شرح حديث أبي هريرة: إن الله تعالى يغار..

منذ 2024-06-29

«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ»

 

عنْ أبي هُريرةَ رَضْيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلَّي اللهُ علَيه وسلَّم، قَالَ: ««إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ» » [متَّفقٌ عَليْه] .

والغَيْرةُ: بفتْحِ الغَين، وأصْلُها: الأَنَفةُ.

قال العلَّامةُ ابنُ عثيمين - رحمه الله -:

قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إنَّ النبي صلي الله عليه وسلم قال: « «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ»» .

قوله: «محارِمُه»؛ أي: محارم الله. والغَيرةُ صفةٌ حقيقيَّةٌ ثابتةٌ لله - عزَّ وجلَّ - ولكنَّها ليسَتْ كغَيْرتنا، بل هي أعظمُ وأجلُّ، والله - سبحانه وتعالى - بحكمتِه أوْجبَ علي العباد أشياءَ، وحرَّم عليهم أشياء، وأحلَّ لهم أشياء.

فما أوجبه عليهم فهو خيرٌ لهم في دينهم ودنياهم، وفي حاضرهم ومستقبلهم، وما حرَّمه عليهم فإنَّه شرٌ لهم في دينهم ودنياهم، وحاضرهم ومستقبلهم، فإذا حرَّمَ الله علي عبادهِ أشياء فإنَّه - عزَّ وجلَّ - يغارُ إن يأتي الإنسان محارمه، وكيف يأتي الإنسان محارم ربه والله - سبحانه وتعالى - إنَّما حرَّمها من أجل مصلحةِ العبد، أمَّا الله سبحانه وتعالى فلا يضره أن يعصي الإنسان ربه، لكن يغار كيف يعلمُ الإنسان أنَّ الله سبحانه حكيم ورحيم، ولا يحرِّم علي عباده شيئًا بخلًا منه عليهم به، ولكن من أجل مصلحتهم، ثم يأتي العبد فيتقدَّم فيعصي الله عزَّ وجلَّ.

ولاسيما في الزِّنا - نسأل الله العافية - فإنَّه ثبت عن النَّبيِّ صلي الله عنه وسلم أنَّه قال: «مَا أحَدٌ أغيرُ من الله أنْ يَزْنيَ عبدُه أو تَزْنيَ أمتُه»؛ لأنَّ الزِّنا فاحشة، والزنا طريقٌ سافلٌ سيِّء، ومن ثم حرَّمَ الله علي عباده الزنا وجميع وسائله، كما قال الله سبحانه: { ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾} [الإسراء: 32]، فإذا زني العبد - والعياذ بالله - فإنَّ الله يغارُ غيرةً أشدَّ وأعظمَ من غيرتِه علي ما دونه من المحارم. وكذلك أيضا - ومن باب أولى وأشد - اللواط، وهو إتيان الذكر، فإنَّ هذا أعظم وأعظم، ولهذا جعله الله تعالى أشدَّ في الُفحشِ من الزِّنا. فقال لوطٌ لقومه: {﴿ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾} [الأعراف: من الآية 80]. قال هنا: (الْفَاحِشَةَ) وفي الزِّنا قال: (فَاحِشَةً) أي: فاحشةٌ من الفواحش، أمَّا اللواط فجعله الفاحشة العظمي، نسأل الله العافية.

وكذلك أيضًا السَّرقة وشربُ الخمر وكل المحارم يغار الله منها، لكن بعض المحارم تكون أشدَّ غيرة من بعض، حسب الجرم، وحسب المضار التي تترتَّب على ذلك.

وفي هذا الحديث: إثبات الغيرة لله تعالى، وسبيل أهل السنة والجماعة فيه وفي غيره من آيات الصفاتِ وأحاديثِ الصفاتِ أنَّهم يثبتونها لله - سبحانه وتعالى - علي الوجه اللائق به، يقولون: إنَّ الله يغار لكن ليستْ كغَيرةِ المخلوقِ، وإنَّ الله يفرحُ ولكن ليس كفرحِ المخلوق، وإنَّ الله - سبحانه وتعالى - له من الصفات الكاملةِ ما يليق به، ولا تُشبه صفاتِ المخلوقين {﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾} [الشورى: من الآية11]. والله الموفق.

 

المصدر: «شرح رياض الصالحين» (1 / 496 - 498)

 

محمد بن صالح العثيمين

كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

  • 5
  • 1
  • 302

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً