويتشارك فيها إلى جانب حزب مودي: منظمة التطوع الوطنية (RSS) المتطرفة، والمنظمات الرديفة معتنقة الهندوتفا (العصبية الهندوسية اليمينية الحالمة بدولة الهندوس الكبرى على أنقاض باكستان وأفغانستان وبنغلاديش وغيرها)، كما يتحالف فيها هذا اليمين الهندوسي مع نظيره الأوروبي[7]، وكذا الصهيونية العالمية التي تتعاون مع نظام مودي ضد المسلمين، غير أن ما يمكن للمسلمين أن يقوموا به في الداخل والخارج كثير، وممكن في حدوده الدنيا على الأقل.

ففشو الوعي بالمخاطر المحدقة بالمسلمين الهنود واجب دومًا، لكنَّه اليوم آكد، كما أن مناهضة الطبقية التي نمت أكثر ضرورة دعوية، وإشعار المسلمين أنفسهم بقوتهم وعزتهم، وإحياء روح المقاومة للاضطهاد بكل وسيلة قانونية متاحة، وانتزاع الحقوق هو ضرورة كبرى، كما أن إشعار الهند التي تعتمد على 50 مليار دولار تُحوّلها عمالتها الخارجية إليها أن عليها دَيْنًا للدول الإسلامية في ذلك؛ هو أمر مطلوب كذلك، كما أن تذكير الهند بمصالحها الكبيرة مع الدول الإسلامية هو ضرورة كبرى، وعنصر ضغط ينبغي أن تُوليه الدول الإسلامية اهتمامًا.

كما يتعين على الدعاة التذكير بالقضية الهندية، كإحدى أكبر كتل المسلمين في العالم، وعنصر مهم في نهضتها الماضية والمستقبلية. ثم إن إعادة تنظيم المؤسسات الإسلامية المعنية وتجديد دمائها وشبابها ضرورة أخرى، والتحول من حالات التجمّد والانغلاق التي تحياها بعض المدارس والمؤسسات الإسلامية العلمية في الهند إلى حالة التطور والانطلاق ضرورة هي الأخرى لتحريك الراكد وانتشال الغرقى.


[1] انظر مثلًا إلى مقابل ذلك في الدول التي يمثل فيها المسلمون أغلبية، كيف يُرفَع من قيمة أصوات الأقليات، وربما مُنِحُوا حجمًا أكبر وفقًا لنظام المحاصصة، غير المعمول به في الهند بطبيعة الحال.

[2] وفقًا لتقرير بثته قناة الجزيرة 7/5/2024م.

[3] أسد الدين العويسي، تغريدة على موقع X.

[4] تعتبر هذه الطبقة منبوذة في الهند لاعتقادهم أنها قد خُلقت من قدم الإله (تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا)، ويصبح النبذ بها لصيقًا لا ينفك عن أهلها أبدًا.

[5] لا يختلف هذا الأسلوب كثيرًا عما اتبعه القوط والقشتاليون في الأندلس بعد سقوطها؛ وفقًا لما سُمِّي باسم محاكم التفتيش.

[6]  لم تعد باكستان تكترث كثيرًا بضم كشمير، بعد آخر انتفاضة دولية حاول أن يقيمها رئيس وزراء باكستان السابق عمران خان للاحتجاج على ضمها بشكل غير قانوني.

[7] بلغ إيلاء أوروبا «المسيحية» مصلحتها الاقتصادية حد قبولها لاضطهاد غير مسبوق للنصارى الهنود وارتكاب بعض المجازر ضدهم، وأيضًا تفضيلها لديكتاتورية هندوسية تضطهد المسلمين، ولو دفع نصارى الهند لذلك قربانًا في سبيل تحقيق تلك الغاية.