الصهيونية والاتجاه المتسارع نحو العنصرية
إن التحوُّل الصهيوني المتسارع نحو التشدُّد والتطرُّف والعنصرية، يساهم بشكل كبير في إسقاط حقوق الشعب الفلسطيني؛ كون رؤيتهم تنبع من إيمانهم بأحقيتهم في دولة «إسرائيل» الكبرى، أو ما يُعرَف توراتيًّا بأرض كنعان
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
في استطلاعٍ نشرته القناة الصهيونية 12، بين أوساط الشباب من جيل 18 وحتى 25 سنة، كشف عن توجُّه صهيوني بشكل متسارع نحو اليمين واليمين الديني الاستيطاني المتطرف، وهو مؤشّر على توجُّه المجتمع الصهيوني نحو إسقاط حلّ الدولتين، ورفض الاعتراف بالحد الأدنى من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وفرض وإدامة الاحتلال والأبرتهايد والفصل العنصري.
اللافت في الاستطلاع، أن هذه الشريحة، هي مَن تمثل مستقبل دولة الكيان، ويظهر أن 70% من الشباب الصهيوني يصنّف نفسه في دائرة اليمين والوسط، وتمنح شريحة المستطلعين اليمين واليمين الاستيطاني 71 مقعدًا، وحزب «الصهيونية الدينية» الذي يقوده إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتس 14 مقعدًا، متفوقًا على حزب «ييش عتيد» الذي يتزعمه يائير لبيد، وحصول الأحزاب الدينية والدينية الاستيطانية المتشددة مجتمعة (شاس، يهدوت هتوراه، الصهيونية الدينية) على ما يقارب الـ40 مقعدًا، أي ما يعادل ثُلث أعضاء الكنيست.
إن هذه الصورة القاتمة التي تُمثِّل مستقبل الدولة الصهيونية القريب، تُلقي بظلالها ليس على المعسكر الليبرالي، الذي خسر نفسه وجماهيره وقواعده عندما تخلَّى عن القضية الأساس المتمثلة بالاحتلال والاستيطان وحقوق الشعب الفلسطيني، وانساق وراء التضليل الذي سوَّقته مقولة إيهود باراك حول عدم وجود شريك فلسطيني، مساهمًا بذاك في تدعيم الإجماع الصهيوني الذي يقوده اليمين المتطرف.
صورة الصهيونية المظلمة هذه لها تداعياتها وإسقاطاتها على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وهي تفرض تحديات كبيرة على قياداته في الضفة وغزة والداخل والشتات؛ لأنها تغلق الباب أمام خيار التسوية الذي جعله البعض خياره الوحيد، بعد أن أسقط من حساباته أي خيارات أخرى.
كما أن هذه الصورة تنذر بتوجُّه صهيوني نحو المزيد من العزل والحصار على غزة، واستمرار الفصل الجغرافي والسياسي بينها وبين الضفة الغربية؛ من خلال اللعب على وتر الانقسام الفلسطيني، ونحو تعزيز الاستيطان وقضم الأرض والضم الزاحف في الضفة، إلى جانب تخفيض مكانة السلطة الفلسطينية وحصرها في نطاق الأداء الوظيفي والتنسيق الأمني، ونحو إعادة فلسطينيي الداخل إلى الهامش السياسي ومحاصَرة مطالبهم في نطاق الحقوق المدنية الفردية، وهو مخطط تنجح دولة الكيان في فرضه على شعبنا، طالما لم ننجح نحن في تحطيم الحواجز والأقفاص السياسية التي حبستنا فيها؛ فأدمناها حتى أصبحنا نحرسها ذاتيًّا، ونسعى لبقائها وإدامتها، كما أنه مخطط تنجح دولة الكيان في فرضه على شعبنا، طالما لم ننجح في تحطيم الأقفاص والانطلاق إلى الفضاء الوطني العام بالعودة إلى فكرة الشعب الواحد والوطن الواحد والقضية الواحدة والمصير الواحد.
إن هذا الاستطلاع يؤكد على تعاظم اليمين المتطرف في دولة الكيان، في مقابل خسارة الليبراليين الصهاينة معركتهم أمام المتشددين الصهاينة، والمتطرفين الدينيين العنصريين، الذين سيطروا على القرار الصهيوني، ويضع الفلسطينيين أمام خيار واحد، وهو الاقتناع بأن هذه المنظومة الصهيونية لا تريد شريكًا لها، ولا تقتنع بوجود الفلسطيني حتى تؤمن بأن هذه هي أرضه، لذلك علينا مجابهة هذا النظام العنصري بشتَّى السُّبل والوسائل المتاحة من أجل تحرير وطننا وتحطيم جدرانه المصطنعة؛ ليتسع لنا ولأجيالنا القادمة.
الملاحَظ أن التوجهات الصهيونية ازدادت ميلاً نحو اليمين، ونحو التشدد الديني؛ نتيجة للتعبئة المتزايدة في هذا الجانب، فقد دخلت جماعات حريدية الساحة السياسية بعد أن كانت تحظر على أتباعها المشاركة في الانتخابات، بل وحرَّضت أتباعها على الانضمام إلى الجيش والخدمة فيه، وازدادت قوتها الانتخابية كذلك نتيجة التزايد الديموغرافي في الوسط الديني الذي يُعتَبر أكثر خصوبة من بقية الأوساط اليهودية.
التحولات السياسية والاجتماعية والديمغرافية في دولة الكيان هي من أنتجت وأوجدت هذا التوجُّه الصهيوني المتطرف، الذي يسعى دومًا لعرقلة المفاوضات وإعاقة وصول عملية السلام بين الصهاينة والفلسطينيين إلى نهايتها، ووضعها أمام صعوبات كبيرة أشبه بحائط مسدود خاصة فيما يتعلق بقضايا الحل النهائي، وعلى رأسها مسألة القدس التي ترى فيها الأحزاب الدينية المتشددة مسألة مصير لا يمكن الحديث عنها أو التفاوض بشأنها؛ لأنها مسألة تاريخية عقدية أيديولوجية تتعلق بمصيرهم الدينيّ ووجودهم، لذلك يسعون لطمس الملامح العربية والإسلامية فيها، والقيام بنشاطات مكثفة من أجل خلق واقع ديمغرافي جديد، وإسكان اليهود فيها وتهجير الفلسطينيين منها وإضفاء الصبغة اليهودية والصهيونية عليها.
إن التحوُّل الصهيوني المتسارع نحو التشدُّد والتطرُّف والعنصرية، يساهم بشكل كبير في إسقاط حقوق الشعب الفلسطيني؛ كون رؤيتهم تنبع من إيمانهم بأحقيتهم في دولة «إسرائيل» الكبرى، أو ما يُعرَف توراتيًّا بأرض كنعان، التي وردت في أسفار العهد القديم التي يجب أن تضم شمال سيناء، بالإضافة إلى فلسطين والأردن ولبنان وأجزاء من سوريا والعراق، وأن القدس هي عاصمتهم، والاستيطان حقّ وتمدُّد طبيعيّ لدولتهم الكبرى، وأن الفلسطينيين أغيارًا لا حقَّ لهم بأرض فلسطين، ويجب طَرْدهم وترحيلهم، هذا هو الفكر الصهيوني الجديد التي تسير خلفه حكوماتهم الصهيونية المتشددة، وصولاً إلى صراع عقديّ دينيّ يُنْهِي وجودهم الذي نصَّ عليه ديننا وقرآننا.